القسم 3 من 3
بقلم بابلو ميرندا
ترجمة مرتضى العبيدي
الآن علينا الرجوع الى ما أشرنا إليه سابقا، والتأكد من أن الذي يأتي للحزب لا يغادره. من الواضح أن هذا الأمر قليل الحدوث. لكن ما أعرفه، أننا لم نحرز تقدمًا كبيرًا في هذه المحافظة، لكن ذلك لا يعني أننا بصدد التراجع. لقد أنجزنا المهمة في منطقة واحدة فقط، ولكن ماذا حدث، أيها الرفاق الأعزاء؟ إن الأمر لا يتعلق بكوننا قمنا بانتداب 10 أو 20 شخصًا فقط، إذ أننا انتدبنا عددا أكبر بقليل، ولكننا سجلنا بالمقابل عددا من الانسحابات. وهو ما يعني أننا لم نكبر كثيرًا، لأن بعض رفاقنا تركوا الحزب، وكسبتهم الحياة، والعدو الطبقي، والانتهازيون، أو أيّ شيء آخر.
يتحتم علينا العمل لكي يبقى المناضل الاجتماعي في الحزب إلى الأبد، وذلك بفضل عملية نسميها التكوين الشيوعي. لا يتعلق الأمر بالدراسة فقط. ما هو التكوين الشيوعي إذن، أيها الرفاق؟ هو فهم، وتملّك النظرية الثورية، الماركسية ـ اللينينية. نحن الشيوعيون نختلف عن البقية لأننا نحمل أفكارًا متقدمة، وهي النظرية الأكثر تطورًا التي ابتدعتها البشرية: الماركسية – اللينينية. نحن نتميز عن بقية الناس لأننا نجعل هذه الأفكار توجه حياتنا، ونجعلها أداة للعمل. إن معرفة النظرية واستيعابها وتطبيقها عملية لا تحدث في اجتماع واحد ولا تحدث دفعة واحدة. هذا لا يتم بشكل شامل. في كامل حياة الشيوعيين نتعلم كل يوم، لكن علم الثورة عظيم جدًا ومعقد جدًا لدرجة أنه يتطلب منا دراسته كل يوم.
علينا أن نفهم أن الأشياء تتغير وتتطور؛ يقول البعض منا، «لماذا لا نفعل ما فعلناه في 96 عندما أطحنا بـ “بوكارام”*** وكان عددنا أكثر بكثير مما هو عليه الآن؟ إنه وهم، لأنه توجد الآن ظروف موضوعية مختلفة. إن الشيوعيين لا يتصرفون بصفة إرادوية، علينا أن نفعل ما نريد القيام به، ولكن في ظل الظروف، وبالأدوات، والمشاكل الموجودة في هذا الوقت، وفي هذا المكان. لذلك سنحتاج دائمًا إلى الدراسة، يجب أن تكون الدراسة جماعية، أي في الخلية، في لجنة الحزب، في اللجنة المركزية. لا يوجد مناضل يعرف كل شيء، ولا أحد مستثنى من هذه المهمة، لكن لا يمكننا عقد اجتماع للخلية، أو للجنة للدراسة فقط، يجب علينا مناقشة ما يجب القيام به وكيفية القيام به؛ يجب أن نضع هذه التوجهات موضع التنفيذ ويجب علينا تقييمها. لذلك فإن الدراسة ليست سوى جزءا من عمل المجموعة.
إن أمكن، يجب أن ندرس كل يوم، لكن الدراسة تصبح مهمة فردية. فالمناضل يقرأ، يفكر، يحاول أن يبحث في الحياة الاجتماعية عن صدى لما يقرأه في الكتب، في الكراريس، في الجريدة. لذا علينا أن نجعل من القراءة عادة يومية. كم دقيقة في اليوم يمكننا تخصيصها لقراءة وثائق الحزب؟ ذلك ما يجب أن يحدّده كل منا، لأنه لا يجب أن يمر يوم دون أن نستحضر بعض أفكار علم الثورة، الماركسية ـ اللينينية. هذه مهمة فردية، لكن يجب على المجموعة أن تقيّم ذلك، فتتفطن مثلا في المناقشات السياسية كيف يبذل هذا الرفيق أو ذاك جهدًا في العروض النظرية لأنه درس بشكل أفضل، وليس لأنه أكثر ذكاءً، لأنه لا يوجد شخص أذكى من الآخر، هناك أناس لديهم معرفة أكثر من غيرهم، لا أكثر، لأن الذكاء صفة لكل البشر.
