إبراهيم العثماني
صدر بجريدة “الشّروق” بتاريخ 2 جويلية 2021 مقال بعنوان “حول المؤتمر الاستثنائي للاتحاد” بقلم الدّكتور بدر السّماوي. وقد استوقفني هذا العنوان وشدّ انتباهي محتواه فتساءلت بيني وبين نفسي قائلا: هل يعيش هذا الدّكتور بيننا أم يعيش في كوكب آخر؟ وما أكثر الّذين يعيشون في كواكب أخرى هذه الأيّام! وكيف لدكتور صحافي ومؤرّخ (بدر السّماوي يقدّم نفسه على أنّه مجاز في الصّحافة وعلوم الإخبار ودكتور في التّاريخ وسجين سياسي سابق مساهم في إصدار جريدة الشعب السرّيّة- انظر جريدة “الشعب”- الخميس 23 جانفي 2020- ص16) أن يحرّف الحقيقة بدءا بالعنوان وانتهاء بالمضمون؟ وهل تُنجد مثل هذه المقالات قيادة فاقدة للمصداقيّة أصلا؟ نحاول أن نساهم في الجدل الّذي يشقّ صفوف الاتحاد ولا تحتضنه جريدة “الشعب” كعادتها.
في تصحيح العنوان
عنوان المقال هو “حول المؤتمر الاستثنائي”، والاختزال مقصود. فهو يهدف إلى التّضليل وإيهام المتقبّل بأنّ الصّخب المثار حول المؤتمر لا مبرّر له. فالاتّحاد مطالب بعقد مؤتمراته أكانت عادية أم استثنائيّة. وهذا المؤتمر سيكون استثنائيّا مثلما كان غيره، فيما مضى، عاديّا. وهكذا دواليك وتلك هي سنّة حياة المنظّمات الوطنيّة. وفي الحقيقة لو كان الأمر كذلك مجرّد مؤتمر استثنائي يحتكم إلى قوانين الاتحاد ونظامه الدّاخلي (شروط التّرشّح/ توزيع النيابات/ تاريخ الانعقاد…إلخ) ولا تحوم حوله شبهة التّآمر وتصفية الحسابات أو الانقلاب على مبادئ المنظمة لما أثار مثل هذا التّباين والجدل والصّراع والخصام والمحاكم وتجنيد قيادة الاتحاد لمحامين “أفذاذ”، “جهابذة” يُسمعون من به صمم عندما يرافعون ويقنعون من هم صمّ بُكم لا يفقهون، وعقد الهيئات الإدارية المتتالية وتغيير تاريخ انعقاد المؤتمر، وهي على قلق لا يغمض لها جفن ولا يهنأ لها بال.
ولْنفترض أنّ هذا المؤتمر الّذي تلهث قيادة الاتحاد وراء عقده في هذا الظّرف العصيب هو استثنائي. فما موجب ذلك والحال أنّ المؤتمر العادي سيكون في جانفي 2022 والقيادة تذرع البلاد شمالا وجنوبا وهي متماسكة ومتوحّدة على “خلاها وجلاها” وحتّى الأعضاء الثّلاثة الّذين رفضوا السّير في ركبها لا تأثير لهم يُذكر.
يبدو أنّ دكتورنا حفظ شيئا ونسي أشياء بل قل نسي أهم شيء ألا وهو أنّ هذا المؤتمر الاستثنائي غير انتخابي. وهنا مربط الفرس ! فكيف يستقيم الظلّ والعود أعوج؟ وكيف نفكّ هذا اللّغز: مؤتمر من جهة وغير انتخابي من جهة أخرى؟
الأكيد أنّ صاحبنا تعمّد عدم ذكر غير انتخابي حتّى لا يورّط نفسه في مطبّ لن يخرج منه.
