الجزء 6 من 7
ترجمة مرتضى العبيدي
V ـ التشهير الاقتصادي والسياسي، التحريض والدعاية
29. لكي تقوم أحزابنا بالمهام والمسؤوليات التي تتحملها تجاه الطبقة العاملة والشعوب، لا يكفي تبني فكرة الانتشار المناسب لقوانا واتخاذ القرارات وفقًا لذلك. فما هو مهم وحاسم بنفس القدر هو تنفيذ هذه القرارات وأن ينظم جميع أعضاء ومنظمات أحزابنا حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وفقًا للمهام المنوطة بعهدتهم، حتى يصبحوا “القادة الفعليين المنخرطين في النضالات، وفي الحركة وفي الحياة اليومية للجماهير”، كما قال لينين. وأن يطوّروا عملهم وفقًا للشروط والتطورات الملموسة من حيث المحتوى والانتشار والعمق والاستمرارية، إلخ. وأن يرفعوها إلى المستوى الذي تتطلبه العقيدة الماركسية اللينينية(12).
30. تتميز الطبقة العاملة عن الطبقات الأخرى، ليس فقط بموقعها من وسائل الإنتاج ومكانتها في عملية الإنتاج، ولكن أيضًا من خلال الأشياء التي تنبع منها، مثل علاقاتها اليومية، وحياتها وموقفها من الأحداث، وثقافتها، وما إلى ذلك. لا يمكن تحقيق هذا النوع من العمل الذي من شأنه أن ينهض بالعمال في جميع المجالات مع البقاء منفصلين عن الطبقة العاملة أو بالتواصل معها من الخارج. يجب أن تكون المنظمات الحزب وأعضاؤه داخل الطبقة العاملة، مع حياتهم اليومية وعلاقاتهم، كجزء واع من الجماهير، وألا يكونوا منفصلين عنها. هذا هو الشرط للقيام بمثل هذا العمل وتطوير مثل هذه التكتيكات التي من شأنها النهوض بالعاملين من جميع النواحي، والتي من شأنها تقليل احتمالية ارتكاب الأخطاء من حيث فهم أفكارهم وميولهم، وصياغة مطالبهم والربط بين الاثنين، إلخ.
31. من المعروف أن الطبقة العاملة لا تستطيع اكتساب الوعي الطبقي في المجال الضيق للحركة العفوية. منذ بداية القرن العشرين، لفت لينين الانتباه إلى هذا الجانب من المشكلة، مؤكدًا على الحاجة إلى إدارة الجوانب الثلاثة للنضال، أي النضال الأيديولوجي -النظري، والسياسي والاقتصادي، بطريقة متناغمة ومنهجية ومستمرة. صحيح أن الوعي السياسي الطبقي يُستورد إلى الطبقة العاملة من “الخارج”، لكن هذا لا يعني أنه سيُعطى من خارج الطبقة، على سبيل المثال من قبل المثقفين البرجوازيين. إن معنى استيراد الوعي من الخارج واضح: يمكن، كما قال لينين، غرسه من خارج ميدان النضال العفوي الذي تستطيع الطبقة العاملة خوضه وهي تخوضه بالفعل، أي من خارج ميدان النضال الاقتصادي: ” لا يمكن إحضار الوعي السياسي الطبقي إلى العمال إلا من الخارج، أي فقط من خارج النضال الاقتصادي، من خارج نطاق العلاقات بين العمال وأرباب العمل. فالمجال الوحيد الذي يكتسب فيه العمال هذا الوعي هو مجال علاقات جميع الطبقات والفئات بالدولة والحكومة، مجال العلاقات المتبادلة بين جميع الطبقات.”(13) ولا يمكن أن يقوم بذلك إلا حزبها الذي يقوم بعمل يومي منظم بين جماهير العمال.
32. على الرغم من حقيقة أنه في المجال الضيق للحركة العفوية، لا يستطيع العمال تحقيق وعي سياسي اشتراكي تلقائي أو مستوى تنظيم يقودهم إلى النصر في نضالهم ضد البرجوازية وإلى التحرر، فإن نضالهم حول المطالب الجزئية يشعل الشرارات الأولى للوعي ويفتح الطريق لإمكانيات التقدم من خلال تجاربهم الخاصة. تعتمد كيفية تطور هذه الشرارات الأولى على العديد من العوامل مثل شكل النضالات التي تتطور تلقائيًا، وعملية تطورها -سيعطي الإضراب في مكان العمل، أو الإضراب العام، أو الانتفاضة نتائج مختلفة لدى العمال ـ وسيعطي عمل متعدد الأبعاد ومنهجي للعمال الواعين ومنظماتهم نتائج أخرى.