لذا، أيها الرفاق الأعزاء، فإن الدراسة والمعرفة والانخراط في هذه المعرفة أمر مهم وجزء من تكويننا من أجل وضعها موضع التنفيذ. لا يمكن فهم الدراسة على أنها مهمة فردية للتثقيف الذاتي. إذا حدث ذلك لدى شخص ما، فيمكنه أن يتحوّل فجأة إلى دجال عظيم، أو مثقف يكتب الهراء، ولكن لن يصبح شيوعيا، لأن التطور كشيوعي يحصل بالتربية الحزبية وفي خضمّ النضال الاجتماعي؛ ولا عن طريق التظاهر والادّعاء.
إذن أيها الرفاق، ما هي الكفاحية؟ هي العمل، العمل الثوري، هي القتال، هي الدعاية، هي تنظيم الجماهير، هي التربية السياسية للجماهير، هي أن تصبح قائدا للجماهير، خطيبا مقنعا ومحل ثقة الشعب. هذه هي الشروط لكي تكون شيوعيًا جيدًا، فإذا أدركنا ذلك، فإننا نتدرج بشكل جيّد في مسؤولية التربية الشيوعية. إذا تحقق هذا الهدف، على الحزب أن يعمل حتى يبقى الشيوعي الذي وصل إلينا حتى النهاية، لأن قرارنا منذ البداية هو البقاء حتى النهاية. لكن هذا لا يحدث دائمًا بهذه الطريقة. هناك أناس كانوا شيوعيين حتى سن 20 و30 ويغادرون في سن 31.
إن الحياة الحزبية، والمشاركة الفعالة والمتكاملة لكل مناضل في منظمته أو خليته أو لجنته، هي شرط لا غنى عنه لتقدم التربية الشيوعية. إن المشاركة في النقاش السياسي، في صنع القرار بطريقة جيدة تساهم في تأهيلنا كمناضلين فاعلين. فعندما نساهم في تطوير سياسة الحزب، فإننا ننخرط بسلاسة في تنفيذ هذه السياسة في النضال الاجتماعي، فهي تتيح لنا التحقق، في الممارسة الاجتماعية، من صحة هذه التوجهات، وبالطبع تقييم نجاعتها السياسية. وهذا يساعدنا على اتخاذ إجراءات تصحيحية للمضي قدمًا. تتيح لنا الخلية أن نلعب دورًا رائدًا في بناء الحزب، والانتداب، والتربية الإيديولوجية والسياسية للمناضلين، وتنظيم النضالات النقابية والسياسية للطبقة العاملة والكادحين، والشباب، وفي التربية السياسية للجماهير.
إن الحياة الحزبية تتجاوز الجدل السياسي، وتتجاوز دراسة النظرية، وتصبح فعلا ملموسا في جميع الأماكن والظروف على ضوء التوجهات التي صاغتها مؤسسات الحزب بهدف دفع النضال في صفوف العمال والشعوب والشباب. في كل منطقة، تقوم لجنة الحزب والخلية بوضع السياسات والمقترحات والشعارات التي تساعد على تنظيم وقيادة نضال الطبقة العاملة والشباب. يضعون خطة عمل ويخوضون المعركة؛ في كل مكان وزمان، يحملون توجهات اللجنة المركزية ولجنة المحافظة وينظمون النضال في القطاعات الاجتماعية التي ينشطون فيها. علينا أن نعي، في الممارسة العملية، أن الصراع الطبقي، تحت قيادة الشيوعيين، سيجعل من الممكن توضيح مسار العمال، وتقوية وعيهم الثوري، وكسب معارك ملموسة، وبالتالي دفع عملية مراكمة القوى إلى الأمام، وبذلك تشكيل الحركة الجماهيرية الثورية، وتوحيد المناضلين وفتح آفاق تقوية الحزب بدمج مناضلين اجتماعيين جدد في صفوفه.
