مرتضى العبيدي
تم إقرار هذا اليوم كيوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 ديسمبر 1977 وشُرع في “الاحتفال” به في السنة الموالية. وهو احتفال رسميّ في ذكرى صدور قرار الجمعية العامة رقم 181 (د-2)، في 29 نوفمبر 1947، الذي ينصّ على تقسيم فلسطين. والمعلوم أن إقرار هذا اليوم جاء في سياقات متعدّدة لعلّ أهمّها تبعات حرب أكتوبر 1973، وانتفاضة يوم الأرض المجيدة (30 مارس 1976)، وآخرها زيارة السادات إلى القدس وبداية التطبيع مع العدوّ الصهيوني (1 نوفمبر 1977). وهي معطيات ساهمت في حلحلة القضية الفلسطينية وأعادت طرحها مجدّدا على جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة التي ظلت طوال ثلاثين سنة عاجزة على تفعيل أيّ من القرارات التي اتّخذتها منذ قرار التّقسيم الجائر (30 نوفمبر1947). لذلك تمّ الاختيار على هذا التاريخ بالذّات لتجعل منه الأمم المتحدة يوما عالميا للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
شيءٌ من التاريخ
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة وريثة عُصبة الأمم قد تبنّت في جلستها العامة رقم 128، والمنعقدة في 29 نوفمبر 1947 قرارا يقضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي :
- دولة عربية : تبلغ مساحتها حوالي (11,000 كـم2) ما يمثل 42.3% من فلسطين وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
- دولة يهودية : تبلغ مساحتها حوالي (15,000 كـم2) ما يمثل 57.7% من فلسطين وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حالياً.
- القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.
وكانت نتيجة التصويت كالآتي :
مع القرار : أستراليا، بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، بيالوروسيا (روسيا البيضاء)، كندا، كوستاريكا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمارك، جمهورية الدومينيكان، إكوادور، فرنسا، غواتيمالا، هاييتي، إيسلندا، ليبيريا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراغوا، النرويج، بنما، باراغواي، بيرو، الفلبين، بولندا، السويد، أوكرانيا، جنوب أفريقيا، الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة الأميركية، أوروغواي، فنزويلا.
ضد القرار : أفغانستان، كوبا، مصر، اليونان، الهند، إيران، العراق، لبنان، باكستان، المملكة العربية السعودية، سوريا، تركيا، اليمن.
امتناع : الأرجنتين، الشيلي، الصين (المقصود بها تايوان التي كانت تحتل مقعد الصين في الأمم المتحدة حتى سنة 1971)، كولومبيا، السلفادور، الحبشة، هندوراس، المكسيك، المملكة المتحدة، يوغسلافيا.
غياب : تايلاندا
وكما هو ملاحظ، فإن الدول العربية عارضت هذا القرار، سواء من داخل هيئة الأمم بالنسبة للدول الأعضاء آنذاك (مصر، العراق، لبنان، السعودية واليمن) أو بالنسبة لغيرها التي كانت ترزح في ذلك الوقت تحت نير الاستعمار.
وشكّل هذا القرار اعتداء صارخا على حقوق الشعب الفلسطيني لأنه سلبهم قسما كبيرا من أراضيهم وانتزعها من أصحابها الأصليين ومنحها لغرباء صهاينة جاءوا من شتى بقاع العالم.
ولم تتوقف أطماع إسرائيل عند الحدود التي حددها قرار التقسيم، بل امتدت إلى البقية الباقية من أرض فلسطين، فمع اندلاع الحرب عام 1948 بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، توسّعت الدولة اليهودية واستولت على77 في المئة من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من القدس. وفي حرب عام 1967، احتلّت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، التي ضمتها إليها لاحقا، كما احتلت سيناء المصرية وهضبة الجولان السّورية، وقد أسفرت هذه الحرب عن هجرة ثانية للفلسطينيّين شملت أكثر من نصف مليون فلسطيني.
لذلك تضمّن الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرّته منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1968، في مادته 19 ما يلي :
“تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقّه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدّمتها حقّ تقرير المصير”.
وفي المادة 21 : “الشعب العربي الفلسطيني، معبّراً عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلّحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، ويرفض كلّ المشاريع الرّامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو تدويلها”.
لكن التطورات العديدة التي عرفتها القضية الفلسطينية أدّت إلى تنازل بعض قياداتها عن هذه الثوابت والقبول بقرار التقسيم والدخول في سلسلة من المفاوضات احتضنتها مدريد وجنيف وأوسلو وواشنطن وكامب ديفيد وغيرها الكثير، وأظهرت حقيقة واحدة هي أنّ كلّ ما تريده وتخطّط له إسرائيل هو المفاوضات من أجل المفاوضات، وكسب الوقت لتهويد المزيد من الأراضي الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، وزرعها بالمستوطنات، وفرض أمر واقع فيها يقطع الطريق على ما يعرف بحلّ الدّولتين، ويجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
29 نوفمبر 2023 : تغيّر السياقات
فإذا كان إحياء هذه الذكرى في السابق يتوزّع بين الطابع الرسمي البروتوكولي الذي تسهر عليه منظمة الأمم المتحدة من باب تبرئة الذمة ورفع الحرج والطابع الشعبي الاحتجاجي الذي يتخذ أشكالا متنوعة (أنشطة تضامنية، دعائية، ثقافية…)، فإنه يأخذ هذه السنة أبعادا مختلفة إذ هو يحلّ في خضم الطوفان، طوفان الأقصى وما عناه ويعنيه ليس للشعب الفلسطيني فحسب بل لشعوب العالم المُحبّة للسلام التي هبّت لنصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة بعدما تيقّنت من زيف سردية المظلومية الصهيونية، وتبيّن لها الدور الحقيقي لهذا الكيان المغروس قسرا في قلب الوطن العربي من أجل إجهاض سيرورة تحرّره الوطني وتركه فريسه للنهب ولاستغلال الثروات التي يزخر بها.
لذلك، فإن هذه الشعوب لا تنتظر في هذا اليوم شيئا ما قد يأتي من مقرّات الأمم المتحدة في واشنطن أو جينيف أو فيينّا، بل ستكون كل الأعناق مشرئبّة إلى عواصم الدنيا حيث تنتظم التظاهرات التضامنية الحقّة والتي تسعى جميعها إلى تطوير أشكال الدعم وعدم الاقتصار على الدعم المعنوي على أهميته، أو على تطوير مقاطعة البضائع التي تنتجها الشركات المساندة للكيان الصهيوني والمموّلة لأنشطته العدوانيّة على الشعب الفلسطيني. بل إنها بصدد تطوير أشكال ومطالب أخرى للتضامن مثل مطالبة حكوماتها بقطع علاقاتها مع الكيان المحتلّ وسحب سفرائها لديه، ومقاطعة شحن الأسلحة للكيان الصّهيوني في عديد الموانئ العالمية، بل واحتلال مصانع الأسلحة من قبل العمّال كما حصل في المكسيك، وخاصة المطالبات المتعدّدة بإحالة قادة الكيان الصهيوني أمام محكمة الجنايات الدولية والمحاكم المختصّة من أجل محاكمتها على ما اقترفت أيديها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.