علي البعزاوي
انطلق الاتحاد العام التونسي للشغل بمعية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تأثيث حوار وطني للنظر في الأزمة الشاملة والعميقة التي تضرب البلاد وتقديم الحلول والمقترحات إلى رأس السلطة التنفيذية في إطار المساعدة على تخطي هذه الأزمة المركبة وتجنب الكارثة. هذه الفكرة/المشروع رغم أنها تنطلق من مسلّمة تتمثل في الاعتراف بشرعية الرئيس قوبلت بالازدراء من قبل هذا الأخير الذي رأى فيها تشويشا على مشروعه وجاء رد الفعل سريعا باتهام الاتحاد الطرف الأكبر والأهم وصاحب المبادرة بالتصرف كطرف سياسي ولم يكتف بذلك بل مرت السلطة إلى إيقاف بعض المسؤولين النقابيين على خلفية أنشطتهم النقابية (الكاتب العام لنقابة الطرق السيارة-نقابيين في الجامعة العامة للنقل-كاتب عام نقابة العدلية ببنزرت…) بما يعني أنّ الاتحاد أصبح مستهدفا خاصة مع انطلاق حملة الشيطنة والتشويه والتخوين على شبكة التواصل الاجتماعي.
حوار يخدم السلطة القائمة
الحوار مهما كانت خلفياته ومخرجاته من شأنه التخفيف من حدة التوتر وطمأنة الرأي العام والشعب بأنّ الأزمة لن تذهب بعيدا وأنّ هناك حلولا ممكنة وبالتالي بث نوع من الطمأنة لدى الشعب التونسي وفرض نوع من الانتظارية عليه وحتى المساهمة في إطفاء أو على الأقل تليين الاحتجاجات القادمة كرد فعل على البطالة والتهاب الأسعار وشح المواد الحياتية والاعتداء الممنهج على الحريات النقابية والسياسية…
من هذه الزاوية وانطلاقا من الانتظارات الحقيقية للأغلبية الشعبية المباشرة وخاصة البعيدة (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية -السيادة الوطنية…) يعتبر الحوار مضيعة للوقت وبثا للوهم ومحاولة لتثبيت السلطة القائمة مقابل تنازلات جزئية لن ترقى في كل الأحوال إلى الحد الأدنى الضروري لأنّ من سيحسم أمر هذه المقترحات بقبول بعضها ورفض بعضها الآخر هو صاحب الأمر والنهي الماسك بكل السلطات.
كان على الاتحاد تنظيم هذا الحوار في إطار أوسع ولعب دور الجامع لكل القوى المطالبة بالتغيير والتي لم تتورط في الحكم والتوجه بمخرجاته إلى الشعب التونسي ونخبه للبت فيها من خلال ندوات وحوارات شعبية واسعة واعتمادها كبرنامج إنقاذ يمكن فرضه على السلطة القائمة عبر الاحتجاجات السلمية.
نقطة الضعف الأساسية في هذا المسار هو تردد الاتحاد ومن خلاله الرباعي في تحديد الموقف المناسب والمبدئي من السلطة القائمة والإجابة عن السؤال الأساسي التالي: “هل بإمكان هذه الأخيرة القبول بالتنازلات التي ترقى إلى مستوى الحلول الجدية”؟ لأنّ الجواب عن هذا السؤال يحدد كيفية التعاطي معها.
لقد فات قيادة الاتحاد أنّ المنظومة الشعبوية مثلها مثل المنظومات التي حكمت في السابق غير قادرة على معالجة الأزمة لأنها وفيّة للخيارات والسياسات الاقتصادية القديمة اللاشعبية واللاوطنية التي تخدم فقط الأقلية الثرية المحلية وكبرى الشركات والمؤسسات الأجنبية. وهو ما عبّرت وتعبّر عنه ميزانية 2022 و 2023 بكل وضوح.
المشكل ليس في تعاطي الاتحاد سياسيا مع الأزمة، فهذا دوره الطبيعي وقد دأب عليه منذ تأسيسه.المشكل هو في الموقف السياسي المهادن للسلطة القائمة والمراهنة عليها لتجاوز الأزمة والحال أنها غير مؤهلة لذلك للأسباب التي سبق ذكرها.
الدفاع عن الاتحاد دفاع عن الديمقراطية
إنّ الموقف من الحوار الوطني ومن مبادرة الرباعي بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل لا يعني ترك المنظمة الشغيلة في مرمى سهام سلطة الانقلاب لأنّ في ضرب الاتحاد ضرب للتعددية وللحقوق والحريات الأساسية التي ناضل من أجلها الشعب التونسي بمنظماته وأحزابه وقدّم في سبيل ذلك الشهداء.
إنّ الوقوف إلى جانب الاتحاد ضد كل أشكال الاستهداف هو الضمانة الحقيقية للحيلولة دون العودة إلى مربع الدكتاتورية وسياسات التفقير والتجويع ورهن البلاد للمؤسسات المالية الدولية النهابة.
إنّ السلطة القائمة تسرع الخطى لتكريس إملاءات صندوق النقد الدولي بما يعنيه ذلك من بيع للمؤسسات العمومية وضرب للقدرة الشرائية للأغلبية ودهورة الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وبيئة وغلق الباب أمام تشغيل الشباب. أي أنّ السلطة المذكورة تحاول تنفيذ ما عجزت عن تنفيذه الحكومات السابقة والتي لجأت بدورها لشيطنة الاتحاد العام التونسي للشغل وسخرت الميليشيات للاعتداء على مقراته وترهيب قياداته لكنها لم تفلح في فرض سياسة الأمر الواقع على الاتحاد والمجتمع.
إنّ ما يجمع بين كل المنظومات التي حكمت البلاد إضافة إلى الخيارات اللاشعبية واللاوطنية المنحازة لمصالح اللوبيات وكبار الأثرياء هو سعيها الحثيث لتحميل تبعات اختياراتها للاغلبية الشعبية. ولهذا السبب اضطرت دائما إلى استهداف المنظمة الشغيلة وهو ما بدا واضحا من خلال السياسات الاقتصادية وميزانيات التفقير والتجويع والسلخ الجبائي.