علي البعزاوي
• ملخص لبيان جوهر باني
كتب السيد جوهر باني في موقع اسطرلاب بتاريخ 4 أفريل 2022 نصا تحت عنوان “حين يفر حزب العمال من معركة الديمقراطية” انتقد فيه مضمون البيان الصادر عن الحزب بتاريخ 30 مارس 2022 تحت عنوان “صراع لا مصلحة للشعب فيه” واعتبر جوهر باني القرار الصادر عن 116 نائب برلماني والداعي إلى إنهاء العمل بجميع الأوامر والمراسيم الرئاسية الصادرة منذ 25 جويلية، “بمثابة الصرخة ضد قرارات قيس سعيد وصدى لأصوات من تظاهروا أمام مجلس النواب يوم 26 جويلية ولهتافات آلاف الحناجر التي شاركت في الاحتجاجات وانخرطت في الحراك من أجل الديمقراطية”.
جوهر باني يذهب إلى أنّ موقف حزب العمال يحمل تناقضا فهو من جهة يعتبر ما حدث يوم 25 جويلية انقلابا وحذّر من اعتباره تصحيحا للمسار… لكنه من جهة أخرى لم يشارك في المظاهرة أمام مجلس النواب يوم 26 جويلية معتبرا الوقوف في الشارع إلى جانب النهضة خطا أحمر وأنّ المعركة هي ضد النهضة وقيس سعيد وكل المنظومة. ورفع في نفس الوقت شعار “لا للعودة لما قبل 25 جويلية”.وانتهى السيد جوهر باني إلى استنتاج مفاده أن الشعار الذي رفعه حزب العمال “لا للعودة إلى ما قبل 25 جويلية” معاد للديمقراطية البرلمانية ولخيارات الشعب”.
كما تساءل السيد جوهر باني قائلا:”هل أن شعار لا للشعبوية لا للخوانجية لا للدساترة, الديمقراطية الشعبية هي الحل” قادر على إنهاء الانقلاب؟ أم أنه تغيب عن المعركة وفر منها عن قصد؟ فما هي شعبية هذا الشعار وكيف له أن يكون مخرجا من الاستبداد وحلا لغلاء الأسعار اليوم”؟
وختم السيد جوهر باني مقاله بالادعاء أن بيان حزب العمال مخادع للناس يصور فيه أن ما يحدث هو مجرد صراع على السلطة وأنه لا مصلحة للشعب في الدفاع عن الديمقراطية البرلمانية. وهو في نهاية المطاف موقف يصب في صالح الانقلاب على الدستور بل يدعمه وإن حاول إيهام السذج بعكس ذلك”.
• رد على البيان
لابد من التأكيد أولا أن حزب العمال لا يرى ما يراه السيد جوهر باني، فلكل منطلقاته وقراءته لما يحدث في تونس والزاوية التي يتفاعل من خلالها مع المواقف والقرارات والإجراءات.
الانقلاب من وجهة نظر حزب العمال ليس انقلابا على الشرعية مثلما ترى النهضة ومريدوها بل انقلاب على الديمقراطية وعلى الدستور الذي خط بدماء الشهداء وجاء نتيجة نضالات شعبية عارمة شاركت فيها النساء والشباب والأحزاب والمنظمات وكل فئات الشعب التواقة إلى دولة مدنية وإلى دستور ديمقراطي لا إلى دستور ظلامي كالذي أعدته النهضة وحاولت تمريره والمعروف بدستور 1 جوان سيء الذكر.
ثانيا البرلمان المنتخب فاقد للشرعية من وجهة نظر حزب العمال وذلك بالنظر إلى الظروف والملابسات التي جرت فيها انتخابات 2019 والتي تناولتها فيما بعد محكمة المحاسبات وأصدرت بشأنها أحكاما باتة. وحزب العمال عبّر عن هذا الموقف منذ ما بعد الإعلان عن النتائج على لسان ناطقه الرسمي.
