جيلاني الهمامي
ملخص معطيات الميزانية وتوجهاتها
تبلغ الميزانية 77868 مليون دينار أي بنسبة زيادة 9.3% مقارنة بميزانية سنة 2023 محيّنة. وتعتبر هذه الزيادة مهمة ومن المفروض أنها تجسّم ميزانية توسعية. ولكنها وكما سنرى لاحقا أنها بالعكس ميزانية تقشفية وما هذه النسبة المهمة في زيادة حجم الميزانية إلا مظهرا من مظاهر التناقضات التي تميّز توجهات نظام الحكم.
أ. في باب النفقات
تم تخصيص من جملة الـ77 مليار دينار (77.868) مبلغ 5 مليارات (5.274م.د.) للاستثمار لكن مليار فاصل سبعة (1775م.د.) استثمارات مموّلة عن طريق قروض خارجية. وتمّ تخصيص 5 مليار دينار “لتدخلات ذات صبغة تنموية” وهي تسمية جديدة لأنها في الأساس لا تتعلق باستثمارات بالمعنى الحقيقي للكلمة. وتبقى النسبة المخصصة للتنمية من المجموع العام للميزانية نسبة ضعيفة تؤكد مرة أخرى انحباس عملية التنمية وخلق الثروة (نسبة 6.7 %).
هكذا إذن، حوالي 95% من الميزانية مخصصة لميزانية التصرف. وهذه أهم أبوابها:
نفقات التأجير: 23711 مليون دينار وتمثل 30.45% من مجموع النفقات
نفقات التسيير: 2539م.د. وتمثل 3.2% من مجموع النفقات.
نفقات الدعم: 11337 م.د. وتمثل 14.55% من مجموع النفقات.
نفقات الاستثمار: 5274م.د. وتمثل 6.7% من مجموع النفقات.
خدمات الدين العمومي: 24701م.د. وتمثل 31.7% من مجموع النفقات وتتضمن تسديد أصل الدين والفوائد الموظفة عليها.
وللقارئ أن يقارن النسبة المخصصة للاستثمار، أي للتنمية، وهي 6.7% بالنسبة المخصصة لخدمات الدين وهي خمسة أضعاف (31.7%). فكيف لميزانية بمثل هذه الهيكلة أن تكون في خدمة التنمية والتقدم الاقتصادي؟؟
ب. في باب المداخيل
لتغطية هذه النفقات رصدت الميزانية جملة الموارد وهي صنفان، موارد الميزانية ومجموعها 49160م.د. وهي مداخيل جبائية بمبلغ 44050م.د. وأخرى غير جبائية بمبلغ 4760م.د.
وبطبيعة الحال تنقسم المداخيل الجبائية إلى مباشرة على الدخل بالنسبة للأفراد والشركات، وغير مباشرة كأداء على القيمة المضافة والمعلوم على الاستهلاك والمعاليم الديوانية.
ويتضح من تفاصيل المداخيل الجبائية المباشرة أنّ الأجراء هم من يسدّد كالعادة الأساسي من هذا الصنف من الجباية. إذ يبلغ حجم ما يسدّدونه 12383م.د. بينما الشركات، بما في ذلك الشركات البترولية، لا تزيد مساهمتها عن 5774م.د.
وهم أيضا، أي الأجراء، الذين يسدّدون الأساسي من مجموع المداخيل الجبائية غير المباشرة عند الاستهلاك باعتبارهم الأغلبية العددية من المستهلكين.
أمّا بالنسبة إلى الموارد غير الجبائية، ويبلغ حجمها الإجمالي 4760م.د.، فهي مداخيل أنشطة اقتصادية وعائدات مساهمة الدولة في رأس مال بعض الشركات والمؤسسات التي تذهب عائداتها إلى الدولة مباشرة وهي الأبواب التالية :
عائدات النفط (673م.د.) ومداخيل عبور الأنبوب الجزائري على التراب التونسي (1369م.د.) وعائدات المساهمات (1260م.د.) ومداخيل أخرى متفرقة.
أمّا بالنسبة إلى مداخيل الخزينة، ومقصود بها أساسا القروض الخارجية والداخلية، فيبلغ حجمها ولأول مرة 28188م.د. قروض إلى جانب مداخيل بيع بعض الأملاك المصادرة بمبلغ 520م.د. وتنقسم موارد القروض إلى اقتراض خارجي بحجم 16544م.د. واقتراض داخلي بحجم 11743م.د. وهو كما قلنا سابقة في تاريخ تونس لم يسبق أن سجلتها الميزانية. هذا فيما يضع قيس سعيد اختياراته الاقتصادية والمالية تحت عنوان “التعويل على الذات” في الخطاب فيما يسجل الرقم القياسي في التداين خارجيا وداخليا.
ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أنّ المبلغ المتوقع الحصول عليه كقروض أجنبية والبالغ حجمه 16544م.د. ليس بيد الحكومة أيّ ضمانات لتحقيقه ذلك أنها كما جاء في نص التقرير الاقتصادي أنّ 10378م.د. غير معلومة المصدر وسيتوجب على الحكومة السعي إلى إيجاد مانحين مستعدين لدفعها. ما يعني في ظل الحصار المالي المضروب على تونس نتيجة عدم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيكون من الصعب جدا أن تحصل تونس على قروض بهذا الحجم.
وسنعود في العدد القادم إلى تحليل هذه الميزة التي تميّز ميزانية 2024 إلى جانب خصائص أخرى.
(يتبع)