لا يمكن أن نتناول الأحداث الأخيرة التي جدّت يوم أمس وأوّل أمس بحي الأنس 3 من معتمدية ساقية الزيت وما شهدته المنطقة من صدامات عنيفة بين مئات من المهاجرين من دول جنوب الصحراء ومئات من سكان الحي، دون الإشارة إلى جملة من الملاحظات التي تبدو ضرورية لفهم ما حصل.
فمن جهة ثمّة هامش إنساني لا يمكن النقاش فيه ولا حوله، لعلّ أدناه هو رفض كل مظاهر العنصرية، ومن جهة ثانية لا يمكن أيضا أن لا نشير لتورّط السّلط المحلية والجهوية التي كانت على دراية بحقيقة الوضع منذ أكثر من أسبوع (السبت الماضي ) وكانت على تمام العلم بوجود إشكالٍ بالمنطقة يمكن أن يتطوّر في أي لحظة وهو ما حصل فعلا.
الأجهزة الأمنية التي لا يفوتها أيّ نشاط حزبي وأي تحرك شعبي وتسارع لقمعه ومحاصرته، نفس هذه الأجهزة عجزت عن استباق ما حدث !! تناقض رهيب لا يمكن أن نجد له تفسير مقنع ومنطقي. معتمد ساقية الزيت بحكم السلطة الممنوحة له كان على اطّلاع بحقيقة الأوضاع، رئيس البلدية أيضا لا يمكن أن يفوته واقع سكن المهاجرين (سكن غير لائق، إشكالات صحّية واجتماعية وأمنية )؛ الوالي الذي لا يمكن أن يجهل حقيقة عصابات الاتّجار بالبشر والهجرة غير النظامية… كلّهم كانوا على دراية بواقع الحال.
إن ما يدفعنا أيضا لقول هذا أنه كان بالإمكان فعلا تجنب كلّ هذا الدمار والرعب. فماذا لو تحمّل منذ البداية كل من ارتكب جُرما مسؤوليته مهما كانت جنسيّته ووضعيته (المهاجر الذي شوه وجه أحدهم وأيضا كل من ارتكب جريمة في حقّ المهاجرين أيضا)؟ ماذا لو ساد القانون منذ البداية ؟
ثم لماذا يحصل هذا دائما في الأحياء الشعبية (الأنس3 ، الحفارة، الغروبي..)؟ الأكيد ليس لكون سكّان هذه الأحياء من أنصار العنصريّة بطبعهم، بل لكونهم أبناء مناطق مختنقة ومهمّشة وهامشية ومحاصرة بكل بكل أنواع المشاكل.
لقد كان بالإمكان فعلا تجنّب مشاهد الاقتتال المتخلّفة وكلّ الخسائر وكل المظاهر القروسطية وكل الرعب الذي استوطن الجميع.. كان مُمكِنا ألّا نشاهد الهراوات والأسلحة البيضاء والجموع المتصادمة والمنازل والمَتاجِر المهشّمة ولا الجحافل البشرية الشّبيهة بهجرة قبائلٍ من حرب أهليّة ضارية.
وبعيدا عن كلّ هذا ثمّة من عمل على تعفين الأوضاع ودفع بها دفعًا نحو هذا والأكيد أيضا أنّ حقّ الأهالي في الأمن لا يقبل القِسمة على إثنين وكذلك حق الإنسان في مُعاملة لائقة بعيدا عن التهجير والعقاب الجماعي.
المهاجرون والهاربون من أتون حروبٍ طاحنةٍ وأوبئةٍ وفقرٍ فرّوا إلى بلدٍ يرزح أهله أيضا تحت التفقير والتجويع والتنكيل وسياسة نزع السّراويل والسّحل والقتل.
ميليشيات الجنجويد في كلّ مكان من السودان سابقا إلى تونس حاضرا.. مافيا واحدة.. سلطة لا تقلّ إجراما عن نظيرتها المُرتكِبة لجرائم الحرب والتطهير العرقي بالقارّة السّمراء ككل..
مروان مجادي