هذا البرلمان لم يتفرغ لمهامه الحقيقية باعتباره ممثلا للشعب وسفه أحلام الناخبين الذين كانوا ينتظرون حلولا لقضاياهم ومشاغلهم الأساسية من شغل للمعطلين والمهمشين وتنمية جهوية ومحلية تساهم في إنتاج الثروة وتوفر الشغل لطالبيه وتعمل على تطوير الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وبيئة وغيرها. بل إنه وفي سابقة غير معهودة في تاريخ البرلمانات مثل حلبة صراع وتدافع وتبادل للعنف المادي واللفظي بين مختلف كتله وتعطلت أشغاله في عديد المناسبات وأصبح مع مرور الوقت عاجزا عن القيام بدوره. وهو ما وفر أرضية ملائمة لرئيس الدولة للمضي في انقلابه. هذا بالإضافة إلى الخيارات اللاشعبية واللاوطنية التي كرّسها هذا البرلمان من خلال ميزانيات تجويع وتفقير ورهن للبلاد حمّلت الفئات الفقيرة والمتوسطة تبعات أزمة هذه الخيارات. إنّ نسب التداين الخارجي بالقياس مع الناتج الداخلي الخام والميزان التجاري المختل لصالح الواردات العشوائية ونسب التضخم وتدهور المقدرة الشرائية والنمو ونسبة الأموال المرصودة للتنمية ومعدلات الفقر والبطالة تضع هذا البرلمان في خانة المعادي للشعب والخادم لمصالح اللوبيات والشركات والمؤسسات الاستعمارية على حساب التنمية المستدامة ومصالح الأغلبية.
فكيف لحزب العمال أن يجرؤ على الدفاع عن برلمان بهذه المواصفات وهذا الأداء وهذه الحصيلة الكارثية؟
الديمقراطية من وجهة نظر حزب العمال لها بعد طبقي وهي في هذه الحالة، من 2012 إلى اليوم، ديمقراطية شكلية حكمها المال السياسي والإعلام الموجة والتدخلات الخارجية وهي مفرغة من أي مضامين اجتماعية.
ما مصلحة الشعب في ديمقراطية لا توفر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولا تضمن سيادة الشعب على ثروات البلاد وعلى القرار الوطني المستقل ولا تكرس العدالة الاجتماعية؟
حزب العمال يرفض هذه الديمقراطية البورجوازية الشكلية التي تقتصر على الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة كل خمس سنوات لاختيار من سيخدم كبار السماسرة واللوبيات والكناطرية على حساب الأغلبية التي توسعت صفوفها منذ 2011 إلى اليوم نتيجة خيارات لاشعبية ولاوطنية انتهجتها الحكومات المتعاقبة سواء بقيادة النهضة أو بالمشاركة فيها إلى جانب قوى النظام القديم (تحالف النهضة /النداء).
الديمقراطية التي يدافع عنها حزب العمال وكل القوى الثورية والتقدمية هي ديمقراطية واسعة ينتخب فيها الشعب ممثليه الحقيقيين القادرين على الدفاع عن مصالحه من عمال وفلاحين وشغيلة ونساء وشباب وغيرهم وفق نسب محددة بقانون، ديمقراطية تستثنى منها الفئات الكمبرادورية المكرسة للتبعية والاستغلال والفساد وتعبيراتها السياسية التي ستطيح بها الثورة الشعبية المظفرة.
هذه الديمقراطية يقع التأسيس لها على أنقاض منظومة العمالة والنهب والتجويع والفساد بكل مكوناتها من نظام قديم يخطط للعودة ونهضة اخوانية تصارع من أجل البقاء تحت شعار الدفاع عن الشرعية والديمقراطية البرلمانية وشعبوية يمينية محافظة انقضت على الحكم لإرساء منظومة استبدادية وحكم فردي مطلق تحت مسمى البناء القاعدي وبشعارات مقاومة الفساد و”الشعب يريد”.
الديمقراطية الشعبية هي ديمقراطية يفرضها الشعب من خلال ثورة ظافرة خدمة لمصالحه البعيدة والآنية وهي ديمقراطية تختلف جوهريا عن الديمقراطية البورجوازية الشكلية لأنها تكرس السيادة الوطنية بتحقيق الاستقلال الكامل والفعلي لتونس والعدالة الاجتماعية – عدالة بين الفئات والجهات – والديمقراطية الأوسع، ديمقراطية الأغلبية الشعبية التي تتمكن من السلطة.
وباعتبار موازين القوى مختلة في المرحلة الحالية لصالح القوى الرجعية فإنّ القوى الثورية والتقدمية من أحزاب ومنظمات وفعاليات مطالبة بالمراكمة على طريق تحقيق الأهداف المذكورة، مراكمة تتم من خلال تبني مطالب الجماهير الشعبية وتعبئتها وتنظيمها للدفاع عن هذه المطالب مع العمل على ربطها بالهدف المرحلي المتمثل في الديمقراطية الشعبية.
بهذا المعنى تصبح الملاءمة بين شعار ما “حصل يوم 25 جويلية انقلابا” وبين شعار “رفض العودة إلى ما قبل 25 جويلية” أمرا منطقيا ومنسجما تمام الانسجام وذلك من زاوية الأهداف المنشودة أي الديمقراطية الشعبية بديلا عن المنظومة السائدة حاليا.