عمار عمروسية
لا أحد ببلادنا في حاجة كبيرة إلى معارف كثيرة وعميقة بما وراء أسوار قصر قرطاج حتّى يعرف نعيم العيش الذي يسبح فيه ساكنه رفقة أسرته الموسّعة والبعض من الأتباع المخلصين.
حياة “قرطاج” مترفة دون شكّ ونعيمها مفتوح على عشق السلطة وتورّم الذّات.
فأنا الرّئيس منتفخة أكثر من مساحة البلد وعقله حتى في حدود هلوساته السخيفة أرجح من العقل الجماعي لشعب هذا الوطن.
“قصر قرطاج” يسحر ساكنيه ويغيّر ملامحهم الخارجيّة في أدّق تفاصيلها ويرضع صاحب الكرسيّ حليب البايات وأخلاق الباشوات.
عيش القصر لا يشبه عيش العوام ولا حتّى الأخيار منهم والبرهان الملموس سرعة مفاعيل ذاك العيش على وجه ومشية الرئيس.
جاذبية “قرطاج” لا تقاوم ومشيئتها لا تردّ ومن الأكيد أنّ حتمياتها هي التي أخرجت “قيس سعيد” من بيت “المنيهلة” الذي وعد بالبقاء فيه.
سحر قصر قرطاج لا يردّ وحتّى دسائس البعض وفضائح صراعات الشقوق العفنة فهي مجردّ توابل لسنوات الحكم المترفة خصوصا عندما يصبح التاريخ قطعة صلصال بيد “الزعيم” ورقاب الشعب حاضرا ومستقبلا مشغلا يوميّا لإحكام القبضة الغليظة حولهم.
كلام الرئيس فوق القانون والدّستور ولا أحد في جميع ميادين المعرفة والحياة له درايته ونباهة عقله.
التّاريخ لعبته وبداياته الإيجابيّة هي دون شكّ مع إطلالته حتّى وإن كانت متأخرّة وملطّخة بالغشّ والتّحايل.
والدّولة بجميع مؤسساتها من فوق إلى تحت ملكيته الخاصّة يديرها وفق مقاصده المعلنة والمخفيّة. والشّعب رعيّته يقبل ما لا يقبل في انتظار فيض الخزائن.
قطع الرئيس الطّريقأامام الجميع وأراحهم فلا سلطة إلاّ له ولا سلطان عليه إلاّ ذاته، فهو الشّعب والدّولة وهو الوطن.
الرئيس ملأ كلّ الفراغات وهو بصدد التّمدّد نحو الفضاء المجتمعي لنفي جميع الوسائط ووأد كلّ أصناف المعارضة والنّقد تحت ابتداع فكره الجديد المبشّر بنفض المؤسسات في البناء الدّيموقراطي والاستعاضة عنها بروح الديمقراطيّة!!!!.
يفقه الرئيس مثلما أسلف في كلّ الأمور من الدّستور إلى فقه القضاء مرورا ببناء الدّولة وماليتها الخ.. وقبل ذلك فهو الحاكم والمعارض النّاقد الذي لايقبل حتّى بهوامش المعارضة الدّيكورية.
مباهج “قرطاج” لا تحصى ولا تعدّ ونشوة دخوله أو كما يحلو للرئيس “الصّعود الشّاهق” يقابلها لا محالة السّقوط المدّوي.
الدّخول قد يكون في ظروف كثيرة يسير غير أنّ كلفة الخروج منه قد تكون أيضا ثقيلة.
فالمتأمل بسرعة في علاقة الشعب التّونسي بحكّامه منذ سنة 1956يقف على حقيقة ذاك الخروج المأساويّ من دفّة قصر قرطاج.
فالرئيس الأولّ رغم سرديّة قائد الجهادين وباني الدّولة الوطنيّة أنهى عقدا من حياته في المهانة والإقامة الجبريّة الذليلية.
ومنقذ البلاد وصانع التّغيير “بن علي” غادر البلاد هاربا رفقة أسرته إلى المنفى حيث ووري التراب. أمّا “الباجي قائد السبسي” فقد فارق الحياة في ظروف غامضة وأوضاع مأساويّة.
بين الدّخول والخروح مسافات وملاباسات غير أنّ الثابت هو النهايات المأساوية وفق قوانين الصّراع الطبقي طورا، ودسائس الشقوق طورا آخر.