33. لذلك، لا يجب على حزب ماركسي لينيني الاستخفاف بتطور النضالات العمالية، حتى لو كانت قائمة على أصغر المطالب الطبقية، وأن يحشد كل إمكانياته لدفع هذه النضالات من خلال قيادتها والمشاركة فيها. لكن هذا لا يعني أن الحزب يجب أن يحشد فوراً كل قواه أينما كان هناك إضراب أو مقاومة، والدفع بقواه المحدودة من إضراب إلى آخر ومن مقاومة إلى أخرى، مما يؤدي إلى إضعاف وتشتيت تنظيماته القاعدية وعمله في المصانع وأماكن العمل والمدارس والأحياء، إلخ. في هذه الحال سيكون في موقع التبعية للجماهير والحركة العفوية بأسوأ طريقة، باسم توجيه الانفجارات العفوية. لكن لا يمكن للحزب أن يظل مكتوف الأيدي أمام الإضرابات الكبرى وأعمال المقاومة حيث لا توجد له منظمات أو ارتباطات، أو إزاء نضالات الطبقات المضطهدة والمستغَلة الأخرى من أجل مطالبها العادلة، أو إزاء قمع هذه النضالات، والاكتفاء بمراقبتها من بعيد. يجب أن يحاول التدخل هناك من خلال منظماته القاعدية، دون تشتيتها، من خلال تشكيل منظمات خاصة مؤقتة إذا لزم الأمر. يجب أن يقوم بأنشطة في جميع المجالات التي تتواجد وتعمل فيها منظماته، وخاصة في المصانع وأماكن العمل، بهدف الانضمام إلى هذه النضالات ودعمها وإقامة الروابط وتطويرها. فقط عندما يعارض العمال جميع أشكال الاضطهاد والاستغلال التي تتعرض لها الطبقات الأخرى، ويناضلون معها من أجل مطالب مشتركة مثل معاداة الإمبريالية، والحريات الديمقراطية، والسلام، وحماية البيئة إلخ، ويدافعون عن كل مطالبها العادلة، عندها فقط يصبح العمال طليعة كل هذه الطبقات.
34. إن تنظيم نضالات الجماهير والنهوض بها من أجل مطالبها اليومية الملحة، فضلاً عن التحريض والعمل التنظيمي الذي تتطلبه، ضروريان لتطوير الارتباط مع أوسع قطاعات الطبقة العاملة والعمال ودعمهم في حياتهم ومساعدتهم على التقدم من خلال تجاربهم الخاصة. إن المنظمات التي لا تقوم بهذا العمل بشكل مستمر لن تكون قادرة على تطوير علاقات واسعة النطاق وتحقيق الوحدة معها. ويستخدم البعض ـ ولا سيما من المنتمين للتيارات الاشتراكية البرجوازية الصغيرة ـ نقد لينين للاقتصادوية للتقليل من شأن النضال من أجل المطالب العاجلة وخاصة المطالب الاقتصادية للعمال. بالإضافة إلى المواقف التحقيرية للنضال الاقتصادي التي تؤدي إلى اللامبالاة إزاء الحركات العفوية، يجب على أحزابنا الاحتراس من الاتجاهات التي تصل إما إلى فقدان الذات ونسيان الواجبات، أو إلى عبادة الذات. يجب أن ننضم إلى نضال الجماهير من أجل مطالبها العاجلة، ولكن لا نقصر نشاطنا بين الجماهير على هذا. علينا أن نساهم لا فقط في صياغة مطالب العمال بل أن نكون كذلك العناصر المشاركة الأكثر تقدمًا في هذه النضالات، وأن نحرص على الربط بين هذا النضال الاقتصادي وعملنا التشهيري التحريضي والدعائي المستند إلى أمثلة حقيقية وملموسة، أثناء هذه الأنشطة ووفقًا لها. ما لم ينظم الحزب عملاً يوميًا منظمًا ومتواصلًا من التشهير السياسي والتحريض والدعاية بين العمال، فلن يتمكن من رفع وعي وعمل الطبقة العاملة إلى مستوى الوعي والنضال السياسي الضروريين لتحررها.
