الجزء 3 من 4
بقلم بابلو ميراندا
ترجمة مرتضى العبيدي
إن تطلعات شعوب الدول المستقلة سياسياً إلى التنمية والتقدم لا يمكن أن تتحقق إذا كانت تعتمد على دولة إمبريالية أو أخرى. فلتحقيق هذه الأهداف، يجب أن يعتمدوا على قوتهم وعلى التضامن الدولي لعمال وشعوب البلدان الأخرى. إذ أن التاريخ يُظهر أن هذه الدول “الراعية” تسعى إلى الاستيلاء على ثروات البلدان، وإلى استثمار رؤوس أموالها من أجل مضاعفة أرباحها. لذا وجب على الشعوب إسقاط هذه الأقنعة ومعارضة السياسات القائلة بأنه لا يمكن تحقيق التنمية إلا من خلال الاستثمار الأجنبي.
يشير أنور خوجة في كتابه “الإمبريالية والثورة” إلى: ما يلي
“تظهر التحليلات الطبقية الماركسية اللينينية والوقائع أن وجود التناقضات والاختلافات بين القوى والكتل الإمبريالية لا يلغي أو يقلّل من التناقض بين العمل ورأس المال في البلدان الرأسمالية والإمبريالية أو التناقض بين الشعوب المضطهدة ومضطهديهم الامبرياليين. إن التناقضات بين البروليتاريا والبرجوازية، بين الشعوب المضطهدة والإمبريالية، بين الاشتراكية والرأسمالية هي الأعمق هي الثابتة والغير قابلة للاختزال. لذلك، فإن استغلال التناقضات بين الدول الإمبريالية أو بين الدول الرأسمالية والتحريفية لا يكون ذي جدوى إلا إذا عمل على خلق أفضل الظروف للتطور القوي للحركة الثورية والتحررية ضد البرجوازية والإمبريالية والرجعية. لذلك، يجب أن يتم استغلال هذه التناقضات دون بث الأوهام بين البروليتاريا والشعوب حول الإمبريالية والبرجوازية.”
في الوقت الحاضر، هناك أفكار ومقترحات متداولة مفادها أن الصين وروسيا قوتان إمبرياليتان تعملان على كبح طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالتالي، فهما يشكلان احتياطيًا للنضال من أجل الاستقلال ووقف خطر الحرب. من الغريب أن هذه الأفكار يتم الترويج لها من قبل الأحزاب التحريفية والتشكيلات اليسارية البرجوازية الصغيرة وشخصيات من المثقفين القوميين الذين يتصرفون كوطنيين. وقد وقعت عدة دول في إفريقيا والشرق الأوسط في التبعية للاستثمارات والقروض، تحت المظلة العسكرية للروس والصينيين، وهي عالقة اليوم في براثن استعمار جديد.
إن الأحزاب والحركات في أمريكا اللاتينية التي تعلن تبنّيها لـ “اشتراكية القرن الحادي والعشرين”، والتي كان بعضها ولا يزال في السلطة، تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. لقد أقاموا علاقات اقتصادية ودبلوماسية وسياسية وعسكرية مع الصين وروسيا على أساس أنهم يعارضون ضغوط ومخططات الإمبريالية الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وفي الواقع، أصبحت الصين وروسيا هم الإمبرياليين الجدد لهذه البلدان. فالإكوادور، على سبيل المثال، حصلت على ديون خارجية من الصين تعادل أكثر من 60٪ من إجمالي ديونها. وهي قروض مجحفة وبفائدة عالية (حوالي 10٪) وقصيرة الأجل. وفي فنزويلا، يتم استثمار رأس المال الصيني ويحقق أرباحًا هائلة في استخراج النفط والصلب والفضة، وفي البناءات المدنية؛ والشيء نفسه ينطبق على الراسميل الروسية.
إن استقلال فنزويلا مرتهن لروسيا والصين. لقد أضر الدين الخارجي لإكوادور إزاء الصين بجميع إنتاجها النفطي تقريبًا، بينما تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توسيع وتمتين روابط التبعية من خلال الاستثمارات، والإقراض والتجارة غير المتكافئة.
فلا الصين ولا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا الدول الإمبريالية في الاتحاد الأوروبي أصدقاء للشعوب، ولا يساهمون في التنمية المستقلة وتقدم البلدان. بل تتركز اهتماماتهم على استخراج فائض القيمة الذي تنتجه الطبقة العاملة وعلى نهب الموارد الطبيعية.
