الجزء 2 من 4
بقلم بابلو ميراندا
ترجمة مرتضى العبيدي
تتواطأ الاحتكارات والدول الإمبريالية من أجل السيطرة على العالم، والدفاع عن النظام الرأسمالي، والنظام العالمي الذي يوفّر لها هذه التفوّق، وفي الوقت نفسه، فهي تتنافس على الهيمنة والاستيلاء على الثروة التي يخلقها الملايين من العمال، وعلى استغلال الموارد الطبيعية التي تزخر بها الأرض، والمواد الخام، وعلى الأسواق ومناطق النفوذ. و تتجلى هذه التناقضات في جميع المجالات، في التجارة والاستثمارات المباشرة والقروض، في الدبلوماسية، في السياسة وفي المواجهات العسكرية الواسعة أو في الحروب المحلية.
يتألف النظام الرأسمالي الإمبريالي، في الوقت الحاضر، من احتكارات دولية وشركات متعددة الجنسيات وبلدان إمبريالية مختلفة: الولايات المتحدة التي، وعلى الرغم من آثار التآكل والانحطاط والانحدار، تستمر في احتلال الصدارة من حيث القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية ؛ الصين، التي تُعتبرُ ثاني أكبر اقتصاد في العالم وعملاق إمبريالي يكافح للوصول إلى المركز الأول ؛ روسيا، إنجلترا، اليابان التي لديها جميعا مناطق نفوذ تحت سيطرتها، تسعى للدفاع عنها ولتوسيعها ؛ ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا التي تعد جزءًا من الاتحاد الأوروبي، ولكن لدى كل منها رغباتها التوسعية الخاصة بها وهي منخرطة بنشاط وحيوية في النزاع على الأسواق ومناطق النفوذ.
تتطور الاحتكارات والدول الإمبريالية بشكل غير متساو، لكن الاتجاه نحو المزيد من التراكم والبحث عن الهيمنة هو أحد قوانين تطور الرأسمالية، وبالتالي تطوّر الاحتكارات والبلدان الإمبريالية. وهذا الاتجاه يحدّد مصالح كل مجموعة احتكارية، وكل بلد إمبريالي.
إن عالم اليوم هو مسرح نزاع للحفاظ على تراكم الثروة وتوسيع نطاقها بين مختلف البلدان الإمبريالية. وعلى خلفية هذه التناقضات، يتم إبرام اتفاقيات وعقد تحالفات، بين مجموعات من البلدان الإمبريالية ، على أساس أهداف محددة، تضمّ أساسا البلدان الرأسمالية المتقدمة، بالإضافة إلى العديد من البلدان التابعة والتي لها أهداف خصوصية.
إن التحالفات العسكرية سارية المفعول: منظمة حلف شمال الأطلسي ، الناتو ، بقيادة الولايات المتحدة لعدة عقود ؛ منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا ، OTSA ، بقيادة الولايات المتحدة أيضًا ؛ ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا، OTSC ، والمكونة من عدة دول من الاتحاد السوفيتي السابق ، هي التجمعات العسكرية الرئيسية التي تضم القوى الإمبريالية وأحدث حلفائها. إن سباق التسلح الذي تشارك فيه البلدان الإمبريالية بشكل مكثف والذي امتد إلى جميع الدول يُستخدم في تسوية النزاعات المحلية عن طريق السلاح، لكنه يهدد بالتحضير لحرب شاملة؛ ومن ناحية أخرى، فهو جزء من مخططات صانعي الأسلحة وتجارها.
أما في المجال الاقتصادي والتجاري، فتزداد حدة المواجهة من أجل المصالح بين القوى الإمبريالية العظمى وبينها وبين البلدان الإمبريالية الأخرى كل يوم. إن حرية التجارة وفتح الحدود “لمصلحة الجميع” تبقى مجرد كلمات جوفاء عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالح الاحتكارات والبلدان الإمبريالية. لقد تم إقصاء منظمة التجارة العالمية، التي كانت تجسيدا للعولمة والتجارة الحرة، بحيث لم تعد اتفاقياتها تنفذ بشكل أساسي إلا في البلدان التابعة، إذ أعادت الولايات المتحدة والصين، كجزء من “الحرب التجارية”، القيود الجمركية. فالاتفاقيات التجارية واتفاقيات التبادل الحر ليست أكثر من تقسيم الأسواق ومناطق النفوذ بين الدول الإمبريالية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا.
وفي السنوات الأخيرة، اندلعت “حرب تجارية” بين الولايات المتحدة والصين، مع فرض رسوم جمركية على إنتاج كل منهما، وهو صراع اقتصادي تُستعمل فيه مليارات ومليارات الدولارات ويُلزم كل منهما باتخاذ إجراءات وإجراءات مضادة. يبدو أن إدارة بايدن غير راغبة في التقليص من حجم هذه المواجهات. وهي التي تؤثر على العلاقات التجارية والاقتصاد في العديد من البلدان التابعة التي تخضع لسيطرة الاحتكارات. وكانت إدارة ترامب سعت إلى تعميم حرب المعاليم الجمركية هذه إلى دول الاتحاد الأوروبي وكندا.
