سجن ثلاثة صحافيّين بسبب أعمال صحفيّة سابقة في تاريخ تونس منذ استقلالها، وما يحدث اليوم خطير ومُقلق !
عقدت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيّين اجتماعا عامّا بمنظوريها يوم الأربعاء 3 جانفي 2024 بمقرّها للتّباحث حول أهم الخطوات النضالية القادمة التي ستتّخذها النقابة من أجل إطلاق سراح الصحافيّين زياد الهاني وخليفة القاسمي والصّحفية شذى الحاج مبارك، إضافة للدفاع عن الحقوق والحريات.
وحول ما يعيشه القطاع والصحافيّون اليوم، التقت “صوت الشعب” زياد دبّار نقيب الصحفيين التونسيين وأجرت معه الحوار التالي:
مع بداية 2024، يتواصل مسلسل إيقاف وسجن الصحافيين، ماهو تعليقكم؟
نحن نعيش اليوم في سابقة لم تحدث في تاريخ الجمهورية التونسيّة منذ استقلالها. فاليوم وفي سياق إحياء ذكرى الثّورة يقبع في السّجون 3 صحافيّين. وبالنظر في القضايا الثلاثة المُحال فيها زملائنا نستخلص أنّ الحديث عن حرّية التعبير قد أصبح عبثا ومن العدم، باعتبار أنّ صحافيين إثنين قد تمّت إحالتهما بسبب قضايا إرهابية (خليفة القاسمي وشذى الحاج مبارك) وقضية بموجب مجلّة الاتصالات (زياد الهاني).
أيضا نعيش اليوم في ظلّ تطبيق لقوانين النظام الأسبق (بن علي) من طرف القضاء من جهة وفي ظلّ خطاب رسمي للدّولة ممثّلا في رئيس الجمهورية الذي يتحدّث من خلاله عن الثورة والحريّات من جهة أخرى حتّى أصبح خطاب الدّولة اليوم في اتّجاه وممارستها في اتّجاه ٱخر. وأصبح من المقلق اليوم، خاصّة في قضية الزميل زياد الهاني، المتعلقة بنقده لوزيرة التجارة في برنامج إذاعي وسرعة الإجراءات والتخبّط في التكييف والتي تحيل إلى وجود تعليمات واضحة بإيقافه.
بالعودة إلى إيقاف الصحفي زياد الهاني، كيف تعلّقون على الإجراءات التي انتهت بإيقافه؟
شكلا، أصبحت لدينا قناعة بأنّ التّعامل مع العدالة التونسية قد أصبح كمزرعة خاصة، بالأساس يتمّ التسريع بالإجراءات كلّما تعلّقت بالقضايا المرفوعة من جانب مسؤول أو وزير، وفي المقابل وكلّما تعلّق الأمر بقضايا مرفوعة من جانب مواطن أو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تظلّ الشكاية في رفوف الانتظار ولا نجد تفاعلا إيجابيّا بشأنها من جانب العدالة. وبخصوص ملفّ زميلنا زياد الهاني في ظرف 48 ساعة الأولى والتمديد بنفس المدة قد حصلت لخبطة في تكييف التّهمة، ثم الاحتفاظ به إلى غاية يوم 10 جانفي الجاري، والحال أنّ الصحافي لا يمثّل خطرا على الدولة حتى يتطلّب الأمر الاحتفاظ به. وهنا أنوّه أن هناك نيّة للتشفّي من زميلنا باعتبار أنّ مجمل القضايا التي حدثت في نفس فترة إيقافه قد تمّ تعيين جلسة لها مباشرة بعد عطلة السنة الإدارية.
ونحن نحمّل المسؤولية للمنظومة الحاكمة التي نسفت المراسيم المنظّمة للقطاع (المرسومين 115 و116) مقابل سرعتها في الإحالة وفقا لقوانين أخرى (المرسوم 54 ومجلة الاتصالات…)، وهو ما يحيلنا بأنّ أجهزة الدولة اليوم لها إرادة لِوأد المراسيم المنظّمة للمهنة مقابل تطبيق قوانين زجريّة لا تليق بالديمقراطية وبتونس اليوم.
