جيلاني الهمامي
نشرت وكالة التصنيف الائتماني فيتش رايتينغ تقرير تصنيف سيادي جديد لتونس. وقد حافظت فيه على الترقيم السابق في 9 جوان الماضي. وبررت الوكالة ترقيمها هذا كما جاء في تقريرها ” مخاطر التمويل المكثفة: يعكس خفض تصنيف تونس للتخلف عن السداد (IDRs) عدم اليقين بشأن قدرتها على تعبئة التمويل الكافي لتلبية متطلبات التمويل الكبيرة. وهذا بدوره يعكس الفشل في تنفيذ الإجراءات السابقة لبرنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، والذي سيكون ضروريا للإفراج عن التمويل الثنائي الممدد الذي دعمته خطة التمويل التونسية”.
(أنظر مقدمة التقرير على الرابط التالي: Tunisia fitchratings.com)).
وللتذكير فإنّ وكالات التصنيف التي تداولت على ترقيم الاقتصاد التونسي وبعض المؤسسات (البنوك خاصة) (الوكالات الامريكية فيتش رايتينغ وموديز Moody’s وستندار اند بورس tandard & Poor’s واليابانيةRating Investment and Information Inc (R&I) ) ما انفكت تحطّ من ترقيم تونس بشكل متواتر إذ نزل من ب سلبي (B – ) في 8 جويلية 2021 إلى CCC+ في غرة ديسمبر 2022 إلى – CCC في 9 جوان 2023 وهو نفس الترقيم الذي حافظت عليه يوم أول أمس 8 ديسمبر الجاري.
وتعتبر الوكالة أنّ “هذا الوضع ناتج عن استمرار العجز المالي الكبير وزيادة آجال استحقاق الديون المحلية والخارجية”. وبأكثر تدقيق فهي توعز هذا الانخفاض، بشكل أساسي، إلى اشتداد مخاطر التمويل الناتجة عن عدم اليقين بشأن قدرة تونس على تعبئة موارد كافية لتلبية الاحتياجات التمويلية الكبيرة للدولة، في سياق تعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ممدد حصل بشأنه اتفاق في مستوى الخبراء ولكنه لم يقع الإفراج عنه لتباين في وجهات النظر.
وتعتبر الوكالة أنّ إمكانية حصول تونس فيما تبقّى من سنة 2023 قد باتت منعدمة وتستنتج بناء على ذلك في هذا التقرير “نتوقع أن تكون احتياجات التمويل الحكومي مرتفعة عند حوالي 16% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 (حوالي 7.7 مليار دولار أمريكي) و14% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 (7.4 مليار دولار أمريكي)، وهو أعلى بكثير من متوسط 2015-2019 البالغ 9%”.
وتفسر استنتاجها كما جاء في التقرير “يرجع إلى العجز المالي الواسع وآجال استحقاق الديون الكبيرة، محليا وخارجيا، بما في ذلك سداد سندات اليورو (500 مليون يورو في عام 2023 و850 مليون يورو في عام 2024)”.
واعتبرت الوكالة أنّ تحسّن الترقيم السيادي لتونس سيظل مرهونا إلى حدّ كبير بتحسّن فرص الحصول على التمويل الخارجي وتوفير الشروط للتوصل إلى حلّ مع صندوق النقد الدولي ومن هذه الشروط على وجه الخصوص “الالتزام بتنفيذ الإصلاحات التي تعزز خفض العجز المالي”.
وتوقعت الوكالة أنّ تونس لن تكون قادرة على تعبئة أكثر من 2.5 مليار دولار في عام 2024 وألمحت إلى إمكانية الحصول على دعم محتمل من المملكة العربية السعودية. ولذلك اعتبرت أنّ مستقبل الاقتصاد التونسي يعاني من غموض شديد.
في المقابل من ذلك حذرت من مراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي، لأنّ هذا الإجراء سيعرّض البنك للخطر وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وأسعار الصرف.
ينبغي التنبيه هنا إلى أنّ هذه التصنيفات التي تقوم بها وكالات الترقيم الائتماني المعروفة تلعب دورا كبيرا في التأثير في قرارات المؤسسات المانحة لا فقط في السوق المالية العالمية وإنما أيضا المؤسسات المالية الدولية الكبرى وأعني بذلك البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. فمؤسسات الترقيم هذه بمثابة الخبير المستشار لدى مؤسسات التسليف العالمية إذ تقدم لها المعطيات الدقيقة حول قدرة البلد المعني على الإيفاء بالتزاماته وقدرته على السداد.
بعبارة أخرى يكون من باب البلاهة أو من باب المزايدة الكاذبة الاستهتار بما تنشره من تقارير وترقيمات، إلاّ إن كان البلد المعني (في هذه الحالة تونس) قد صمم فعلا على عدم اللجوء إلى الاقتراض والتعويل فعلا على إمكانياته الخاصة. وهو ما لا ينطبق على الحالة التونسية التي تعوّل في ميزانية 2024 على الحصول على حوالي 16 مليار دينار من الخارج.