الحزب الشيوعي الثوري الفولتييكي
في الآونة الأخيرة، احتدّت أزمة النظام الرأسمالي الإمبريالي إلى حد كبير تاركة تداعياتها في البلدان المهيمن عليها في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. فالمستعمرات الجديدة غرب إفريقيا المرتبطة بهذا النظام تخضع لقوانينه وقواعده وتقلباته.
هذه الأزمة، التي تفاقم التناقضات الأساسية في عصرنا، تجعل الإمبريالية أكثر عدوانية وشراسة. وتتمثل أكثر مظاهره وضوحا في الوقت الحاضر في ما يلي:
– الصراع المفتوح الذي يقترب من المواجهة بين الولايات المتحدة والصين من أجل الهيمنة على العالم.
– الأزمة المرتبطة بجائحة COVID-19 وتأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي والحياة الاجتماعية ، والتي لن نتجاوز عواقبها على المدى القصير ؛
– هزيمة الإمبريالية الأمريكية ودول الناتو في أفغانستان، والتي كشفت هشاشة هذا التجمع العسكري العدواني ؛
– حرب إعادة تقسيم العالم في أوكرانيا بين الإمبريالية الروسية من جهة والإمبريالية الأمريكية وحلفائها في الناتو والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وهذه الحرب الرجعية ذات العواقب الاقتصادية والاجتماعية المأساوية على الشعب تساهم في تعزيز عسكرة القوى الإمبريالية.
– تجدد الانقلابات العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء (مالي، تشاد، غينيا كوناكري، السودان) وانقلابات مؤسساتية (تونس مع مصادرة جميع السلطات من قبل الرئيس قيس سعيد). كل هذه الحقائق السياسية تعكس أزمة الاستعمار الجديد في القارة الأفريقية.
في ضوء مبادئ الماركسية اللينينية، يجب أن نظهر للطبقة العاملة وشعب بلدنا الأهمية العميقة لهذه الأحداث، ونتائجها من أجل تسليحهم بشكل أفضل في النضال من أجل حقوقهم الديمقراطية والاجتماعية ومن أجل التحرر الوطني والاجتماعي. كما أنها تسمح لنا بتطبيق مبادئ الأممية البروليتارية بشكل صحيح.
الأحداث الأخيرة والجارية ومعانيها على الصعيد الدولي
منذ الهزيمة المؤقتة للاشتراكية في العالم وتفكك الكتلة الشرقية، جعلت الإمبريالية الأمريكية من مهمتها تشكيل العالم على صورتها. لتحقيق هذا الهدف، تعهدت الولايات المتحدة بتثبيت هيمنتها عن طيب خاطر أو بالقوة من خلال زعزعة استقرار الدول من خلال شبكاتها المختلفة مثل شبكات جورج سوروس ووكالة المخابرات المركزية والعدوان على الشعوب كما في العراق وأفغانستان وسوريا. هذه الحملة الصليبية، التي نُفِّذت بدعم من حلفائها في الناتو، تهدف إلى تحقيق طموحات أكبر، وأولها تغيير الخريطة الجيوسياسية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط والبلقان.
ومن مظاهر هذا التوجه العدواني يمكن أن نذكر: العدوان على ليبيا، والتصفية الجسدية لمعمر القذافي، الوقوف ضد نضالات الشعوب في العالم العربي، ومحاولات مختلفة لفرض قيم نيوليبرالية ومعادية للشيوعية. أما الذرائع التي يتم تسويقها بشكل عام فهي “محاربة الإرهاب، والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلخ. حتى أنهم اخترعوا “حق التدخل” (droit à l’ingérence) للتدخل عسكريا في دول وفقا لمصالحهم في ذلك الوقت.
لكن أحداثًا مثل هجمات 11 سبتمبر 2001 دمرت أطروحة مناعة النظام الأمريكي. لقد أدت الأزمة المالية والاقتصادية لعام 2008 وتداعياتها الدولية الخطيرة إلى إضعاف مصداقية النظام الرأسمالي العالمي في قدرته على إدارة شؤون البشرية بشكل فعال. في الآونة الأخيرة، كشفت أزمة COVD19 وإدارتها الكارثية في سياق إضعاف أنظمة الصحة العامة، بما في ذلك في البلدان الرأسمالية المتقدمة، في وجه العالم أن النظام الرأسمالي الإمبريالي لا ينفك حقًا في أنفاسه الأخيرة.
بعض السمات الأساسية للوضع في أفريقيا
أدى إفلاس الاستعمار الجديد في أفريقيا إلى عودة الانقلابات. فالإمبريالية الفرنسية فقدت زخمها في وجه المنافسين الجدد، جرّاء النضالات الشعبية، فقررت استعادة سيطرتها من خلال إعادة تشكيل حديقتها الخلفية من خلال تجديد الطبقة السياسية المرفوضة شعبيا، واستبدالها بأشخاص ينتصرون لقضيتها. إن زعزعة استقرار ليبيا واحتلال شمال مالي من قبل الجماعات الجهادية المدعومة من فرنسا تشكل جزءا من استراتيجية استعادة السيطرة.
