الرئيسية / صوت العالم / مستشفى “الشفاء” وصمة عار على جبين الإنسانية وجبين العرب بالدرجة الأولى
مستشفى “الشفاء” وصمة عار على جبين الإنسانية وجبين العرب بالدرجة الأولى

مستشفى “الشفاء” وصمة عار على جبين الإنسانية وجبين العرب بالدرجة الأولى

جيلاني الهمامي 

في زمن الحرب يصبح القتل من هذا الجانب أو ذاك عملا بطوليا، ويقع التفنن والمبالغة فيه بالقدر الذي يشفي غليل كل طرف. ومهما جرى من أجل “أخلقة” الحرب وضبط المواجهات التي تحصل فيها بما يكفل “حماية المدنيين” وما إلى ذلك فإنّ الحرب هي الحرب.

وتُعدّ حرب الكيان الصهيوني على غزة منذ أكثر من شهر من “أوسخ” الحروب. لا شك في أنّ حروبا جرت في التاريخ كانت على درجة عالية من الفظاعة والشناعة والدموية. ولكن الحرب الحالية التي استخدمت أعتى ما أنتجته مصانع السلاح ومختبرات أدوات القتل والإبادة قد تكون هي الأفظع والأشنع والأكثر قساوة ودموية.

مئات وربما الآلاف من المجازر المرتكبة في حق المدنيين الفلسطينيين في كل أرجاء قطاع غزة تمثل كل مجزرة منها نموذجا من نماذج الإجرام اللامحدود في حق مواطنين عزّل لا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيون من أهل غزة. غير أنّ ما حصل في مستشفى الشفاء مثال آخر لا يضاهيه في فظاعته وشناعته ما حصل في كل المجازر الأخرى.

هذا المستشفى حوصر لمدة تقارب الأسبوع وتم قصف كل محيطه برا وبحرا وجوا حتى كادت القوات الصهيونية تسوّي المنطقة بالتراب. وبعد كل الدمار الذي خلّفه ذلك الحصار اقتحمته الدبابات والمزنجرات والمدرعات وكل أنواع الآليات العسكرية وفتكت به وبمكوناته. لقد قصفوا العديد من أقسامه بما في ذلك مستودع الأدوية وعطّبوا تجهيزاته وأطلقوا النار عشوائيا على كل ما يتحرك ومنعوا الحركة داخله وسدّوا المنافذ والممرات على الجميع مرضى وأهالي وطواقم طبية واعتقلوا الشبان ونزعوا عنهم ملابسهم هذا طبعا بعد ان كانوا قطعوا الكهرباء والماء والوقود والانترنت وكل وسائل الاتصال وبعد أن عزلوا المستشفى عن باقي المدينة وكامل محيطه.

لقد عاثوا فيه فسادا بأتم معنى الكلمة.
دمروا غرفة العناية المركزة ومركز تصفية الدم وقطعوا الوقود والاكسجين عن غرفة الإنعاش للرضع. ذلك ما أودى بحياة الكثير من المرضى والمصابين الذين لم يتسنّ لهم تلقّي العلاج مثل الذين يخضعون لحصص تصفية الدم وأمراض الكلى والقلب وكذلك الأطفال الصغار بما في ذلك الأطفال الخدج.
أكثر من ذلك نبشوا القبور، المقبرة الجماعية التي اضطرت إدارة المستشفى إلى دفن العشرات من الشهداء فيها وعلى عين المكان وحملوا الجثث إلى حيث لا يعلم أحد بغاية تحليل الحمض النووي والتثبت منه على الأرجح.

بعد كل هذا وتفاصيل أخرى كثيرة ومروّعة أطرد عساكر الكيان الصهيوني الذين استولوا على المستشفى كل من فيه من طواقم طبية ومرضى وعاملين وأجبروهم على مغادرته والنزوح راجلين إلى الجنوب.

كل من كان بمقدوره المغادرة غادر لأنه أُجبر على ذلك ولم يبق بالمستشفى إلاّ الذين لا يقوون لا على المشي ولا على الحركة أصلا.
أخلي المستشفى من حوالي أربع مائة شخص وبقي فيه ما يزيد عن المائة من العاجزين عن الحركة ولا أحد يعلم ماذا سيكون مصيرهم بين أيدي الوحوش.
وتحوّل المستشفى حيث تمارس أنبل مهنة على الإطلاق، مهنة إنقاذ البشر من الموت، ليصبح محتشدا عسكريا لواحد من أبشع إن لم يكن أبشع عسكر عرفته البشرية، العسكر الصهيوني الذي يمارس أبشع عمل يأتيه البشر وهو القتل والإبادة.

إنها فضيحة ومعرّة في وجه العالم “المتحضّر”.
إنها وصمة عار في وجه هذا العالم الأخرس والجبان كما يقول الشيخ إمام في إحدى أغنياته الرائعة حول ارنستو تشي قيفارا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×