35. إذا كان عمل التشهير والتحريض الاقتصادي والسياسي وضرورة التفاعل مع الحركات التي تتطور على أساس المطالب الملحة للجماهير هو شرط -وهو كذلك – لتقدّم عمل الحزب، فإن النتيجة هي الحاجة إلى التواجد حيثما تتواجد الجماهير، ولا سيما في النقابات العمالية، وبالتحديد في المنظمات الجماهيرية، من خلال تعزيز نشاط الحزب في هذه الفضاءات. في الظروف الحالية، حيث تتحكم الرجعية البرجوازية في النقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية الأخرى، من الضروري العمل في هذه المنظمات والقيام بعمل حزبي مستمر للتنظيم داخل الطبقة العاملة، وخاصة بين العمال الصناعيين، والجماهير العاملة الأخرى، علانية أو سرا، مباشرة أو باستخدام تكتيكات الحرب حسب الضرورة. إن كلمات لينين خير مرشد لنا: “من المهم تقديم التضحيات والتغلب على أصعب العقبات من أجل القيام بنشاط دعاية وتحريض منهجي وموجه وثابت ومستمر في الجمعيات والمؤسسات والتجمعات التي يوجد فيها البروليتاريون وأشباه البروليتاريين، وخاصة الأكثر رجعية (14).
وعلى الرغم من وجود اختلافات مهمة بين البلدان في ظرفنا الراهن، إلا أن جزءًا صغيرًا فقط من العمال والكادحين منظمون في منظمات جماهيرية مثل النقابات العمالية. لذلك أصبح من المهم بشكل متزايد أن يكون العمل النقابي أحد الجوانب الأساسية للعمل الحزبي في المصانع وأماكن العمل الأخرى، وأن يتم دمج هذا العمل مع عملنا الحزبي في النقابات العمالية والمنظمات الأخرى. إن التنظيمات الحزبية في المصانع وأماكن العمل والعمل الذي تقوم به هو الأساس والعامل الحاسم للحصول على مواقع دائمة وثابتة في النقابات العمالية. يجب أن يعتمد الحزب في عمله في أماكن العمل والنقابات على المفهوم الطبقي للنضال النقابي، ومع ذلك، يجب عليه تطوير العلاقات مع المعارضة والحركات والتوجهات الثورية والتقدمية للنقابات التي لا تتبنى بعد خط الحزب ولكنها تدعم النضال ضد أرباب العمل ورأس المال، يجب أن تصارع معهم وتستفيد من التناقضات بين الأرستقراطية العمالية والبيروقراطية. يجب أن تسعى إلى إنشاء وتطوير أوسع وحدة نقابية وسياسية للطبقة العاملة في النضال ضد رأس المال والرجعية. هذه الوحدة تتطور وترسخ في النضال السياسي من أجل المطالب المادية وضد الهيمنة البرجوازية. إن وضع الحركة النقابية وحالة الفوضى الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية للحركة العمالية عموما تتطلبان منا أن نعمل من أجل وحدة الطبقة العاملة، وأن نبني هذه الوحدة في النضال وأن نرفع المطالب المباشرة للطبقة العاملة.
(يتبع)
الهوامش:
(12) إن لوائح رابطة الشيوعيين، التي وُضعت بمشاركة نشطة من ماركس وإنجلز في مؤتمرها الأول عام 1847، والتي كانت أول مبادرة لتأسيس الحزب الثوري للطبقة العاملة، والتي تم تبنيها في مؤتمرها الثاني، نصت في نقطتها الأولى على أهداف الرابطة، وفي النقطة الثانية، على شروط العضوية في الرابطة. كان الشرط الأول لكي تصبح عضوًا هو “اتخاذ أسلوب حياة وعمل” وفقًا للهدف المنصوص عليه في النقطة الأولى. منذ السنوات الأولى لتأسيس نظريتهم كدليل للعمل من أجل النضال من أجل تحرر الطبقة العاملة، عاش ماركس وإنجلز “حياة وعملا” بما يتفق مع الهدف المحدد بوضوح شديد في النقطة الأولى من قواعد الرابطة وكذلك في البيان الشيوعي. وكما فعل في المجالات الأخرى، طور لينين آراء ماركس وإنجلز حول الحزب الثوري للطبقة العاملة وشروط العضوية فيه، ودافع عنها ضد أي شكل من أشكال الانتهازية.
(13) لينين، ما العمل؟ ؟، 3.5. الطبقة العاملة كطليعة مناضلة من أجل الديمقراطية
(14) لينين، الأعمال المختارة، المجلد العاشر.