رفيقة الرقيق
يتمّ كل سنة إحياء الـ16 يوما ضدّ العنف المسلط على النساء من 25 نوفمبر، تاريخ الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر 1993، إلى 10 ديسمبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، فتوضع اتفاقيات ومعاهدات وإعلانات الأمم المتحدة وهيئاتها على طاولات النقاش والبرمجة والنشاط داخل الجمعيات ذات الصلة بحقوق النساء.
إنّ وضع النساء سيّء بصفة عامة. فهنّ يعانين في الظروف العادية من الدونية والتمييز والاضطهاد المزدوج، وفي ظروف الحرب والنزاعات والصراعات تتعرّض النساء إلى جانب كل ذلك إلى كل أشكال الانتقام والقتل والتشريد والاختطاف.
يعي المجتمع الدولي هذا الواقع في كل حالاته وبكل تعقيداته، فوضع ترسانة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والصكوك بغاية تخفيف الأضرار التي تلحق بهنّ.
وقد ثبت من خلال الواقع المعاش في مختلف البلدان والأوضاع، في زمن السلم كما في زمن الحرب، أنّ هذه الترسانة لم تُجْدِ نفعا. ولعلّ ما حدث ويحدث في غزة في المدة الأخيرة خير دليل على ذلك.
وقد اخترت أن أتناول وثيقتين في علاقة بالمرأة في مناطق النزاع المسلح، وهما:
الوثيقة الأولى هو “إعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة”، وقد اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3318 المؤرخ في 14 كانون الأول / ديسمبر 1974 وينصّ على:
1- يحظر الاعتداء على المدنيين وقصفهم بالقنابل الأمر الذي يلحق بهم آلاما لا تحصى، وخاصة بالنساء والأطفال الذين هم أقل أفراد المجتمع مناعة، وتدان هذه الأعمال.
2- يشكل استعمال الأسلحة الكيمياوية والبكتريولوجية أثناء العمليات العسكرية واحدا من أفدح الانتهاكات لبروتوكول جنيف لعام 1925 واتفاقيات جنيف لعام 1949 ومبادئ القانون الدولي الإنساني، وينزل خسائر جسيمة بالسكان المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال العزل من وسائل الدفاع عن النفس، ويكون محل إدانة شديدة.
3- يتعين على جميع الدول الوفاء الكامل بالالتزامات المترتبة عليها طبقا لبروتوكول جينيف لعام 1925 واتفاقيات جينيف لعام 1949، وكذلك صكوك القانون الدولي الأخرى المتصلة بحقوق الإنسان أثناء المنازعات المسلحة التي تتيح ضمانات مهمة لحماية النساء والأطفال.
4- يتعيّن على جميع الدول المشتركة في منازعات مسلحة، أو في عمليات عسكرية في أقاليم أجنبية أو في أقاليم ماتزال تحت السيطرة الاستعمارية، أن تبذل كل ما في وسعها لتجنيب النساء والأطفال ويلات الحرب، ويتعيّن اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حظر اتخاذ تدابير كالاضطهاد والتعذيب والتأديب والمعاملة المهينة والعنف، وخاصة ما كان منها موجها ضد ذلك الجزء من السكان المدنيين من النساء والأطفال.
5- تعتبر أعمالا إجرامية جميع أشكال القمع والمعاملة القاسية واللاإنسانية للنساء والأطفال، بما في ذلك الحبس والتعذيب والإعدام رميا بالرصاص والاعتقال بالجملة والعقاب الجماعي وتدمير المساكن والطرد قسرا، التي يرتكبها المتحاربون أثناء العمليات العسكرية أو في الأقاليم المحتلة.
6- لا يجوز حرمان النساء والأطفال من بين السكان المدنيين الذين يجدون أنفسهم في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة أثناء الكفاح في سبيل السلم وتقرير المصير والتحرر القومي والاستقلال أو الذين يعيشون في أقاليم محتلة، من المأوى أو الغذاء أو المعونة الطبية أو غير ذلك من الحقوق الثابتة، وفقا لأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان حقوق الطفل، وغير ذلك من صكوك القانون الدولي.
والوثيقة الثانية هو “قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1325 (1325 UNSCR)” بتاريخ 31 أكتوبر 2000 تحت موضوع “النساء والسلام والأمن”. وقد اتخذ بالإجماع ويعتبره الأمين العام للأمم المتحدة “التزام سياسي غير قابل للتفاوض” ويهدف القرار إلى ربط تجربة النساء في النزاعات المسلحة بمسألة الحفاظ على السلام والأمن الدوليين حيث دعا إلى :
1- زيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات صنع القرار وفي عمليات حل الصراعات والمشاركة في قوات حفظ السلام وفي المفاوضات.
2- القدرة الاستيعابية لقضايا الجندر لدى العاملين في عمليات حفظ السلام والتدريب عليها.
3- تناول قضايا الجندر في أوقات السلام وتسريح الجيش وإعادة الإدماج.
4- احترام حقوق السكان المدنيين واللاجئين والمتشردين داخليا.
5- حماية المرأة من العنف الجسدي والتمييز.
6- تجنب العفو عن الجرائم التي وقعت في الحرب ضد المرأة.
هذه أهم قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها والتي يتحكم في الموافقة عليها ونشرها أصوات الأعضاء الدائمين (الصين، فرنسا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الامريكية، روسيا) بعدم استعمال حق الفيتو.
فقد صار أحرار العالم يخجلون من ذكر هذه المعاهدات أمام هول الواقع الفلسطيني، كيف نثق في مواثيقهم وهم إمّا من مٌشنّي الحروب أو داعميها أو ساكتين أمام أفظع الجرائم في حق المدنيين. فهم أنفسهم مجرمو حرب دمّروا العالم من أجل السيطرة على خيرات الشعوب بالنهب وقوة السلاح.
فما يجري في فلسطين وقطاع غزة حاليا هي جريمة دولية تحت أنظار العالم وإفلاس أخلاقي وسياسي وإنساني، هي إبادة جماعية لأصحاب الأرض (13300 شهيد، 75 في المائة منهم نساء وأطفال حسب إحصائيات 20 نوفمبر الجاري، 3550 إمرأة و5600 طفل).
فقد طغى صوت الأطفال والثكالى والجرحى ودماء الشهداء على صدى اتفاقياتهم وخطبهم وعلى خساسة الحكام العرب إخوة العرق والمصير.
فالمرأة الفلسطينية مثلها مثل باقي الشعب تعاني بشاعة الاحتلال الصهيوني المجرم الغاصب لأرضها منذ 75 سنة. فهي مهددة في سلامتها الجسدية وفي حقها في الحياة، فهي مشردة ولاجئة في أرضها تودّع أحبابها وتحمل جثامينهم، فالواقع المرّ قدّ منها عنقاء العصر وعنوان الصمود والعطاء فأسقطت كل المعاهدات والقوانين الدولية تحت أقدامها.