أنيس بن خليفة
كشفت احتجاجات صغار الفلاحين في عدة مناطق من البلاد أهمها صفاقس عن الخَوَر الموجود في مؤسسات الدولة، وسلّطت الضوء على قضية الأعلاف الحيوانية التي عرفت أسعارها ارتفاعا مهولا في السنوات الأخيرة.
يربط الخبراء في الميدان الفلاحي ذلك بعديد الأسباب أهمها احتكار المجامع التجارية الكبرى لتوريد وإنتاج الاعلاف في تونس مما أدى لاحقا للتلاعب بأسعارها والمضاربة حولها.
يمثل صغار الفلاحين 90 بالمائة من مربي الأبقار والطيور، تتمثل معضلتهم في ارتفاع تكلفة إنتاج اللحوم والحليب، في المقابل انخفاض أسعار البيع التي لا تمثل إلا هامشا قليلا للربح وغالبا يتم البيع بسعر التكلفة اذ ان التغذية الحيوانية تمثل أكثر من 70 بالمائة من كلفة الإنتاج. على سبيل الذكر لا الحصر، نعلم جميعا بداية انقراض النشاط الفلاحي في حزق بعد تضرر الفلاحين الصغار الذين لم يقدروا على مجابهة ارتفاع أسعار الأعلاف وغياب الدعم، بالإضافة إلى تراجع النشاط الزراعي مع انتهاك الطبقة المائية وضعف أغلب الأراضي التي نخرتها البذور المستوردة والاستعمال المفرط للمبيدات والأدوية التي لا نعلم مأتاها لكن صرنا نعلم جيدًا فاعليتها وآثارها المدمرة طويلة الأمد. لم يعد الفلاح الحزقي، الذي كان قديما يستند إلى تربية الماشية بجانب نشاطه الزراعي، بمثل سالف نشاطه السابق.
بدأ تدريجيا يفرّط في ماشيته بعد عدم قدرته على مجابهة المضاربة والاحتكار والتلاعب، وبما أن نشاطه الزراعي لم يعد يعيله مثل قبل، اضطر الأغلبية إلى بيع أراضيهم مقابل تفشي البناء الفوضوي والقراجات التي سدّت كل منافس الهواء، وبالتالي تراجعت المساحات الزراعية لصالح بناءٍ فوضوي بدأ يشوّه البلدة ويحوّلها إلى شبه مدينة رمادية.
ما فاقم أزمة صغار الفلاحين اليوم غياب الدعم من قبل الدولة، حتى وإن وجد فهو لا يشمل الاعلاف الضرورية وموادها الأساسية مثل الصوجا والفصة والقطانيا، التي يتم استيرادها من الأسواق العالمية عن طريق الخواص، السبب الذي كبد الفلاحة خسارة بقيمة 150 م في سعر اللتر الواحد للحليب.
من يحتكر إنتاج الأعلاف و توزيعها في تونس ؟
تهيمن شركات الأعلاف الخاصة على مسالك الاستيراد و التوزيع في كامل مراحلها من رحي وخلط ووضعها في أكياس، بالإضافة إلى تلاعبها بالتركيبة التي قد تصل إلى خلطها بالمعجنات والرمل والحصى حسب ما افادنا به الفلاحون في عديد المناطق.
7 شركات تتبع مجمع “بولينا” و 5 شركات تتبع “ألفا ” تهيمن جميعها على 80 بالمائة من قطاع إنتاج الأعلاف و توزيعها وتحتكر الربح المضاعف، فهي تستفيد من التكلفة المنخفضة عبر شركات اللحوم التي تمتلكها، إذ تحولت هذه الشركات منذ فترةٍ إلى هولدينغات وتفرعت اهتماماتها بشكل أخطبوطي صار يهيمن على الفلاحة والأنشطة الموازية والتكميلية التابعة لها.
حتى “السداري” المدعوم من الدولة لم يعد يباع للفلاحين بشفافية وابتلعته منظومة فاسدة شارك فيها اتحاد الفلاحين (الذي كان شعبا فرعية للتجمع المنحل واحد مجالس الولاء قديما) عبر إسناد رخص التوزيع حسب الولاءات والتوزيع غير العادل للحصص الموجهة إلى صغار الفلاحين. كما رصدنا عديد الدخلاء الذين يشترون السداري ويتاجرون به في السوق السوداء.
بالرغم من هاته المشاكل، هنالك حلول وبرامج كفيلة بتصحيح الوضع الفلاحي وتخليصه من سرطنة الفساد، لكنها تصطدم في كل مرة بغياب الإرادة السياسية وتبعية الدولة لسلطة رأس المال.