علي الجلولي
يبدو أنّ الأوضاع في بلادنا تتجه أكثر فأكثر نحو المجهول وتفتح على كل السيناريوهات دون استبعاد لأيّ منها والتي لا تتطلب ذكاء جهبذيا لتمثلها. ولا يعود الأمر في تقديرنا إلى حجم الأزمة ونطاق اتساعها وعمقها فحسب، فالحال يتواصل ليس في بلادنا التي حملت ثورة الشعب إلى دفة الحكم أعدائه ومجهضي تطلعاته وآماله من حركة النهضة وحلفائها من مختلف الفرق الليبرالية. خصوصية الوضع في تونس اليوم تعود في جانبها الأكبر إلى كيفية تعاطي الحاكم بأمره الذي وضع يده على كل السلطات وهياكل القرار في إدارة الأزمة التي يقر بوجودها ويحمّل مسؤوليتها-كامل مسؤوليتها- لخصومه اليوم شركائه بالأمس ويعفي نفسه من كل مسؤولية مهما كان حجمها منها.
ساكن قرطاج لا يتدخل في الملف الاقتصادي والاجتماعي كأنّ البلاد والشعب لا يغرقان، وإن تدخّل فلمزيد بثّ الغموض الذي يُعتبر جزء أصيلا من عقيدته، وهو يتدخل لا باعتباره رئيس البلاد بل باعتباره معارضا شعبويا يخوض حملة انتخابية. أما الملفات السياسية فلا يهمّه منها سوى فرض تصوّره للحكم فيما يهم النظام السياسي الذي لا يراه إلاّ رئاسويا، ونظام الاقتراع الذي لا يراه إلاّ على الأفراد لتسليم البلاد كليا إلى المكّاسة أعداء الأفكار وأصحاب النفوذ، أما الحوار المفضي لذلك فقد اختار له تيّاسته ومخرجاته وهو الذي صرّح للعموم أنّ أياما قليلة كافية لإعداد الجمهورية الثالثة أو الجمهورية الجديدة كما أصبح يسميها تيمّنا بصديقه السيسي دكتاتور مصر ورأس نظامها العسكري العميل.
إنّ سعيّد الذي ظل قبل بلوغ الكرسي وبعده يستدرّ تعاطف الشعب حكم على نفسه بالعزلة التي تتأكد وتتعمق كل لحظة وهو الذي لم يبق من حزامه المساند إلاّ النزر القليل الذي خبا صوته، هو بصدد دفع البلاد نحو المجهول بعد أن أضاع عليها وعلى شعبها وقواها التقدمية وقتا ثمينا كان كافيا لتوحيد الصفوف وتنظيم المواجهة مع منظومة انتخابات 2019، بل مع مجمل منظومة ما بعد 14 جانفي التي أجهضت الثورة. إنّ حصيلة استفراد سعيد بالحكم ليست أفضل من حصيلة مجمل المنظومة السائدة. إنّ بلادنا تغرق وتتجه رويدا نحو أسوأ الاحتمالات بما فيها عودة النظام السابق من ظلاميين ودستوريين. وحتى لا تزداد الأوضاع تعقيدا على تعقيدها آن الأوان لشعب تونس وثورييها وتقدمييها التقدم لمقارعة الخطرين الجاثم والداهم في إطار رؤية بديلة تنتصر للشعب ومطالبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.