تأليف قنتر أندرس
تعريب إبراهيم العثماني
[قنترأندرس(1902-1992) فيلسوف وصحفي وكاتب ألماني، تلميذ الفيلسوف هيسرل (1859-1938) وصديق الفيلسوف هيدغر(1889-1976). عُرف بنقده اللاّذع للتّكنولوجيا، وهو من الأوائل الّذين كتبوا عن الحركة المناهضة للسّلاح النّووي، وأبرز مواضيع كتاباته هي دمار الإنسانيّة. وفي الكتاب الموسوم ب”دمارالإنسان” والصّادر سنة 1956 يرسم أندرس لوحة للإنسانيّة مهانة، مسحوقة في وجه التّقنية ومنه أُخذ هذا النّصّ الّذي ارتأينا تعريبه لتعميم الفائدة إذ يكشف أفضل الأساليب الّتي تستعملها القوى المتنفّذة لخلق إنسان خاضع خانع عاجز عن التّمرّد، وعنوان النّصّ من اختيارنا .إ.ع.]
لإخماد أيّ تمرّد قبل وقوعه لايجب مواجهته بطريقة عنيفة. فالأساليب البالية كالّتي استعملها هتلرولّى زمانها . [ لذا] يكفي خلق تكييف جماعي له من القوّة ما يجعل مجرّد التّفكيرفي التّمرّد أمرا لن يخطر ببال أحد مرّة أخرى
إنّ الهدف الأسمى يكون في قولبة الأفراد منذ نعومة أظافرهم وذلك بالحدّ من استعداداتهم البيولوجيّة الفطريّة وبعد ذلك يستمرّ تكييفهم بتقليص مستوى التّعليم بطريقة جذريّة حتّى يستحيل شكلا من أشكال الاندماج المهني. إنّ فردا جاهلا لايكون أفق تفكيره إلاّ محدودا وأكثر من ذلك سيقصراهتمامه على الرّداءة ويصبح قليل التّمرّد. ويجب وضع العراقيل[ أمام أبناء الشّعب ] حتّى يزداد الوصول إلى مدارج العلم عسرا شيئا فشيئا ويصير نخبويّا. ولتتّسع الهوّة بين الشّعب واكتساب العلم، وليخل الإعلام الّذي يقدّم إلى أوسع الجماهيرمن أيّ محتوى ذي طابع يدعو إلى التّمرّد.
يجب بالخصوص تحجيرتدريس الفلسفة . وهنا أيضا يجب الالتجاء إلى الإقناع وليس إلى العنف المباشر: وسيتمّ، عبر التّلفاز وبشكل مكثّف، نشر وسائل اللّهو الّتي تُشيد بلا انقطاع بما هو مثيرللانفعالات أوالغرائز. وسيتمّ إلهاء العقول بماهو تافه وصبيانيّ. ومن المجدي إعاقة الفكرعن التّفكير بواسطة الفاشوش والموسيقى الّتي لاتتوقّف. وسيكون موضوع الجنس في مقدّمة اهتمامات النّاس، وباعتباره مخدّرا اجتماعيّا فليس هناك ماهو أفضل منه.
وبصفة عامّة سيتمّ العمل على إقصاء كلّ ماهو جدّيّ من وجود الإنسان، واستهجان كلّ عمل ذي قيمة سامية وتوطين النّفس على تمجيد السّذاجة بحيث تُصبح نشوة الدّعاية معيارالسّعادة البشريّة ونموذج الحريّة. وهكذا سيُفرزالتّكييف من تلقاء نفسه مثل هذا الاندماج، وإنّ الخوف الوحيد- الّذي يجب أن نحترس منه – سيكون الخوف من الإقصاء من المنظومة وإذن من العجز عن تحقيق الشّروط الضّروريّة للسّعادة.
وهكذا فإنّ الإنسان البسيط الّذي تمّ خلقه يجب أن نتعامل معه كماهو أي باعتباره إنسانا بليد الذّهن. ويجب مراقبته كما يراقب القطيع. وكلّ عمل يسمح بتخديرالوعي هومستحسن على المستوى الاجتماعي، وكلّ عمل قد يهدّد ببثّ الوعي يجب أن يكون محلّ سخرية واستهزاء ويُخمد ويُقاوم، وكلّ نظريّة تطالب بنقد المنظومة يجب أن توسم أوّلا بأنّها مدمّرة وإرهابيّة وثانيا يجب أن يُعدّ كلّ مسانديها إرهابيّين.