ومن هنا تم إنشاء قواعد عسكرية في منطقة الساحل من خلال عمليتي “سرفال” Serval)) و”برخان” (Barkhane)، وإنشاء G5 لمنطقة الساحل تحت سيطرة الجيش الفرنسي، وقوة “التبوكا” (Tabuka)بهدف تجميع هذا الوجود على نطاق أوروبي. القضايا الجيوستراتيجية ونهب الموارد المعدنية المهمة في بلدان الساحل والصحراء هي أهداف سياسة الزوارق الحربية هذه. فقدت كل دول الساحل (بوركينا فاسو، مالي، النيجر، تشاد) السيطرة على جزء كبير من أراضيها، رغم وجود قوات عسكرية أجنبية تقدر بأكثر من 20 ألف جندي وحوالي 80 جنديًا. البلدان المساهمة في إطار بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ويتصارع الجميع على التموقع في هذه الحرب لإعادة توزيع المجالات. وفي غضون ذلك، تتقدم جبهة الجماعات الإرهابية المسلحة بلا هوادة نحو البلدان الساحلية (كوت ديفوار وتوغو وبنين).
إن حالة الأزمة الأمنية والإنسانية تضخم الأزمة الاقتصادية والسياسية، وهي مصدر عدم استقرار سياسي مع التنافس بين مختلف شقوق البرجوازية الرجعية للاستيلاء على سلطة الدولة الاستعمارية الجديدة. إن عودة الانقلابات العسكرية إلى الظهور هي نتيجة للوضع الكارثي في هذه البلدان (مالي، بوركينا فاسو، غينيا كوناكري، تشاد).
مستفيدةً من تراجع الإمبريالية الفرنسية، تتسلل روسيا وتحرز نقاطًا من خلال روابط التعاون العسكري، لا سيما مع مالي، بعد رحيل القوات الفرنسية والقواعد العسكرية من الأراضي المالية وإعادة انتشارها في النيجر، وهي دولة حدودية. وإذا كنا ندرك أنه لا يمكننا منع دولة ذات سيادة من التعاون مع من تريد، فإنه من الضروري الإشارة إلى أنه من الخطر الاعتماد على إمبريالية لمحاربة أخرى. يجب على شعب مالي، مثل شعب منطقة الساحل، أن يمنح نفسه الوسائل الضرورية لضمان الدفاع عن نفسه وأرضه، وتبوّئه موقع القيادة في الحرب ضد الإرهاب.
إن إفريقيا حاليًا هي موضع طمع القوى الغربية في تنافس مع الوافدين الجدد مثل الصين وروسيا وتركيا والهند. وبالتالي يتم وضع المستعمرات الجديدة تحت الهيمنة اللصيقة. منذ بداية جائحة كوفيد 19، تقلص الناتج المحلي الإجمالي للقارة بنسبة 2.1٪، مما دفعها إلى الركود، مما أدى إلى وجود 32 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع وفقًا للبنك الدولي. كما أدت الأزمة الأمنية إلى تفاقم الوضع مع نزوح ملايين السكان والمجاعة في مناطق معينة من القارة. منذ عقود، لم يعد بإمكان القارة تأمين الغذاء لسكانها. ونلاحظ أيضًا أن الشركات متعددة الجنسيات تستحوذ بشكل متزايد على ما يسمى بالمساعدة الإنمائية الرسمية (APD)، من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI). لكن هذه الاستثمارات ليست موجودة لتنمية القارة. فوفقا للأمم المتحدة (انظر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: تدفقات رأس المال والنمو في أفريقيا. 2000)، في التسعينيات، عاد ما يقرب من 40 ٪ من صافي تدفقات رأس المال إلى أفريقيا جنوب الصحراء إلى البلدان الدائنة في شكل فوائد وتحويل أرباح.
تعتمد إفريقيا على المنتجات الأساسية (المواد الخام)، وتتكون صادراتها من 80٪ من المنتجات الأولية (المنتجات الزراعية، والغابات، والنفط، واليورانيوم، والذهب، إلخ). انخفضت حصة أفريقيا في التجارة العالمية من 4٪ في عام 1980 إلى 2٪ في عام 2000. وتجاوز هروب رأس المال غير المشروع 75 مليار يورو (49200 مليار فرنك أفريقي) سنويًا. تتخذ تدفقات رأس المال هذه مسارات مختلفة مثل الفساد والتهريب والتهرب الضريبي والتلاعب من قبل الشركات متعددة الجنسيات لإخلاء الدخل غير المشروع. هذه هي حالة الذهب في بوركينا فاسو الذي يُصدّر على أساس أنه فحم ناعم.
لذلك، فإن وفرة المواد الخام وسهولة نهبها هي السبب الجذري للمنافسة الشرسة بين القوى الأجنبية في إفريقيا. حالة فرنسا نموذجية بهذا الصدد. إنها تستخدم أساليب قديمة وحشية ومتخلفة ومفترسة. وبالفعل، فإن اتفاقيات التعاون، التي لايزال جزء منها سريا، تستخدم في هذا النهب، وكذا الهيمنة النقدية من خلال الفرنك الافريقي CFA) (Franc الذي يمثل الجزء المرئي من عملية الاحتيال الضخمة هذه.
