عمار عمروسية
تعيش بلادنا منذ مدّة على إيقاع صراعات “الفوق” المحتدمة وحراك “التّحت” المتنامي.
فأقطاب الحكم الأساسيّة تدور طواحينها دون هوادة ضمن مربّعات كسر العظام وفق منطق المغالبة والاستفراد بالحكم. فحرب رئاسات القصور الثلاثة تبدو عصيّة عن كلّ التّسويات الممكنة والتّنازلات المتبادلة.
يتدافع رؤوس الحكم نحو تحقيق أهدافهم السلطويّة بجميع الأسلحة السياسيّة والقانونيّة والدّستوريّة. فكلّ الوسائل نظيفها وأشدّها هبوطا وتحايلا مباحة.
سقطت جميع الوساطات بين كواسر الحكم وتبخّرت حكاية التّنازل من شيم الكبار. فالوطن في نظر إخوة الحكم /الأعداء لا شيء والشّعب في منظورهم “تفشة” وفي أحسن الأحوال مطيّة انتخابيّة لولوج القصور ووقود حطب معارك ذات أهداف رجعيّة.
تغرق البلاد في أسوإ أزماتها العميقة والشاملة منذ عقود وتتقهقر الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والصّحيّة كما لم يحدث من قبل وأجنحة الحكم ماضية في تصفية حساباتها دون حياء من هذا التّدحرج الذي أدخل مؤسسات الحكم الأساسيّة ومجمل الدّولة إلى منطقة العطالة والانقسام الذي يجد ترجمته الملموسة في وجود حكومة معطوبة فوق الميدان وأخرى على بنك الاحتياط. حكومة الميدان ونظيرتها منتصبتان لصالح حزام سياسيّ منهك بأثقال الفساد والعجز وأمامهما “فيتو” رئاسي ظاهره محاربة الفساد وشبهات تضارب المصالح وباطنه معركة الصلاحيّات التّنفيذية زيادة عن تأديب رئيس الحكومة.
“باردو” ابتلع “القصبة” وحوّل وجهة “المشيشي” من عكّاز رئيس الجمهوريّة في السلطة التنفيذيّة إلى قلب هجوم “الغنوشي” وتحالفه البرلماني في وجه “قرطاج”. مثلث “برمودا” ضمن الحسابات المتباينة والمتناقضة انتهى إلى معسكرين بينهما معارك التأويلات الدستوريّة والقانونيّة بما فيها اللّجوء إلى المحاكم ومحاولات توظيف الحراك الاجتماعي والتّلويح بمناصرته. تنهار المرافق العموميّة وتلامس خدماتها حدود الصّفر ويداهم الفقر وشبح الموت نتيجة تفشي كورونا شرائح إجتماعيّة واسعة. فأسياد الحكم أشاحوا بوجوههم عن شعبهم الذي يكتوي بنار الخصاصة وآفة البطالة وغلاء الأسعار زيادة عن تزايد مخاطر الإرهاب. فالسلطة في أدنى مستويات الحضور في معاناة التّونسيات والتّونسيين المذكورة أعلاه ثقيلة الأيادي غليظة القبضات حدّ التّوحش لقمع الحراك الاجتماعي وخنقه.