مؤتمر غير انتخابي مؤتمر بدعة
لنذكّرْ ببعض الحقائق لعلّ الذّكرى تنفع من أخذتهم سِنَةٌ فنسُوا وقائع عاش على وقعها معشر النّقابيّين أشهرا وأشهرا قبل اندلاع ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي 2011. هل نسي الدّكتور أنّ الإخواني علي رمضان المسؤول عن النّظام الدّاخلي في عهد الأمين العام عبد السلام جراد هو صاحب بدعة مؤتمر غير انتخابي، وقد عقد هيئات إداريّة جهويّة في أغلب الجهات وحدّد تاريخ المؤتمر (تقريبا أفريل 2011) وراح يحلم بالأمانة العامّة. ولكنّ الثّورة سفّهت أحلامه وكنسته بدون رجعة وأراحتنا من وجوه أبت أن تغادر الاتّحاد طوعا. فلماذا يريد الطبوبي تحقيق حلم وليّ نعمته؟
لم تكن قيادة الاتحاد الّتي أفرزها مؤتمر جربة (2002) مقتنعة بالاكتفاء بدورتين لأعضاء المكتب التنفيذي ومزيد دمقرطة المنظّمة (الجامعات/الاتحادات الجهويّة..) بل بدأت تناور للتّراجع عن هذه المكاسب المحدودة. فكان مؤتمر المنستير (2006) مؤتمر جسّ النبض ثمّ كان منطلق تنفيذ المؤامرة لاحقا (إقصاء كتاب عامين لاتحادات جهويّة: نابل/ تونس/ بنزرت/ تجميد نقابيين) بأساليب مختلفة وملتوية… ولمّا فشلت المحاولة الأولى في 2010 ظلّ الطبوبي يتحيّن الفرص لينفّذ انقلابه بكل صلف. وقد استغلّ الوهن الّذي تمكّن من مفاصل القوى المناضلة واليساريّة والّتي التحقت بأصحاب نظرية التّموقع وبادر إلى تنفيذ مشروعه.
ورغم حالة الجزر فـ”إنّ في بني عمّك رماحا” وردود الفعل على هذه البدعة العجيبة الغريبة متنوّعة: لقاء القوى النقابية الديمقراطية/ الملتقى النقابي من أجل ترسيخ الممارسة الدّيمقراطيّة واحترام قوانين المنظمة/ الكتابات المنتظمة لسليم غريس. حراك بن عروس… وهي ردود ليست في حجم المؤامرة ولكنّها تؤكّد أنّ النّفس النّضالي مستمرّ وأنّ السقوط المدوّي لمناضلين تصدّوا بالأمس لعنجهية البيروقراطية النقابية وغطرستها لن يوقف المسيرة.
إنّ كلّ مؤتمر هو بالضّرورة انتخابي حتّى وإن كانت هذه الانتخابات صوريّة. ومخ الهدرة هو أنّ المكتب التّنفيذي مقبل على تنفيذ انقلاب سمّاه “مؤتمر غير انتخابي، والموضوع هو الدّيمقراطيّة النّقابيّة أكبر معضلة في الاتّحاد.
معضلة الدّيمقراطيّة النقابيّة في الاتّحاد:
الطبّوبي على عجل من أمره لجمع المؤلّفة قلوبهم في نزل فخم لتحوير الفصل 20 للسّماح لقيادة الاتّحاد بالتّرشّح مثنى وثُلاثَ ورباعَ وما طاب لها. وقد يستطيب البعض المقام فيظلّ يترشّح إلى أن يبلغ من العمر عِتيّا. والطبّوبي سار على خطى سلفه الصّالح الّذي رسّخ تقليدا سيحفظه له التّاريخ. فقد دأبت قيادات الاتحاد منذ سبعينات القرن الماضي على مناهضة كلّ نفس ديمقراطي: تنكيل الحبيب عاشور بقطاع التعليم الثانوي سنة 1975 وباليسار النّقابي سنة 1984، تدمير إسماعيل السحباني قطاع البريد سنة1997، عبث عبد السلام جراد بقطاع التعليم العالي طيلة عشرية كاملة أي منذ اتفاقية 1999 إلى رحيل النّظام البائد، وتجميد علي رمضان لنقابيين والتّآمر على اتحادات جهويّة. ولم ينس الطبوبي نصيبه هذه الأيّام.
