علي البعزاوي
تتواصل المعارك داخل منظومة الحكم بين مختلف اطرافها بشراسة لم يسبق لها مثيل دون اعتبار لعمق الأزمة التي تعيشها البلاد والتي تتجه بها نحو الإفلاس، رغم أنّ بعض الخبراء يؤكدون أنّ تونس تعيش حالة إفلاس غير معلن.
أساليبهم تدلّ على جوهر سياساتهم
الصراع بين طرفي الحكم، رئيس الدولة والمتحالفين معه من جهة والنهضة والأطراف الداعمة للحكومة من جهة أخرى، دخل فعلا مرحلة التعفن وليس بالإمكان اليوم انتظار تراجع من هذا الطرف أو ذاك بحثا عن مصالحة. والملفت للانتباه أنّ الطرفين الأساسيين في هذا الصراع يختبئان اليوم وراء مصارعين بالوكالة. والهدف هو محاولة كل طرف إسقاط وإلغاء الثاني من أجل الانفراد بمقود الحكم أو على الأقل تسجيل نقاط والمراكمة على تلك الطريق.
إنّ التصريحات والتصريحات المضادة بصدد التسريبات المتعلقة بمحاولات سحب الثقة من رئيس البرلمان باعتباره رأس أحد قطبي الصراع وباعتبار أنّ إبعاده عن رئاسة المجلس يشكّل منعرجا حاسما على طريق إسقاط النهضة وحلفائها وفي مقدمتهم حكومة المشيشي، ومحاولات كسب المؤيدين من هنا وهناك وما واكب ذلك من بيع وشراء وتصريحات بلغت مستوى من السقوط لا مثيل له في تاريخ الصراعات السياسية. وبقطع النظر عن حقيقة ما حصل بالفعل ومن هو الطرف الذي على حق والطرف الذي يزيف الحقائق فإنّ هذا الصراع اتخذ في كل الأحوال وجهة تنمّ عن سقوط أخلاقي غير مسبوق.
هذه الصراعات غابت عنها البرامج ومشاريع الإنقاذ والمقاربات الاقتصادية والسياسية والمالية القادرة على معالجة الأزمة لتحل محلها الاتهامات والمناورات ومحاولات توريط هذا الطرف للطرف المقابل بأساليب خسيسة تنمّ عن صبيانية سياسية وعن طفيلية مقيتة جديرة بخدم الكمبرادور الباحثين عن التموقع بأيّ ثمن دون سواهم.
هكذا تدار الصراعات السياسية بين الأطراف السياسية التي لا علاقة لها بمصالح الشعب والوطن. صراعات تُستعمل فيها كل الأساليب الخسيسة واللاأخلاقية المدفوعة بإرادة التفوق والانتصار على الخصم بقطع النظر عن وجاهة وأخلاقية الأساليب المعتمدة من عدمها. فالأساسي هو كسب المعركة وتسجيل النقاط وقهقرة الخصم السياسي. فالغاية بالنسبة إلى هؤلاء تبرّر الوسيلة عملا بالمثل الشعبي القائل “ذيل الكلب إذا يقطعك من الوادي ما يهمكش في نتونتو”.
هكذا تدار الصراعات السياسية بين خدم الكمبرادور. وهكذا تمارس الديمقراطية البورجوازية في هذه المرحلة من المسار الثوري التي تتسم بضبابية الرؤية وانسداد الآفاق وسقوط أيّ إمكانية لمعالجة الأزمة على أيدي مكونات منظومة العمالة والنهب والاستبداد والفساد.
إنّ هذه الأساليب اللاأخلاقية التي تحكم الصراعات تدل على أصحابها وتعبّر عنهم أحسن تعبير. وهي لازمة لخياراتهم وبرامجهم اللاشعبية واللاوطنية الخادمة لمصالح حفنة من السماسرة على حساب غالبية الشعب بمختلف طبقاته وفئاته.
إنّ السياسة بهذا المعنى لا علاقة لها بالقيم والمبادئ الأخلاقية بل هي مجرد مقاولات لتحقيق مصالح ضيقة. هذه الأساليب مرتبطة ارتباطا وثيقا وفي علاقة جدلية بجوهر السياسة البورجوازية التي تبرّر البزنس والفساد وتكرّس النهب والجشع.
السياسة أخلاق أو لا تكون
السياسة في الأصل خيارات وبرامج ومواقف من مختلف القضايا المطروحة. والصراعات الحقيقية بين مختلف تعبيراتها لا يجب أن تخرج منطقيا عن هذا المفهوم، أي صراع برنامج ضد برنامج ومشروع ضد مشروع وفكرة ضد فكرة. والأسلوب الواجب اعتماده للإقناع بوجاهة برنامج ما وخطورة أو مواطن خلل وضعف البرنامج المقابل هو أسلوب المحاججة والإقناع وإبراز المحاسن والتأكيد على الطبقات والفئات المستهدفة من البرنامج / المشروع المعني. هل هو برنامج خادم للأغلبية الشعبية وقادر على بناء مشروع وطني ديمقراطي شعبي منقذ فعلا، منتج للثروة ومكرس للعدالة الاجتماعية وموفّر للأدنى من العيش الكريم من خلال القدرة التشغيلية والأجور الضامنة للحياة الكريمة والخدمات الأساسية الراقية للاغلبية أم هو برنامج في خدمة الأقلية المافيوزية المتربعة على عرش الاقتصاد المحلي منذ الستينات ومشغليها من القوى والمؤسسات الاستعمارية. برنامج يفتح الأبواب أمام السمسرة والتلاعب والتآمر على الشعب وما حصل في ملف النفايات وفي ملفات أخرى مثل القمح الذي وقع إتلافه بسبب الإهمال الممنهج وغيره هي جرائم سياسية وأخلاقية لا علاقة لها في الأصل والمنطق بالسياسة.
إنّ الهدف المراد تحقيقه يحدد أسلوب الصراع بطبيعة الحال. فإذا كان المشروع من النوع الأول أي مستهدفا للأغلبية على حساب الأقلية في أفق البناء الاقتصادي المستقل المكرس للسيادة الوطنية فإنّ الأسلوب سيكون بالضرورة أسلوبا وفيا لأخلاقيات الصراع السياسي. أما إذا كان الهدف هو خدمة حفنة من السماسرة وكبرى الشركات والمؤسسات الأجنبية فعندها تصبح كل الأساليب الملتوية والتآمرية مباحة. فالغاية بالنسبة إلى هؤلاء تبرر الوسيلة.
لقد سقطت منظومة الحكم سياسيا وأخلاقيا في انتظار رحيلها غير مأسوف عليها. هذا الرحيل بات الشرط الضروري والأساسي للتعافي والخروج من الأزمة.