منذ بدء العدوان على غزة، لم يدّخر الشيوعيون بالمكسيك جهدا لحشد العمال والكادحين لدعم المقاومة الفلسطينية في وجه الغزاة. فدعوا ونظموا إلى جانب عديد القوى التقدمية الأخرى المظاهرات العظيمة لا في مكسيكو العاصمة فحسب، بل وفي كل كبريات المدن المكسيكية. كما سخّروا وسائل الإعلام التي بحوزتهم لكشف زيف الدعاية الصهيونية وتقديم الحقائق المربكة التي لم يعد ينكرها أحد.
وفي هذا الإطار خصّص الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني بالمكسيك حيّزا مهمّا من العدد الأخير من لسانه المركزي “الطليعة البروليتارية” (العدد 666، من 15 إلى 30 نوفمبر 2023) إضافة الى استعراض تطوّر الوضع على أرض فلسطين، إلى كشف خفايا رفض الرئيس المكسيكي وحكومته الاستجابة للطلب الجماهيري المنادي بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
فيذكر أحد المقالات أنه منذ عام 2000، أبرمت المكسيك اتفاقية تجارة حرة مع “إسرائيل”، تضمّنت في العام ذاته تبادلا تجاريا بقيمة 778 مليون دولار، مع عجز في رصيد المكسيك قدره 422 مليون دولار. وتتمثل هذه المبادلات في تصدير المكسيك إلى “إسرائيل” : سيارات سياحية ومركبات تجارية وهواتف محمولة وتستورد الأدوية والمعدات الطبية والبرمجيات وأجهزة التحكم وما إلى ذلك. وكجزء من هذه الاتفاقية، قامت شركة SEDENA بشراء 23000 قطعة سلاح من الحكومة الإسرائيلية في عام 2020، ويذكر الموقع الرسمي لحكومة المكسيك في باب “المتفرقات” : 238 ألف قطعة سلاح اشترتها من عام 2006 إلى عام 2018 من “إسرائيل”، ثم دفعة جديدة في عام 2022 قيمتها 2.29 مليون دولار نظرا لعسكرة البلاد، وقد أصبح اليوم بعض هذه الأسلحة بين أيدي أباطرة الجريمة المنظمة. وهو ما جعل “إسرائيل” تحتل المرتبة الحادية عشرة بين أكبر مصدري الأسلحة في العالم. وهذه الحقائق تجعل، حسب كاتب المقال، حكومة المكسيك شريكا في عمليات الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
أمّا السبب الآخر في عدم قطع العلاقات مع “إسرائيل”، على الرغم من أنّ قواتها المسلحة قتلت أكثر من 10 آلاف مدني فلسطيني حتى 10 نوفمبر 2023، هو عدم الإضرار بمصالح سيمكس (CEMEX)، هذه الشركة تمتلك عدة مصانع إنتاج في فلسطين المحتلة وفي المستوطنات غير الشرعية بالذات (Mevo Horon, Atarot et Mishor Edomin) والتي شاركت في بناء الجدار.
وأشار المقال إلى أنّ البناءات الإسرائيلية في غزة كما في الضفة يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى استخدام القوة للاستيلاء على الأراضي، كما هو الحال في بناء البؤر الاستيطانية وبناء الترام الذي يربط القدس بالمستوطنات غير القانونية التي تحتل الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني. فهذه الشركة المكسيكية المتعددة الجنسيات (CEMEX) هي ثالث أكبر منتج للأسمنت في العالم. ولهذه الأسباب، فإنّ خطاب لوبيز أوبرادور “الإنساني” لم تعد له قيمة وهو الذي يسعى إلى تمكين الكيان الصهيوني من أرباح جمّة (ملايين الدولارات)، على حساب الاقتصاد المكسيكي ذاته (العجز التجاري).
وتعرّض مقال ثان إلى مصادر تسليح الكيان الصهيوني التي تساهم فيه العديد من البلدان الامبريالية وحتى توابعها، حيث ذكر أنّ الكيان المحتل يتلقى كل عام 3.8 مليار دولار تمويلاً عسكريا من الولايات المتحدة. وكأنّ ذلك لم يكن كافيا، فقد طلب بايدن 100 مليار دولار إضافية بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 كمساعدات عسكرية لأكرانيا و”إسرائيل” والحدود مع المكسيك ووافق الجمهوريون على ذلك على أن تذهب هذه المساعدات إلى “إسرائيل” فقط.
بالإضافة إلى ذلك، أرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات إلى البحر الأبيض المتوسط، لتوفر لإسرائيل الذخيرة والدعم اللوجستي والاستخباراتي والاستطلاعي، مما يجعلها مرتكبة لجرائم الإبادة الجماعية على قدم المساواة مع القوات المسلحة والحكومة الإسرائيلية. وبحسب مرصد المراقبة الاقتصادية الأمريكي فإنّ الولايات المتحدة باعت في عام 2021 للحكومة الإسرائيلية أسلحة بقيمة 288 مليون دولار، والهند 34.2 مليون دولار، وإيطاليا 6.3 مليون دولار، وجمهورية التشيك 5.62 مليون دولار، وكوريا الجنوبية 5.33 مليون دولار. وهكذا، شهدت أكبر شركات الأسلحة العسكرية في العالم (Northrop Grumman, Rheinmetall, Lockheed Martin) ارتفاع أسهمها في سوق الأسهم.
ووفقًا لبيانات وزارة الدفاع والخارجية، بلغت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل في الفترة من 1951 إلى 2022، 225.2 مليار دولار. وبرّرألكسندر م. هيج، الذي شغل منصب وزير الخارجية لدى رونالد ريغان ذلك بالقول : “إنّ “إسرائيل” هي أكبر حاملة طائرات أميركية، وهي غير قابلة للإغراق، ولا تحمل أيّ قوات أميركية، وتقع في منطقة حساسة للأمن القومي”.
وعلى أساس هذه المعطيات وغيرها كثير، أصبح النداء من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني نداء لا يرفعه الشيوعيون وحدهم بل آلاف الأحرار في مكسيك، وقد ضمّنوه في رسالة موجهة إلى سلطات بلادهم رئيسا وحكومة من بين ما جاء فيها :
“… فعلى المكسيك أن يشرّف الصيت الذي يحظى به في القضايا الدولية وأن يقف في اتجاه التاريخ ويلتحق بالبلدان الشقيقة في أمريكا اللاتينية مثل بوليفيا وكولمبيا وشيلي والبرازيل المنددة بالعدوان الصهيوني على غزة. فإذا لم تكن الوفيات التي تجاوزت 10 آلاف حالة كافية، فكم يتعين علينا أن ننتظر حتى تتخذ بلادنا مكانها في الموقع الصحيح؟
إنّ الأحرار الذين وقعوا معنا على هذه الرسالة هم على يقين من أنهم يعكسون مشاعر مئات الآلاف من الرجال والنساء المكسيكيين. ونحن ندعو اليوم الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور ووزارة الخارجية إلى قطع جميع العلاقات الدبلوماسية والتجارية على الفور مع دولة إسرائيل إلى أن تتوقف الحرائق، والهجمات على المدنيين، ويقع السماح للاجئين بالعودة إلى أراضيهم، ويتم إزالة المناطق المدمّرة وإعادة بنائها، وقيام فلسطين كدولة حرّة ذات سيادة، كما تمّ التأكيد عليه في العديد من القرارات التاريخية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أوقفوا إطلاق النار فورا، أوقفوا الإبادة الجماعية!
من أجل الحق في الوجود لفلسطين حرة!”
مرتضى العبيدي