لقد فهمت الشعوب الإفريقية ينابيع السياسة الفرنسية، وفي كل مكان في مظاهرات الشوارع هم يعلنون رفضهم للاستعمار الجديد ويطلقون شعارات ” فرنسا ديغاج! على الجيش الفرنسي مغادرة إفريقيا!”
وفقًا للبيانات الاقتصادية، يُعدّ الساحل منطقة غنية جدًا. فهي موطن لاحتياطيات كبيرة من النفط، واليورانيوم، والغاز، والكولتان، والنحاس، والمنغنيز، والليثيوم، والخام المغناطيسي، والأتربة النادرة، إلخ. في عام 2013، في تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، أشار البرلمانيون بالفعل إلى رغبة فرنسا في ضمان “الوصول الآمن إلى موارد الطاقة والتعدين في إفريقيا من خلال بعثة “سيرفال”، التي أصبحت “برخان” في عام 2014″. ووفقًا لمسح أجرته الصحافة الفرنسية في إفريقيا، يبدو أنه على الرغم من انخفاض الصادرات الفرنسية بمقدار النصف كنسبة مئوية، ارتفعت مخزونات الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي من حوالي 5.9 مليار يورو في عام 2000 إلى 52.6 مليار يورو في عام 2014 وبلغت ذروتها 56 مليارًا في عام 2016 (زيادة قدرها 800٪). لذلك فإن القارة جذابة للغاية بالنسبة لفرنسا رغم تراجعها في مواجهة اندفاع منافسيها وخاصة الصينيين. أما واردات فرنسا فتتعلق بشكل أساسي باليورانيوم والكاكاو والفاكهة الاستوائية.
تشعر فرنسا بالقلق بشكل خاص من تغلغل المنافسين مثل الصين وروسيا وتركيا التي، من خلال قمم الصين / إفريقيا، وروسيا / إفريقيا، وتركيا / إفريقيا، تنتزع حصصًا كبيرة في السوق منها، مع احتمال طردها في نهاية المطاف من السوق. وهو ما يفسر هستيريا إيمانويل ماكرون لفكرة خسارة المكاسب الهائلة التي تجنيها فرنسا من إفريقيا والتي يقوم عليها ازدهارها. لذلك يتم استعمال كل الوسائل لمنع البلدان الخاضعة للسيطرة من الهروب من قبضة النظام الرأسمالي الإمبريالي.
لكن البروليتاريا والشعوب والشباب في العديد من البلدان الأفريقية يقفون خلف متاريس النضال للمطالبة بظروف معيشية وعمل ودراسة أفضل في مواجهة إفلاس الدول الاستعمارية الجديدة. إنهم يربطون بشكل متزايد بؤسهم بالسيطرة الإمبريالية للقوى الأجنبية وحلفائهم المحليين.
على الرغم من تعقيد الوضع في منطقة الساحل مع هجمات الجماعات الإرهابية الجهادية المسلحة، فإن السكان ينتظمون ويقاومون ويدافعون عن أنفسهم أكثر فأكثر ضد إهمال الحكومات الاستعمارية الجديدة. يمكن أن يتطور هذا الوضع إلى حلقة من عدم الاستقرار السياسي باتجاه المزيد الانقلابات العسكرية أو نحو الحل الثوري.
أفريقيا حبلى بثورة ديمقراطية
إن الشعوب الأفريقية، وخاصة الشباب الشعبي، ترفض فصائل البرجوازية الرجعية وأحزابها السياسية الرجعية والانتهازية المتواطئة في تزوير الانتخابات.
يجب على الشعوب الأفريقية أيضًا أن تنأى بنفسها عن الانقلابيين، لأن الانقلابات العسكرية لا تتحدى بشكل أساسي نظام الهيمنة الاستعمارية الجديدة ولا يمكنها إحداث تحول اجتماعي لصالح الشعوب.
إن الشعوب الأفريقية، وخاصة الشباب منها، تتطلع إلى التغيير الثوري. إنهم يريدون قطيعة مع الإمبريالية الفرنسية في البلدان التي تسيطر فيها هذه الإمبريالية.
إن شعوب الساحل تريد الدفاع عن نفسها في وجه المحن، ضد الجماعات الجهادية التي تحتل أجزاء كاملة من البلدان المعنية. هذه قوى ظلامية والشعب لا يريدها.
إن الشعب يتوق للتغيير الثوري. هذا ما يجعلنا نؤكد أن إفريقيا حبلى بثورة ديمقراطية. وقد دعا حزبنا، الحزب الشيوعي الثوري الفولتييكي (PCRV)، الشعب إلى تنظيم نفسه معه في حركة قوية للوحدة الشعبية من أجل التغيير الثوري من أجل طرد البرجوازية وخاصة الإمبريالية الفرنسية من السلطة وإقامة جمهورية ديمقراطية حديثة.
واغادوغو، مارس 2023
مجلة “وحدة وصراع” المجلة النظرية للندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الم الل
العدد 46، أفريل 2023