أما حروب العدوان والنهب، وهي التي تعبر عن طبيعة الإمبريالية، فهي ثابتة من أجل ضمان الوصول إلى الموارد الطبيعية، والتقدم في السيطرة على مناطق النفوذ، والدفاع عن المواقع المهددة بتدخل القوى الأخرى. فالولايات المتحدة تتدخل عسكريا وتلوح بأعلام الحرية والديمقراطية في ليبيا وسوريا. وهي تهدد إيران وفلسطين وكوريا الشمالية. كما تتدخل إنجلترا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل علني في هذه البلدان نفسها وغيرها لدعم الولايات المتحدة، ولكن أيضًا للدفاع عن مصالحها الخاصة. وتتدخل فرنسا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا في مستعمراتها السابقة في إفريقيا. وتشارك روسيا بنشاط في سوريا وليبيا، من أجل الدفاع عن مصالحها الاقتصادية وكسر الحصار العسكري الأمريكي، وكذلك في دول آسيا الوسطى التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي. وتعيد اليابان تسليحها وتشريعها بشكل خطير للسماح لنفسها بالتدخل عسكريًا خارج حدودها. أما الصين، فهي لا تقوم بتدخلات عسكرية حتى الآن، لكنها القوة العسكرية الثالثة وهي تعيد تسليح نفسها باستمرار، ولديها أكبر جيش في كل العصور. في جميع البلدان التي تكون هدفًا للتدخل العسكري من قبل القوى الإمبريالية، يتم تعريض حياة الجنود المكوّنين للجيوش النظامية للموت للدفاع عن مصالح القوى الامبريالية.
إن المنافسة بين الاحتكارات وبين الدول الإمبريالية هي مسألة موضوعية، ويمكن أن تصبح حادة للغاية، حتى احتمال نشوب حرب عالمية جديدة. إن هذه المواجهة هي من طبيعة الإمبريالية، فتركيز الثروة وتراكمها الذي سمح بتكوين الاحتكارات الكبرى والقوى الإمبريالية هو نتيجة لاستغلال القوة العاملة لبلايين العمال الذين يعملون في الشركات الامبريالية المنتشرة في جميع أنحاء الكوكب. هذه الثروة هي نتاج فائض القيمة الذي ولدته الطبقة العاملة في البلدان الإمبريالية، وعمال البلدان الرأسمالية المتقدمة، وعمال وشعوب البلدان التابعة.
تشكل الأزمات الاقتصادية ذات الطابع الدوري، والتي رافقت الرأسمالية دائمًا، سيناريو آخر لزيادة حدة التناقضات بين القوى الإمبريالية، ولكن أيضًا لتحقيق مخطط البرجوازية الاحتكارية لتحميل وزر هذه الأزمات على أكتاف العمال في كامل أرجاء المعمورة.
قديما وحاليا، تسللت القوى الإمبريالية بين العمال والشعوب، في المعارك التي يخوضونها من أجل تحررهم من نير الرأسمال والإمبريالية؛ وكانوا يزعمون دعم نضال هذه الشعوب من أجل الاستقلال والتنمية، ويقدمون الدعم الاقتصادي والقروض والمساعدة الفنية والأسلحة والمستشارين العسكريين، وفي ظل ظروف معينة يوفرون حتى الجنود. وفي الواقع، فهم كانوا يسعون فقط إلى استبدال القوة المهيمنة والحلول محلّها. إن الصراع الإمبريالي العالمي يجري في أراض أجنبية، بعيدة عن حدود هذه الدول، في أي منطقة أو قارة من العالم.
لقد مرت الشعوب والبلدان بالتجربة المريرة لـ “مساعدة” البلدان الإمبريالية. وفي حاضر الشعوب المناضلة من أجل الاستقلال ومستقبلها، يلعب العمال والشباب والنساء دورا رياديا. ومع ذلك، فإذا كانت قيادة هذه السيرورات في أيدي قطاعات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، فإن مصير هذه النضالات، حتى لو انتصرت، سيكون التخلص من براثن هيمنة ما للسقوط تحت هيمنة أخرى. لقد كان الأمر كذلك وسيظل كذلك، لكن هذا لا يكفي لتحقيق الاستقلال الحقيقي، ناهيك عن التحرر من قيود الاستغلال الرأسمالي. ولكي تتغير الأشياء، ولكي تنتصر المعارك من أجل الاستقلال الوطني والتحرر الاجتماعي فإنه من الضروري أن تكون قيادة هذه النضالات في أيدي العمال والشعوب نفسها، تحت قيادة الطبقة العاملة وحزبها.
(يتبع)