حسني حمودي
مثل كلّ سنة تحيي الشّبيبة الطلابيّة في تونس وفي بقية دول العالم اليوم العالمي للطلاب الموافق لـ17 نوفمبر، وهو يوم يخلّد الأحداث التي شهدتها مختلف الدول، عندما خرجت مسيرة طلابية حاشدة في ألمانيا ضد قوات الجيش النازي، ذات سنة 1939، حيث قام مجموعة من الطلاب بمسيرة مندّدة بالنازية الألمانية، وتصدّت لها القوات النازية وأسفرت المواجهة بين الطلاب وجيش النازية عن مقتل الطالب “جان أوبلاتيل” وأدّى مقتله إلى انفجار الغضب وزيادة الاحتجاجات، ممّا دفع قوات الجيش النازي إلى غلق كافة المعاهد العليا بعد حملة اعتقالات شملت 1200 طالب وقع ترحيلهم إلى معسكرات اعتقال الجيش النازي، كما أعدمت القوات الألمانية 9 طلبة من ضمن المعتقلين، قبل أن تقوم في 17 نوفمبر 1939 بتصفيتهم جميعا.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية قام الاتحاد العالمي للطلاب بتخصيص يوم 17 نوفمبر، ليكون يوما للطلاب، ضد الحروب الإمبريالية من أجل تحقيق السلام، والعدالة، والحرية، والتضامن، والتحرر من الاستعمار.
ونحن اليوم، نحيي هذه الذكرى في ظل تزايد وتيرة الاستغلال الطبقي والنهب لثروات الشعوب ومقدراتها من قبل الامبريالية المتوحشة عبر مؤسساتها المالية التي أرضخت اقتصاديات البلدان الضعيفة لمصالحها الجشعة والمتزايدة، بل عمدت طيلة تاريخها إلى إخضاع المجتمعات بإثارة الحروب والاقتتال والأوبئة وإشاعة الفوضى والتفقير الممنهج ودعم الأنظمة الاستبدادية العميلة والتابعة. وتتّسم اليوم بأقسى درجات العدوانية إزاء الشعوب ومقدّراتها نتيجة فشل مشروعها الرأسمالي المتهاوي يوما بعد يوم. فلا مخرج لها غير إشاعة الفقر والبؤس واليأس والأوبئة والحروب بقيادة الامبريالية الأمريكية وحلفائها ووكلائها. ولعلّ أكبر دليل على ذلك هو واقع الحق الفلسطيني وكل شعوب العالم المضطهدة.
نحيي هذه الذكرى وشعبنا في فلسطين المحتلّة يواجه بجسارة أبشع تمظهرات الامبريالية الأمريكية المموّل الرسمي لحرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا في غزة الصامدة طيلة أربعين يوما من العدوان الغاشم من الكيان الصهيوني المحتل الغاصب.
نحيي هذه الذكرى وكل طلاب غزة الصامدة دون جامعات جرّاء حرب الإبادة التي ينفّذها الكيان الصهيوني الغاصب على شعبنا بفلسطين الأبيّة، نحيي هذه الذكرى وكل طلاب غزة بين شهداء ومشاريع شهداء دفاعا عن حقّهم الطبيعي.
أمّا في تونس فيحيي الطلاب هذه الذكرى وهم الأكثر عرضة للتفقير الممنهج الذي يكرّسه الحكم الفردي لقيس سعيد ومشروعه الشعبوي الماضي بلا هوادة في تثبيت أركان مشروعه الدكتاتوري الفاشستي والمحافظ على نفس الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المعادية للطبقات والفئات الشعبية الكادحة والمفقّرة والتي لا توفّر الحدّ الأدنى من العيش الكريم، بل تزيد في تأزيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بتفاقم البطالة والتهميش والاضطهاد وانسداد الآفاق واليأس والقلق من غموض المستقبل نتيجة الفشل المتواصل لنظام الحكم الذي يفرض نمط تنمية غير منتج ولا يحقق غير الأرباح لحفنة من السماسرة واللصوص والمهرّبين والمتهرّبين.
وفي تونس يحيي الطلاب هذه الذكرى وهم/ن يعانون مصاعب بالجملة أهمها ضعف المنحة الجامعية وعدم تعميمها، عدم تحمّل البنية التحتية لمؤسسات التعليم العالي ومؤسسات الإيواء الجامعية (المبيتات الجامعية) لطاقة الاستيعاب المتعاظمة كل سنة، مثلا وحسب الأرقام الرسمية لمركز الدراسات لوزارة التعليم العالي فقد تطوّرت عدد المؤسّسات الجامعيّة بين سنوات 2011 و2017 بنسبة 27.37%، فإنّ نسبة الإيواء لم تتطوّر خلال نفس الفترة سوى بنسبة 2.6%، ممّا أفرز نسبة للإيواء لم تتجاوز 20% من مجموع الطلبة المحتاجين للسكن الجامعيّ، كما أنّ نسبة الأعوان المختصّین في الطبخ بالمطاعم الجامعیة لم تتجاوز سقف 40% في حين بلغ عدد المطاعم الجامعيّة المطابقة للمواصفات والمعايير 14 مطعما من إجماليّ 74 مؤسّسة ضمن منظومة الإطعام الجامعي التي تخضع لإشراف دواوين الخدمات الجامعيّة، أي بنسبة لا تتجاوز 18.91%، أضف إلى ذلك أزمة النقل الجامعي والصحة الجامعية والأكلة الجامعية…
كما يحيي الطلاب في تونس هذه الذكرى وهم/ن ممنوعون من العمل السياسي داخل أسوار الجامعة، ومقيّدون بالميزانية الهزيلة للأنشطة الثقافية…
إنّ هذه الذكرى تفرض علينا جميعا وعلى كل طلاب الشعوب المناهضة للامبريالية والصهيونية النضال ضدّ الرجعية بلا هوادة ولا ملل من أجل :
– تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
– طرد سفراء كل الدول المطبّعة مع الكيان الغاصب.
– افتكاك كل حقوقهم المشروعة وإن كلف ذلك إسقاط الحكومات والأنظمة.
– تغيير نظام التعليم بما يخدم مصلحة الطلاب وما يفرضه ذلك من تغيير لمنوال التنمية.
فلنملأ الساحات الطلابية نضالا وثباتا من أجل تحقيق كل المطالب السابقة، ولنجعل من هذه الذكرى نقطة التحوّل صلب الحركة الطلابية العالمية من أجل مساندة ومؤازة الشعب الفلسطين الأبيّ.
ولنجعل من نضالنا ومساندتنا للحق الفلسطيني ضد حرب الإبادة التي يتعرّض لها أشقاؤنا فرصة من أجل فضح وإسقاط أنظمة العمالة والتطبيع.
عاشت نضالات الطلاب في تونس وفي العالم.
عاشت فلسطين حرة أبيّة.
المجد للشهداء والعزة للمقاومة.