عمر حفيظ
المقاومة ثقافة تُكتسب بالدّربة والمران والإرادة اليوميّة. وتحتاج إلى وعي نظريّ ومعرفيّ حادّ نميّز به تمييزا واضحا بين العدوّ الرّئيسيّ وما سواه أو دونه بحسب الاستراتيجيا التي نرسمها لأنفسنا وما يتخلّلها من تكتيكات وحسب المراحل وإكراهات الواقع.
وما شهدناه في السّنوات الأخيرة من حديث عن النّهايات (نهاية التّاريخ، نهاية الايديولوجيا، نهاية الفلسفة…) تجنّدت لترويجه والإقناع به أصوات كثيرة صنعتها وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعيّ للتّلاعب بالعقول وتسطيح الوعي ونشر التّفاهة والابتذال في كلّ شيء، وفي ما هو ثقافيّ رمزيّ تحديدا. وقد أورثتنا هذه الحالة نوعا من الارتخاء، وقد انعكس ذلك حتّى في ما يُكتَب من إبداع وما يُنتج من فنون. وما عشناه – نحن العربَ – من خيبات قديمة وحديثة في بلداننا العربيّة التي تعاني من تبعيّة مطلقة للغرب الإمبرياليّ، ومن ظهور حركات إرهابيّة ودعاة وشيوخ، أسقطت عنهم حرب الصّهاينة على غزّة ورقة التّوت التي كانوا يتستّرون بها، جعل كثيرين منّا يعيشون حالة من الإحباط والشّعور بالعجز وفقدان الثّقة في النّفس إلى أن جاء 7 أكتوبر 2023، ونبّهنا إلى أنّ المقاومة المسلّحة ومناهضة الصّهيونيّة والفاشيّة والنّازيّة والامبرياليّة والتّضحية لتحرير فلسطين وتجريم التّطبيع مع المحتلّ لا تقبل الدّخول في خانة النّهايات التي تمّ التّرويج لها.
وفي سياق الرّمزيّ والثّقافيّ الذي أشرنا إليه سابقا يمكن أن نفهم خوف أمريكا الامبرياليّة ومن يساندها ومن يأتمر بأوامرها. هذا الخوف الذي دفعهم إلى أن يجتمعوا ويحرّكوا بوارجهم وطائراتهم وأن يمدّوا جسورا جويّة بينهم وبين الصّهاينة لا لحماية الكيان فقط، وإنّما للقضاء على بارقة الأمل التي سطعت مع انتصار المقاومة. خوفهم هو خوف من أن يعود الأمل إلى هذه الشّعوب المقهورة فيعود السّؤال بمختلف أنواعه وتنشأ ثقافة جديدة هي ثقافة المقاومة. وهي الثّقافة الوحيدة التي تُخيفهم وتزعجهم لأنّها ستضع كلّ شيء موضع سؤال ونقد ومحاسبة. هذه الثّقافة تخيفهم لذلك هم مصرّون على قتلها.
إنّنا في حاجة اليوم إلى أن نعيد الاعتبار إلى كلّ شكل من أشكال المقاومة وإن بدا بسيطا. ولدينا اليوم رأي عالميّ رأى بأمّ العين وحشيّة الصّهاينة لذلك نحتاج إلى التّفكير في كيفيّة استثمار ذلك لإعادة بناء العلاقة بين القضيّة الفلسطينيّة والثّقافة الغربيّة والعربيّة في آن معا، حتّى لا يكون الحديث عن الاحتلال والصّهيونيّة والمقاومة حديثا آنيّا ينتهي بوقف إطلاق النّار مثلما حدث من قبل. إذ من المفيد اليوم أن ننطلق من حرب الإبادة هذه التي يشنّها الصّهاينة لإيقاف موجة التّطبيع التي بدأت وفضح أصحابها وبيان تأثيراتها الكارثيّة، وفي الإصرار على إعادة المطالبة بضرورة سنّ قانون لتجريم التّطبيع، وفي إرساء ثقافة المقاطعة لكلّ السّلع والشّركات والفضاءات التي لها صلة ما بالكيان الصّهيونيّ.
قد يقول قائل : نحن عالة على الغرب في كلّ شيء، وعلينا أن نكون واقعيّين. مقاطعة كلّ شيء ضرب من المثاليّة.
فليكن،،، المقاطعة وتجريم التّطبيع حاليّا تعبيران عن موقف مقاوم ورفض للصّهيونيّة. ولتكن هذه اللّحظة لحظة شروع في التّفكير الوطنيّ بعيدا عن الشّعارات الشّعبويّة. فالبدائل الوطنيّة – وإن كانت تستغرق وقتا، وهذا صحيح – في الاقتصاد والسّياسة في مختلف المجالات : التّعليم والفلاحة والسّياحة والتّجارة ليست مستحيلة. والتّاريخ مليء بالتّجارب التي يمكن أن نستفيد منها.