عمار عمروسية
أثارت تصريحات الدبلوماسي المقترح “جوي هود” لتولّي سفارة الولايات المتحدّة الأمريكية ببلادنا موجة واسعة من الانتقادات في الوسط السيّاسي والحقوقي بتونس.
فالسّفير المقترح نزع كلّ مساحيق التّحايل الديبلوماسي وفضح بطريقة فجّة في خطابه أمام لجنة العلاقات الخارجيّة بالكنغرس حقيقة مهمّاته الاستعماريّة بما ينسجم مع مرتكزات وأهداف دولة العمّ “سام” التّقليديّة في مجمل الوطن العربي والعالم.
فالسيّد “جوي هود” من خلال المضمون الأساسي لإفادته أمام تلك اللّجنة أماط اللّثام بوقاحة كبيرة عن حقيقة العمل الدّيبلوماسي لبلده، ذاك النّشاط القائم على هتك السّيادة الوطنيّة والتْدخل السّافر في المشهد السيّاسي وترتيب أدّق تفاصيله بما يضمن على الدّوام المصالح الاستراتيجية للامبريالية الأمريكيّة.
فكلّ القوى السيّاسيّة والمدنيّة تعرف حقيقة تلك السياسات المدّمرّة ببلادنا على امتداد عقود منذ 1956 والجميع يعلم استمرارها بأشكال أكثر فجاجة في مناسبات عديدة في العقد الأخير.
فنظام الحكم ببلادنا منذ النشأة في 1956 وحتّى بعد سقوط رأس الحكم في جانفي 2011 لم يخرج عن بوتقة الوكيل المخلص لخدمة اهداف وحسابات القوى الامبرياليّة الغربيّة والأمريكيّة.
فخطّ السّير الدائم منذ نشأة ما سمّي “الدّولة الوطنيّة” تمثّل في إتقان إنجاز مهمّات البورجوازية الكمبرادوريّة وحسن التّموقع ضمن التّوازنات المتغيّرة لجهات النّفوذ الأجنبي الاستعماري.
فالثّورة التّونسية 17 ديسمبر /14 جانفي 2011 توقفت عن إنجاز مهماتها الثوريّة الكبرى واستقرّت عند حدود الإطاحة برأس النظام والإجهاز على الشّكل الدّيكتاتوري للحكم.
فالطبيعة الطبقيّة للنْظام حافظت على جوهرها حتْي وإن تبدّلت الوجوه والأحزاب والدّور الوظيفي للسّلطة حتّى وقتنا الرّاهن ظلْ هو ذاته مع جنوح كلْ جديد في السّلطة بعد 2011 إلى التّفانى أكثر في تقديم عرابين الإخلاص والولاء للأجنبى ضمن متغيّرات دوليّة وإقليميّة وعوامل داخليّة شرّعت أبوابا ونوافذ كثيرة لشتّى أنواع التّدخلّ في الشأن الوطني كان نتيجتها استباحة غير معهودة لبلادنا على جميع الأصعدة، السيّاسيّة والاقتصادية والثّقافيّة وبطبيعة الحال الأمنيّة.
فالبلد مستباح كما لم يحدث وليس مستبعدا تحت ضغط الأوضاع الماليّة التٰي شارفت على الإفلاس في الأشهر الأخيرة من حكم “قيس سعيد” مضافا لها شدّة عمق الأزمة السياسيّة ومخاوف الانفجار الاجتماعي أن يكون مزيد الارتهان للأجنبيّ أمريكيّا أو غربيّا هو ثمن إمّا إستمرار الحكم الشعبوي الاستبدادي لسنوات أخرى أو عودة الشّقّ الرّجعي للمنظومة لدّفة التّسيير.
شقّي المنظومة مع اختلافات شكليّة يتقسامان قابليّة لعب الأدوار الوظيفيْة الذّليلة.
