عديدة هي الآبار العمومية العميقة التي تم حفرها بمعتمدية ماجل بلعباس من ولاية القصرين من أجل إنقاذ المواطنين من عطش عقود من الزمن، والاستثمار في أراضيها الفلاحية الخصبة. إلاّ أنّ غياب الإرادة السياسية وعدم الاهتمام بالمشاكل الأساسية للمواطنين من قبل المسؤولين حال دون ذلك لتبقى تلك الآبار موصدة باللحام لعشرات السنين. وقد نخر الخراب والصدأ أبوابها وما وُجد بها من شبه قنوات.
ولعل بئر الهرية 2 المتواجد على حافة طريق أم الأقصاب وعلى بعد 3 كلم من المدينة يُعتبر “شيخ” الآبار المعطلة بالجهة وخير دليل على مدى جدية المسؤولين المحليين والجهويين ومن هم على رأس السلطة في التعامل مع القضايا الحقيقية للشعب ويكشف زيف الوعود الانتخابية والبرامج المثالية والخطابات الرنانة التي ينتهجها من تحيلوا على الشعب باسم الدّين والفقر من أجل الوصول إلى السلطة.
بئر الهرية 2 تمّ حفره سنة 1998 على عمق أكثر من 300 متر ومنذ ذلك الوقت لم ير حلم الفلاحين النور.. وكأنّ بالدولة نسيت أنّ بئرا عميقة حُفِرت هناك وأنّ مئات الملايين صرف هناك. أجيال بنَت أحلامها على أمل أن ينعموا بالماء الصالح للشراب ويمارسون نشاطهم الفلاحي ويقطعون مع الفقر والخصاصة التي يعيشونها. إلاّ أنّ البعض منهم غادر الحياة دون أن يتحقق حلمه، والبعض الآخر فقد الأمل في الدولة ومسؤوليها وشقّ اليأس نفوسهم ففرّطوا في أراضيهم بأرخس الأثمان. ومجموعة أخرى مازالت على حالها في الفقر والشقاء والعطش تنعم. تنظر لأراضيها القاحلة ذات التربة الخصبة بعين الغبن واليأس.
أكثر من عشرين سنة مضت والبئر معطلة ولا سبب واضح حول سبب التعطيل. عندما نبحث ونتأمل لا سبب مقنع للتعطيل بهذا الحجم. فكم من معتمد مرّ من هنا وكم من والٍ ومندوب فلاحة ووزير فلاحة ورئيس حكومة مرّوا دون أن ينظروا ولا حتى يمتلكون المعلومة ربما حول هذا الموضوع. بل إنهم وبكل وقاحة يتصدرون المنابر والمحافل ليحدثوننا عن حلحلة المشاريع المعطلة وعن دعم الفلاحين والعناية بالقطاع الفلاحي وعن نسب النمو وغيرها من أساليبهم القذرة الهادفة إلى مغالطة المواطنين والتلاعب بأحلامهم ومستحقاتهم.
إنّ تلاعب منظومة الحكم بالقطاع الفلاحي وسعيها لتدميره وإنهاك كاهل الفلاح أصبحت خيارا سياسيا واضحا لدى الرجعية الحاكمة. ولعل ما يعيشه الفلاح مؤخرا خير دليل خاصة فيما يخص ندرة الأعلاف المدعمة وغلاء أسعار البذور والأسمدة والأدوية والمشاتل وصعوبة الترويج وتدني أسعاره.
بئر الهرية 2 بماجل بلعباس نموذج للعبث على جميع المستويات
كمال فارحي