هنالك جانب آخر مهم وجبت الإشارة إليه. كيف نؤكد، كيف نعزز وضعنا كمناضلين، كشيوعيين؟ للحزب أدوات مهمة جدًا في ذلك، وهي النضال الأيديولوجي والنقد والنقد الذاتي. إن الصراع الأيديولوجي هو تعبير عن الصراع الطبقي داخل الحزب، وهو ليس صراعًا للتوفيق بين المواقف، إنه مواجهة لا هوادة فيها لكنس مواقف البرجوازية والبرجوازية الصغيرة المتسربة للحزب. يجب خوض هذا الصراع حتى نهاياته المنطقية، من أجل القضاء على الأفكار والممارسات غير البروليتارية التي تظهر فجأة، لأننا كشيوعيين نعيش في هذا العالم الرأسمالي، عالم الفردانية المقيتة، عالم النفعية ونحن لسنا منيعين تماما إزاء إيديولوجيا الطبقات الحاكمة.
لكن بعيدًا عن الصراع الأيديولوجي، نحن، أيها الرفاق، لدينا أداة أخرى، وهي ما نسميه النقد والنقد الذاتي. نحن الشيوعيون لسنا كاملين، كما قال أحدهم، نحن بشر، نحن مقاتلون، نحن ثوار، لكننا لسنا كاملين، نرتكب الأخطاء، وأحيانا تقتحم الأفكار البرجوازية الصغيرة صفوفنا فنتصرف بمواقف فردية. عندها وجب محاربة الأخطاء والقضاء عليها من خلال النقد والنقد الذاتي. لهذا يجب أن نتصرف في الوقت المناسب، ولا ننتظر سنة لننقد ما حدث بالأمس؛ ونريد أيضًا أن يحسن الشيوعي الإصغاء، لا أن يدافع عن نفسه، ولا يكترث بكل ما يقال، عليه ألا يعتقد أننا نريد إحباطه، بل إن النقد يهدف إلى تصحيح أخطاء الشيوعيين.
إننا نحتاج إلى حزب من الثوار، نحتاج لحزب مقاتلين، إلى قادة مقاتلين، نحن نعد للظفر بالسلطة بالثورة، لا بالانتخابات، حتى لو شاركنا في الانتخابات، ولا بالإضراب رغم أننا نشارك وننظم الإضرابات، فإننا نحتاج، أيها الرفاق، إلى التكوين الأيديولوجي للشيوعي في سياق مهم للغاية، وهو ما أطلقنا عليه مرحلة تجنيد الحزب. إذا لم نقم بذلك، فلن يكون لدينا حزب من المقاتلين بل حزب من دعاة السلام. نحن بحاجة إلى أن تصبح الخلية واللجنة مدرسة للشيوعيين لاستيعاب النظرية العسكرية للثورة، ليصبحوا منظمين للعنف الثوري.
يا رفاق، إنها سيرورة كاملة للدراسة، والممارسة، وممارسة النضال الأيديولوجي، وتدريب أنفسنا كجنود ثوريين، وبالتالي لنكون شيوعيين طوال حياتنا، وأن نجلب شيوعيين وشيوعيات جددًا إلى هذا الحزب.
شكرا جزيلا لكم أيها الرفاق
أكتوبر 2021
الهوامش
*** عبدالله بوكرم: سياسي اكوادوري من أصل لبناني. فاز في الانتخابات الرئاسية لسنة 1996 لكنه لم يعمر طويلا (أوت 1996 ـ جانفي 1997) إذ تمت الإطاحة به بعد ثورة شعبية عارمة احتلت فيها الجماهير الشوارع لمدة خمسة أسابيع نظرا لاستشراء الفساد بشكل مفضوح في كامل مفاصل الدولة.