مرتضى العبيدي
تعد نتائج الانتخابات الأخيرة في إيطاليا والسويد علامة تحذير جديدة على تقدم قوى اليمين المتطرف في القارة الأوروبية. ففي إيطاليا، فاز حزب “أخوة إيطاليا” ( Fratelli d’Italia (FdI، وهو حزب منبثق عن تشكيلات الفاشية الجديدة، في الانتخابات الأخيرة في 25 سبتمبر؛ وفي السويد ، احتل حزب “ديمقراطيي السويد” (SED) المركز الثاني أسبوعين قبل الانتخابات الإيطالية.
وفي دول مثل بولونيا والمجر وسلوفينيا، تشكل أحزاب أقصى اليمين جزءًا من الحكومات القائمة، وفي دول أخرى مثل فنلندا والنمسا والى وقت غير بعيد، كان لهذه الأحزاب مشاركات في حكومات سابقة. أما في إسبانيا وفرنسا، فقد ازداد حجم التصويت لصالح أقصى اليمين في الانتخابات العامة الأخيرة.
إن نمو اليمين يحدث على خلفية الأزمة العامة المتفاقمة للرأسمالية ومرور الاقتصاد الأوروبي والعالمي بفترات حرجة أدت بدورها إلى تفاقم المشاكل مثل البطالة والهجرة وانعدام الأمن. إن أزمة عام 2008، التي يمكن مقارنتها من حيث نتائجها بأزمة عام 1929، هي مثال على التأثير السلبي على سوق الشغل ومستوى معيشة العمال والشعوب.
في مواجهة مثل هذا الظرف، يقدم اليمين المتطرف خطابًا شعبويًا وقوميًا ومُعاد للأجانب وتسلطيا عند ادّعائه شرح أسباب الظواهر المذكورة والمتسببين فيها. فيلقي بالمسؤولية على الضحايا أساسا، ولكنه يهاجم أحيانًا بعض النخب السياسية والاقتصادية. فيلقي باللوم على المهاجرين في ارتفاع معدلات البطالة وانعدام الأمن الاقتصادي الذي يؤثر على العمال من السكان الأصليين، متهماً إياهم بالضلوع في تزايد العنف وانعدام الأمن.
ويستغل اليمين المتطرف الأفكار التي تظهر عادة في أوقات الصعوبات الاقتصادية وفقدان الثقة في المستقبل، والتي تتبناها الأقسام المتخلفة من الجماهير. فقد أعرب جيمي أكيسون، زعيم حزب “ديمقراطيي السويد”، في الحملة الأخيرة، عن نيته ترحيل جميع الأجانب الذين يرتكبون مخالفة ما مهما كان حجمها، وتحريم التسول وتجريمه، وهدم الأحياء التي صنفتها الشرطة على أنها “عالية الخطورة” وهي التي يسكنها المهاجرون أساسا.
وعلى الرغم من أن العديد من الأوساط تفسر هذه الظاهرة على أنها نمو للفاشية بشكل عام، إلا أن هذا التأكيد يبقى غير دقيق. فأحزاب اليمين المتطرف ليست كلها فاشية. البعض منها هي أحزاب محافظة أو قومية أو يمينية متطرفة أو فاشية مثل حزب “الفجر الذهبي” في اليونان، الذي يضم مليشيات وهيكلة شديدة الهرمية. فالفاشية لها خصائص محددة، لذلك لا نعتقد أنه من الصواب الإقرار بأن هناك اتجاه نحو الفشستة أو تقدمًا عامًا للفاشية، وهو ما لا ينفي النفوذ المتزايد لليمين المتطرف في أوروبا. فالوقائع تشير إلى أن معظم الأحزاب الأوروبية التي تتبنى أيديولوجية فاشية ولها هيكلة حزبية مطابقة لفكرها هي إلى حد اللحظة هامشية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن أسلاف بعض هذه الأحزاب التي تشهد الآن بعض النمو هي تشكيلات فاشية أو فاشية جديدة، كما هو الحال بالنسبة الى حزب “ديمقراطيي السويد”. ويمكن تفسير الاستخدام الواسع لكلمة فاشية لتحديد القوى السياسية اليمينية المتطرفة، لأنها تجعل من السهل توصيف حكومة ما على أنها عنيفة ومتسلطة ومعادية للديمقراطية.
إن وجود هذه التعبيرات السياسية هو رد فعل أكثر القطاعات رجعية ومعاداة للشيوعية في البرجوازية المالية. وهو يعبر عن الأزمة السياسية للنظام. ويُظهر تطوره حدود الوعي السياسي للعمال وضعف القوى السياسية الديمقراطية واليسارية. إن هذه القوى تنتعش لأن الجماهير ترى أن القوى اليمينية الأخرى، بما فيها تلك التي تقدم نفسها على أنها اشتراكية ديمقراطية، لم تعد تُقنع. فالإصلاحيون وحتى “اليساريون” الذين شاركوا في الحكومات المتعاقبة هم مسؤولون بشكل مباشر عن الأوضاع المزرية للعمال والكادحين، والتي لم يتمكنوا من إيجاد حلول لها، بل إنهم تحوّلوا إلى جزء من المنظومة القائمة، منظومة رأس المال والاستغلال والاضطهاد.
إن المهمة السياسية الأساسية للطبقة العاملة في أوروبا هي مواجهة قوى اليمين، وقطع الطريق أمامها، والعمل على تسليح العمال بأفكار الثورة والاشتراكية.