ماهر الزعڨ
1/ لماذا لا تُسلَّط عقوبات نافذة على “إسرائيل” ؟رغم ارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، رغم قيامها بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي، رغم اعتدائها على أيٍّ كان في أيّ مكان، لماذا هذه الحصانة؟ لماذا؟
2/ لماذا تنتهك “إسرائيل” المواثيق والقوانين الدولية؟ لماذا لا تنفّذ القرارات الأممية؟ لماذا تستخفّ بالمنظمات الحقوقية؟ لماذا تتبوّل على الجميع؟ لماذا؟
3/ لماذا تعتبر “إسرائيل” أنّ من لا يصدّقها خصما وعدوّا، في حين أنّ كذبها مفضوح وخداعها سافر وفسادها مكشوف، لماذا؟
4/ لماذا الإعلام مُتصهين بشكل شبه تامّ، يُبيّض جرائم الكيان ويضلّل ويوجّه الرأي العامّ ويدعم الوقاحة والصفاقة والاستعلاء “الإسرائيلي”؟ لماذا؟
لماذا “لإسرائيل” وضع خاصّ؟ لماذا؟
يعمل الصهاينة على ترسيخ وتعميم فكرة أنّ اليهود هم الأكثر ثراء وسعة، الأكثر ذكاء وفطنة، الأكثر شغفا بالعلم وتفانٍ في العمل، أنّ اليهود مُتضامنين مع بعضهم البعض ومتمسّكين بديانتهم وقيمهم، أنّهم الضحايا الوحيدين للحرب العالمية الثانية، أنّهم من يحدّد اختيار نواب الكونغرس ورئيس أمريكا، أنّهم يحكمون أمريكا وأنّ أمريكا تحكم العالم…
لا شيء من هذا! الأثرياء في النظام الرأسمالي لا يتجاوزون 1% ولا دخل للمعتقد الدّيني في ذلك، عدد اليهود من مجمل السكّان، لا يتجاوز 2% في أمريكا و0.7% في فرنسا، تضامهم مُوجّهٌ وتديّنهم فلكلور، أهل العلم متواضعون، كما أنّ رأس المال لا يشعر بالندم وبالذنب إلاّ إذا تكبّد الخسائر. لماذا إذن هذا الوضع الخاصّ؟ ربّما هو اللوبي الصهيوني!
اللوبي الصهيوني هو جماعة ضغط، له تأثير كبير في توجيه السّياسات وتشكيل الرأي العامّ، خاصّة في أمريكا وفرنسا، يتكوّن من أشخاص وجمعيات ومنظمات متفرّعة ومتعدّدة على رأسها “الإيباك”، تتدخّل في توجّهات وسائل الإعلام بأنواعه، وتؤثر في تعيين أصحاب المراكز العليا في الدولة وفي الجامعات وفي مراكز الأبحاث، تقترح التّشريعات وتدعم ترشيح نواب الشعب والرؤساء، لها نفوذ في المؤسسات المالية ومؤسسات الترقيم المالي…
اقتربنا من الجواب؛ لكن علينا التّنسيب، فاللّوبي الصّهيوني هو أحد جماعات الضّغط من ضمن أخرى، مثل اللوبي الصيني والهندي والأرمني ولوبي صناعة النفط أو صناعة السلاح…
لن نتوه أكثر، إذا علمنا أنّ القلب النابض لللّوبي الصّهيوني يتشكّل من أكبر المساهمين في الشركات المتعدّدة الجنسية، أنّ الإمبريالية لا دين لها وأنّ الشركات العابرة للقارّات لا وطن لها، أنّ بلدان المركز الإمبريالي تدعم الدولة “الإسرائيلية” بشكل غير محدود ولا مشروط، دعم عسكري وسياسي وديبلوماسي ومالي وتكنولوجي وإعلامي، أنّ مواقف الأحزاب اليمينيّة متجانسة مع أهداف الحركة الصهيونية، أنّه كلّما تراجع الفكر التقدمي والاشتراكي كلّما زادت العربدة الصهيونية، أنّ اليمين المسيحي المتطرّف يُشكّل أحد روافد الحركة الصهيونية، أنّ موقع فلسطين الاستراتيجي عسكريا وتجاريا ووجودها في منطقة غنيّة بالثّروات وثريّة بالأحداث هو ما أهّلها لتكون مكان قيام دولة “إسرائيل”، أمّا خرافة التّيه اليهودي والأرض الموعودة بين جبل صهيون وأورشليم وأسطورة التفوّق اليهودي وشعب الله المختار ومبالغات الهولوكوست واحتكار دور الضحيّة، فلا تعدو أن تكون خطاب دعائي للسيطرة على عقول وأفئدة البسطاء والمغفّلين.
هكذا نكون قد وصلنا! الصهيونية مشروع إمبريالي، “إسرائيل” هي حجر الزاوية في عمارة الإمبريالية، هي دولة بلا حدود وبلا دستور، هي جهاز عنصري يتميّز بالوقاحة الاستعمارية، كيان مبنيٌّ على العدوانية والاحتلال ومؤطّرٌ بإيديولوجية دينية ظلامية، متخلّفة ومستوحاة من الخرافة والأوهام البالية، مبني على عنصرية تميّز اليهود على كلّ البشر وترسّخ وحدتها بقوة عسكرية رهيبة مُموّلة من الدول الإمبريالية، “إسرائيل” لها مهمّة وظيفية، هي قاعدة متقدّمة لضرب الديمقراطية والحركات التقدمية، هي خنجر في خصر الوطن العربي يُعيق كل احتمالات وحدته القومية وبدل أن تكون فلسطين محلّ تنافس وصراع، أصبح مصيرها موضع توافق وإجماع بين القوى الإمبريالية، لهذه الأسباب تتمتّع “إسرائيل” بوضع خاصّ، لا يهود ولا يهودية ولا عبء الماضي وعقدة الذنب تجاه اليهود، المسألة مسألة نهب وهيمنة وتوسّع، المسألة مسألة موازين قوى مختلّة لصالح رأس المال، لأنّ “رأس المال يولد وهو ينزف دمًا وقذارة من رأسه حتى أخمص قدميه” (ماركس)… هذا كلّ ما في الأمر