عمار عمروسية
يبدو أنّ مهازل بؤس الحكم الشعبوي الرث ببلادنا لا حدود لها مادامت موازين القوى الطبقية راجحة لقوى الردّة والانحطاط الذي يراكم إخفاقاته المخزية دون أدنى اكتراث للأضرار الجسيمة التي تجاوزت الجوانب الماديّة لتضرب في العمق الرصيد المعنويّ الكبير لمنجز المسار الثوري للشعب التونسي.
فبلادنا تحت فظاعات الحكم الفردي في المجالين الدّاخلي والخارجي بدّدت تقريبا مجمل الرصيد الرمزي للثورة وأضحت مرّة أخرى مادّة مفضلّة لسخط إمّا الهيئات المحليّة والدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان والحريات أو لوسائل الإعلام التّي تقتات من بطش السلطة وجورها والنزوع اللامتناهي للحاكم بأمره نحو خصخصة كلّ هيئات السلطة وتدجين الفضاء العمومي.
فجلسة برلمان الدّمى أمس راكمت كمّا مريعا من الفضائح التي عرّت على نطاق واسع كذب المفسّرين وجوقة المساندين.
وحتّى نكون دقيقين نحاول في ما يلي عرض بعض تلك الفظاعات:
1- لم تحمل صور المشهد العام حول “قصر باردو” أمس للمتابعين بالدّاخل والخارج الجديد قياسا بمشهدية 25 جويلية 2021 التي غلب عليها الحضور الكثيف للحواجز الحديديّة والأسلاك الشائكة وفيالق البوليس الخ…
فالصّورة البشعة بمجمل تفاصيلها في ذاك اليوم هي ذاتها تقريبا مع العودة الأولى لأول مؤسسة منتخبة في”الجمهورية الجديدة” التي يزعم أصحابها أنّها تجسيد لإرادة الشعب!!!! وتلك مغالطة كبيرة ذلك أنْ المولود الجديد عرف النّور ضمن سياق عامّ ميزته الانقلاب على الحكم والاستفراد به كما لم يحدث من قبل بالإضافة إلى مشاركة هي الأضعف ليس فقط في تاريخ “تونس” وإنّما في العالم على الأقلْ منذ أربعينات القرن الماضي.
وحدها الهيئات المحدثة في السياقات الاستبدادية وفي غياب الدّعم الشعبي من تحتاج إلى ذاك الطوق البوليسي الكثيف والهراوات….
2-تكثفت المهازل المخزيّة ووصلت حدّ منع وسائل الإعلام الوطنية والعالمية من متابعة أشغال الجلسة من داخل “قصر باردو” مثلما دأبت عليه العادة منذ 2011.
وحده الإعلام العموميّ المحلّي (تلفزة وطنية، ووكالة تونس إفريقيا للأنباء) سمح له بالمواكبة ممّا أجبر العشرات من الإعلاميات والإعلاميين على الاحتجاج وتنظيم وقفات غضب.
والأغرب من هذه الهمجيّة التّي تليق بمسار الانقلاب ونهجه الاستبدادي الغاشم أنّ كلْ الجهات المختصة (قرطاج، باردو، كاتب عام المجلس) في إصدار هكذا قرار سارعت إلى الإنكار والتفصّي من مسؤوليتها!!. الأمر الذي سارعت نائبة معروفة بخدماتها الجليلة لمسار الانقلاب إلى نسب الأمر لشخصها صحبة آخرين وهو ما تولّى ضمنيّا تفنيده زميلها الذي صرّح بأنْ لا علم له بهكذا أمر.
3- لقد عمدت القناة 25 جويلية النّاقلة لتلك الجلسة في أكثر من مناسبة إلى قطع البث المباشر والإيهام بنقل حوارات متصلّة بالحدث.
والملفت للإنتباه أنْ تلك الانقطاعات تزامنت وفق ما رشح من مراسلي بعض القنوات الإخباريّة بمظاهر تشنج وخصومات داخل قاعة الجلسة بمناسبة تقديم ترشحات رئاسة المجلس أو إخراج أحد النّواب.
والحقيقة أنّ مثل هذه الأساليب الهابطة في التعامل مع الحقّ الشعبيْ في متابعة الشأن العامّ وتحديدا ضمن ذاك المجلس يفضح أهداف قرار منع الإعلام الخاصْ الوطني والعالمي من المواكبة القريبة حتّى يتمّ تسهيل محاولات التغطيّة على حقائق الأمور.
4- في يوم السّقوط المدويّ لأكذوبة القطع مع الماضي وضمن مجلس “الصادقين والصّادقات” تولّت قوّات الأمن الولوج إلى قاعة الجلسات وإخراج واحد من النْواب المصطفين بتهمة التدليس والهروب من القضاء!!!
فأمر مثل هذا ليس بالأمر الهيّن من زاويتين الاولى تضرب في مقتل سردية أنظف انتخابات وأحسن المجالس والثانية تنسف كلّ الحواجز القانونيّة والدستوريّة أمام سطوة البوليس وجبروته.
5- مثلّت حيثيات ونتائج التصويت على مكتب المجلس “بروفة” أولى من صراعات لا حدود لها مستقبلا بين قوى يجمعها “البندير” ويفرّقها قرعه كما يقال.
فحدود التوافق وكذلك الاختلاف غير واضحة ومعلومة بين نواب هذا المجلس. وقد وصل بالبعض منهم حدّ رسم معالم التّطاحن غير المبدئي منذ البارحة من ذلك انْ النْاطق الرسمي باسم “مجموعة لينتصر الشعب” اتهم الفائز برئاسة المجلس بأنّه منتوج لوليات فاسدة!!!
أكثر من ذلك فإنْ النّاطق باسم حزب مساند الرئيس رغم عدم امتلاكه لأيّ نائب ذهب إلى حدّ الوعيد من خلال تدوينة انتهت بما يلي “إنّ غدا لناظره قريب”.