حركة “النّهضة”والقوى القديمة (دستوري حرّ، نداء..) كلّهم خبرهم الشْعب التّونسيّ على هذه الواجهة وحتّى الوافد الجديد على الحكم ونقصد “سعيد” زعيم التيّار الشعبوي فتاريخه خال من أيّ موقف وطني قبل وصوله إلى قصر قرطاج.
فالأخير -أي سعيد- كان ضمن كتلة “القشارة” من إتقان فنون الصّمت وتقديم بعض الخدمات الجليلة لحكومات دوس السيادة الوطنية.
أكثر من ذلك فالسيّاسة الخارجيّة زمن الرئيس الشعبوي حافظت على الثّوابت القديمة لنهج التّفريط والتّبعيّة تحت ضوضاء خطاب ديموغاجي كاذب حول التّحرّر واستقلال القرار الوطني.
فالعويل الكاذب ضدّ التّدخل الأمريكي أو غيره في شأن بلادنا ليس بالأمر الجديد، ذلك أنْ التاربخ الطويل لحكم البورجوازيّة العميلة فيه الكثير من هذه الخزعبلات التي كثيرا ما اقترنت بأسوإ مراحل الاستبداد والصّلف البوليسي.
فقضيّة السيادة الوطنية واستحضارها اليوم من قبل الشعبوية وجوقتها ليست إلاْ ورقة لتبرير عودة الدّيكتاتوريّة وتمتين أسسها الهشّة والفتية بعد نجاح “قيس سعيد” في احتكار السّلطة والتّقدّم المخزي في تمرير دستوره الذي يفتح الباب واسعا أمامه لإعادة بناء مؤسسات الدّولة بما يضمن قواعد ونواميس أبشع أنواع الحكم الفردي المطلق.
فنظام “بن علي” وقبله “بورقيبة” لعبا ورقة العزف على تحريك المشاعر الوطنية لتبرير القمع وإخفاء الجوهر العميل لنظام الحكم كلّما حدث سوء تفاهم مع بعض الجهات الأجنبية.
فدعوة وزير الخارجية التّونسي للقائم بالأعمال في السّفارة الأمريكيّة والاحتجاج على تصريحات “جوي هود” ليست سوى تسجيل موقف ووقود حملة دعائية لجوقة مناصري “سعيد”.
فالسيادة الحقيقّية لا تستقيم مع استمرار حكومة الرئيس في اللّهث قابلة بجميع الشروط التّدميريّة لصناديق النّهب المالي العالميّة (صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي…).
والكرامة الوطنية تغدو لغوا مع تواصل اتفاقيّة الشراكة المهينة مع الاتحاد الأوروبي وتحديدا بندها الثاني الذي يبيح تدخل تلك القوى تحت أكذوبة الدّفاع عن حقوق الإنسان التي مثلت الغطاء السياسي لتدمير دول أساسيّة بالوطن العربيّ على غرار الشقيقة العراق وليبيا وسوريا واليمن الخ…
كلّ جرائم أمريكا ومجمل الدْول الامبرياليّة في العالم طوال العقود الماضيّة تمّت تحت تعلاّت الدّفاع عن حقوق الإنسان والدّيموقراطية.
فالرئيس الحالي وجوقة داعميه يشهرون راية الوطن والوطنيّة للتعمية على مسار إعادة الشّكل الفاشي للحكم.
فساكن قرطاج بنفسه تولّى منح الصّنف الأول من وسام الجمهورية لسفير الولايات المتحدة الأمريكية الذي أنهى مهماته ببلادنا منذ أشهر!!!
وتحت أوامر وتعليمات “قيس سعيد” صوّت مندوب تونس بالأمم المتحدّة لفائدة لائحة إدانة “روسيا” في الحرب الأوكرانيّة وأردفها بحضور وزير دفاع بلادنا اجتماع الأربعين من دول الحلف الأطلسي وأتباعهم بما في ذلك دولة الكيان الصهيوني.