انطلقت معركة “سيف القدس” نصرة للأقصى وللمرابطين فيه والتحق بهم عرب الداخل المحتل وأهالي الضفة وأشعلوا الكيان من الداخل في خطوة توازي صواريخ المقاومة الدقيقة من حيث التأثير والتدمير. وتُرجمَ شعار القدس أقرب فعليّا على الأرض.
فمن جهة، تغيرت المعادلة وفقد العدو الصواب واحتار في اتخاذ القرار، فالسماء أمطرت صواريخا وشهبا والأرض امتلأت إطارات مشتعلة وتعطلت الحياة العامة. وعمليات مسلحة منفردة أربكت حكومة الاحتلال أكثر وشجعت أهالي الضفة الغربية على الالتحاق بالمعركة.
فتأكد العدو من وجود محور مقاوم خلف غزة العزة والمقدسيين الصامدين المرابطين في الأقصى وأدرك أنّ الحلم الصهيوني قد تكسر وتحطم. ولاح جليّا أنّ الخط البياني الانحداري باتجاه زوال العدو الصهيوني قد بدأ وسوف لن يتوقف.
فمعركة سيف القدس كانت انتفاضة مسلحة تختلف عن سابقاتها لأنها وحّدت الداخل المحتل مع المقاومة في غزة والمقدسيين والضفة الغربية وأثبتت أنّ محاولات التطبيع لا قيمة لها وأنّ فلسطين لها أهل متمسكين بها لا يقبلون إلاّ بالتحرير الكامل الشامل وبدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف. وأنظمة التطبيع أمست وبالا على الكيان. فهي طبّعت لحماية عروشها ولكن تبيّن لها أنّ الكيان الصهيوني منهك وعاجز وضعيف ولايستطيع حماية نفسه.
فالمقاومة أثببت قدرتها على الصمود وتحدت الكيان الصهيوني بكل قوة وجدارة وشجاعة وقصفت المستوطنات بكل جرأة وأصابت الأهداف بكل دقة وصمودها أكد على امتلاكها مخزون استراتيجي كبير قادرة من خلاله على مواجهة الاحتلال الصهيوني لأشهر معدودة ولربما لسنوات.
ومن جهة أخرى، لا يختلف اثنان في أنّ المعركة الكبرى الدائرة بين شعوب المنطقة من جهة والكيان العبري وحلفائهم من جهة ثانية هي حرب على الوعي وحرب من أجل الوعي وحرب ضد الوعي وحرب عناصر قوة الوعي.
فلقد هشمت صواريخ المقاومة الباسلة أغلب عناصر قوة الوعي الاسرائيلية. فكانت تقطع كل خلية أوصال الوعي الصهيوني والأمريكي وتمزقه حتى استغاث نتنياهو بالعرب والعجم والافرنج قائلا بأنّ الحرب على الكيان هي حرب على الممالك العربية وعلى دول الغرب الصهيونية الهوى.
فبدت صواريخ المقاومة سيوفا “عقلية” و”حكمة قاطعة” و”سرطان” من عذاب قبل النزال وأثناء القتال وبعدما هدأت أصواتها بقيت تبعاتها وبدت مفاعيلها تتابع الضربات على أوراق الصفحات العبرية والتصريحات التوصيفية حتى بلغت الحناجر أفواه المتكلمين فتدافعت المنابر الصهيونية بالتّهم الإخفاقية حتى ظهر المشهد الإسرائيلي من علامات التفكيك للوعي الإسرائيلي.
فلقد خرجت المقاومة الفلسطينية بقوة ميدانية عسكرية عكست قوة دبلوماسية بهرولة الغرب والشرق لإنقاذ الكيان العبري.
فالكل أصبح يعلم أنّ هياكل الكيان الصهيوني تعيش أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية وبنيوية عبرت عنها الانتخابات الأربعة وإخفاقها وعدم تشكيل الحكومة وتداعياتها. ولكن من المهم تسليط الضوء على اتصالات بايدن لنتنياهو أو بالأحرى إملاءات بايدن وشروطه على الملك نتنياهو المتعجرف الذليل الذي سيكون أول إرهاصات الحرب على غزة بسيف القدس. نعم، لقد خرجت المقاومة الفلسطينية بقوة ميدانية عسكرية عكست قوة دبلوماسية بهرولة الغرب والشرق لإنقاذ الكيان العبري. فكان التضامن مختلفا إمّا برفع الأعلام على المؤسسات الحكومية وإمّا بأطروحات حل الدولتين الذي سيتفاعل في الأيام القادمة لتسويق الانتصار التاريخي على إعادة الوعي العربي من غفوة جوادهم وهفوة عقولهم وإما ببعض الوعود الأممية المنقرضة والمنقوضة سابقا.
لقد فرضت صواريخ القسام والجهاد والفصائل واقعا دبلوماسيا يحاول الكثير الخروج منه إلى مناورات سياسية ووعود يكمن فيها الدهاء مكمنا لا يمكن إغفاله أثناء القراءة السياسية المتأنية. فالتنسيق العسكري المتميز لمحور المقاومة يتطلب تنسيقا سياسيا هادفا واستراتيجية تثبيت النصر بقواعد اشتباك سياسية زيادة على العسكرية منها، جديدة على غرار اتفاق أفريل في لبنان بمعنى أصبح الاعتداء على الجغرافيا في داخل الكيان مربوطا بصواريخ المقاونة.
إنّها معادلة أقرب إلى الجنون الصهيوني منه إلى القبول من قبل قادة العدو ولكن الواقع الميداني فرض نفسه فذهبت الولايات المتحدة وإسرائيل مرغمة ذليلة متهيبة من سيف وعي فلسطيني. هذه المعادلة أخرجت الوعي الجمعي من كل تراكمات التاريخ إلى واقعية الانتفاضة الداخلية. فالتعايش بين الشعبين أصبح مستحيلا بعدما كان تهجينا مرهقا. فمعادلة الاعتداء على القدس سيقابلها رشاشات الانتفاضات ورشقات الصواريخ وبالتالي إسرائيل قبلت ذلك مرغمة فاستنجدت بالأصدقاء والحلفاء لينقذوها من أتون رجال فلسطين الأوفياء. فالعمل الدبلوماسي لا يقلّ أهمية عن العمل العسكري. فهل سيحافظ الفلسطينيون على وحدتهم السياسية والاجتماعية فيكون وعي ما بعد المعركة كالوعي أثناء المعركة؟
لعل الوحدة الفلسطينية والتنسيق السياسي والاجتماعي لهو أهم تحدّ لحركات المقاومة ونبذ الخلافات الجانبية لأهم من تسديد بعض النقاط المتبادلة؛ نعم دبلوماسية الوعي الجمعي ما بعد الحرب هي الملاذ الوحيد لتثبيت النصر وتراكم الانتصارات القادمة والتلاحم الفلسطيني هو سيف القدس الواعي.
رضا الجلولي