كلّ هذا التّاريخ الأسود لأعداء الدّيمقراطيّة النقابيّة لا يعني شيئا عند صاحب المقال. فعلام ركّز في مقاله؟
مضمون المقال: اللّف والدّوران
الموضوع ليس صراعا بين المدافعين عن الدّيمقراطية النقابيّة وأعدائها، بل “هو اختلاف في تشخيص التحديات الخطيرة الّتي تواجهها البلاد والدّور الوطني والاجتماعي المطروح على الاتحاد القيام به”. تُرى من هو الّذي أخطأ تشخيص واقع البلاد ولم يفهم دور الاتحاد في هذه المرحلة الحسّاسة؟ هل هي القيادة الّتي تتمسّح على عتبات الحكومات المتعاقبة أم القوى النقابيّة المتمسّكة بنضاليّة الاتحاد وديمقراطيّة ممارسته؟
وعندما يشخّص السيد السماوي الواقع يقدّم لوحة سوداء تثبت، بما لا يدع مجالا للشّك، أنّ الاتحاد مغيّب وأنّ دوره اقتصر على زيادات مادية لا تغني ولا تسمن من جوع، وتؤكّد أنّ أمراض المجتمع لا حصر لها (بطالة/ حرقة/ مخدّرات/ انقطاع مدرسي) وأنّ الخراب دبّ في كلّ ركن من أركانه دون أن ينسى بيانات الشّجب والتّنديد بغطرسة الصهيونيّة ورفض الاتحاد التّطبيع مع العدوّ الصهيوني وصفقة القرن. وهكذا لم يتجاوز دور الاتّحاد الكلام.
ويتذكّر في خاتمة المقال الفصل 20 وفصولا أخرى أفرغت هياكل الاتحاد من الخبرات والكوادر، والمؤتمر الاستثنائي جاء ليصحّح المسار. وبلغة أخرى ستعود إلى الاتّحاد دُرَر ثمينة وسيسترجع قوته وعافيته ومناعته وستنضبط القطاعات ولا تنفلت وتتصادم مع الشّعب مثلما يحدث الآن حسب رأي الكاتب الحصيف.
خاتـــــــمة
بم نختم هذا الرّدّ وقد جرّنا صاحب المقال إلى التّيه في شعاب كثيرة. ولكن يمكن أن نجمل ما انتهينا إليه في بعض النّقاط:
– إنّ مثل هذه الكتابات هي الّتي تدعّم صفوف هذه القيادة النقابيّة المترهّلة والمفلسة والمناهضة للدّيمقراطية النّقابيّة: تقديم أعذار واهية وحلول مغشوشة. تيّارات مفلسة تهبّ لنجدة قيادة نقابية مفلسة. فمن ينقذ من؟
– كانت المعارضة النقابية ناشئة، في سبعينات القرن الماضي، لكنّها كانت فاعلة وجريئة في وجه بيروقراطية نقابية عدوانيّة وشرسة. كما كانت معارضة مناضلة وصامدة أيضا في الثّمانينات. ولكن دبّ الوهن في صفوفها منذ أن تحالف شقّ منها مع أعداء العمل النّقابي في نهاية الثّمانينات واصطفّ شقّ آخر وراء البيروقراطية النقابية بحثا عن موقع مريح يحقّق مآرب شخصيّة وفئويّة ضيّقة. وبقيت قلّة قليلة صامدة هي الآن تقاوم الانقلاب.
– إنّ ما شجّع الطبوبي على تنفيذ مخطّطه هو هذه العناصر المحسوبة على اليسار والمتحلّقة حوله. فلو شقّت عصا الطّاعة في وجهه وأحدثت فراغا حوله لما تمادى في غِيّه.
– إنّ ما آل إليه وضع الاتّحاد هو نتيجة طبيعيّة لتخريب بدأ منذ ثلاثة عقود.