تلعب المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من ناحية، والصين وروسيا، من ناحية أخرى، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، بقوة على الاتفاقيات التجارية والاستثمار المباشر والإقراض والمبادلات. إنه صراع دائم من أجل إعادة توزيع مناطق النفوذ. في بعض البلدان، مثل سوريا وليبيا واليمن، يُخاض هذا الصراع بالأسلحة والتدخلات العسكرية والحروب المحلية.
إن الأفكار القائلة بوجود إمبرياليات “جيدة”، وصديقة للشعوب، وقوى إمبريالية توقف التوسع الأمريكي ليست سوى أوهام ساذجة، وفي حالة التشكيلات السياسية الانتهازية، فهي تعبير عن رغبة متعمدة في تبديل سيّد بسيّد آخر.
وإذا لم يتم حتى الآن تسجيل أي تدخل عسكري صيني في بلدان أخرى، فهذا لا يعني أننا أمام إمبريالية مختلفة، تمارس أساليب جديدة يمكن التوافق معها. في الواقع، كما يؤكد لينين، الإمبريالية هي المصدر الرئيسي للحرب ضد العمال والشعوب، هذه الطبيعة لا تتغير، يتم التعبير عنها عندما يكون العنف الرجعي ضروريًا للتوسع والدفاع عن المصالح والامتيازات. عاجلا وليس آجلا سوف نرى القوات الصينية تغزو البلدان الأخرى. وهذه الحقيقة تتنافى مع مقولة إن الإمبريالية الصينية صديقة للشعوب، أو عنصر فاعل في سيرورة النضال من أجل التحرر الوطني.
لكن لا يجب أن يغيب علينا نحن البروليتاريين الثوريين أنه من الضروري والممكن الاستفادة من التناقضات الإمبريالية لمصلحة الشعوب والتحرر.
يمكن للاختلافات بين أعداء الثورة والاشتراكية، في أوقات معينة وتحت ظروف معينة، أن تزداد حدة وتصبح عدائية، ويمكن أن تثير الصراعات والحروب التي يجب على الثوريين البروليتاريين الاستفادة منها للتقدم في معارك التحرر الاجتماعي والوطني. إن سيناريو الحرب العالمية الأولى، التي شاركت فيها القوى الإمبريالية الرئيسية، سمح بشكل موضوعي لتنظيم نضال الطبقة العاملة والتقدم به.
يقدم لنا التاريخ تجارب مختلفة للموقف الصحيح للشيوعيين في استغلال هذه التناقضات. نظم الشيوعيون الروس، بقيادة لينين، الثورة البروليتارية الأولى، ثورة أكتوبر، وعملوا على انتصارها. وهم في قيادتها قدموا لنا دروسًا قيمة حول كيفية تطوير هذه المسألة. سوف نستشهد بمثال معروف:
عاد لينين ومجموعة من المنفيين الشيوعيين في أوروبا إلى روسيا على متن قطار وفرته لهم الحكومة الألمانية. قدمت الحكومة الألمانية هذه التسهيلات من أجل رؤية الشيوعيين يزعزعون استقرار الحكومة الروسية ويدفعون روسيا إلى الانسحاب من التحالف مع بريطانيا وفرنسا. عاد لينين إلى موسكو وعمل بشكل مكثف من أجل قيادة الثورة إلى النصر. ومن المعروف أنه لم يتنازل أبدًا، ولم يتبادر إلى ذهنه الإشادة بالحكومة الألمانية، بل إنه أدانها ووصفها بأنها العدو اللدود لعمال ألمانيا وروسيا وجميع البلدان المشاركة في الحرب العالمية الأولى. كانت هذه الظروف صعبة وقاسية. لقد واجهها الشيوعيون الروس واستخدموا التناقضات بين الدول الإمبريالية المتحاربة لصالح الثورة. في وقت لاحق، بعد انتصار الثورة، عندما تدخلت دول الوفاق الإمبريالية بشكل مباشر لهزم الحرب الأهلية الثورية في روسيا، تمكن الحزب البلشفي من قيادة نضالات العمال والشعوب والجيش الأحمر ضدّها وتأكيد انتصار الثورة.
(يتبع)