بخصوص المرسوم 54، ماهي الإجراءات التي ستعتمدها النقابة من أجل إسقاطه؟
ظاهريّاً كانت الغاية من هذا المرسوم عند إصداره هي مكافحة الجرائم الإلكترونية. إلاّ أنّ الواقع أثبت أنّه لم يطبّق إلاّ في قضايا الرأي. إنّ هذا المرسوم وفي فصليه 24 و25 ينسف ما تحقّق من حرّية منذ الثورة. فمنذ صدوره أجمعت كلّ القوى السّياسية والمدنية والمنظّمات على خطورته. ولهذا أقرّت النقابة منذ مؤتمرها الأخير (توصيات المؤتمر) التوجّه إلى البرلمان من أجل الضغط على تنقيحه أو إسقاطه. فنحن نعتبره مرسوما لا يليق بالجمهورية التونسية وتاريخها وثورتها التي نحيي اليوم الذكرى 13 من اندلاعها والتي رفعت شعار “شغل حرية كرامة وطنية”.
وما نعيشه اليوم هو ضرب لهذه الحرية من خلال الزجّ في السّجن بثلاثة من الصحافيين بسبب أعمال صحفية، ونعتبر ما يحدث اليوم خطير ومقلق جدّا في ظلّ صمت أجهزة الدولة على جميع الأصعدة خاصة على مستوى مسقبل الحريات.
بالعودة إلى واقع القطاع ووضع الحريات اليوم بعد 13 عاما من اندلاع الثورة. كيف تقيّم النقابة ذلك؟ وما هو المطلوب اليوم؟
إنّ الوضع اليوم أصبح مقلقا ومخيف جدّا. وذلك لسببين إثنين. أوّلا على مستوى التّشريعات، هناك نزعة من الدّولة ومن السّلطة الحاليّة نحو إصدار قوانين زجريّة وردعيّة، على غرار المرسوم 54 الذي لا يطبّق إلاّ ضدّ المعارضين باستثناء حالة وحيدة. أيضا هناك المجلّة الجزائية ومجلّة الاتصالات التي يُحال وفقها الصحافيّون مقابل عدم الإحالة وفقا للمرسوم المنظّم للقطاع.
ثانيا، وعلى مستوى الممارسة، نجد اليوم صعوبة كبيرة في النّفاذ إلى المعلومة، ومناخ عام مبنيّ على تخويف الصحافيين والسّجن والملاحقة القضائية والتّرهيب داخل المؤسّسات الإعلامية وهو ما عاينته النّقابة سواء عبر الاتّصالات المباشرة بمنظوريها أو عن طريق وحدة رصد الانتهاكات بمركز السلامة المهنية.
وفقا لكلّ هذا، نحن اليوم نتساءل عن الرّسالة التي تودّ السلطة الحالية وأجهزة الدولة إيصالها.
هل وجدت النقابة تفاعلا من جانب السلطة اليوم ؟
في ظرف ثلاثة أشهر. تقدّمت النقابة بمبادرات تخصّ بعض الملفّات. ونحن اليوم نريد حوارا جديّا مع السّلطة حول الحريات وإصلاح واقع الإعلام ومستقبله. فنحن نعتبر أنّ مستقبل وسائل الإعلام والقطاع محدّدا لمستقبل الوطن. لكن ما نلاحظه اليوم أنّ المشاكل تتراكم إضافة إلى الموت السّريري للهيئة التعديلية (الهايكا) ومجلس صحافة يحاول جاهدا تأكيد وجوده.
نحن اليوم في النقابة نحمل رؤية لبلادنا ولإصلاح الإعلام باعتبار دورنا الرّئيسي إضافة إلى دورنا في الدّفاع عن تحسين الوضعيات الاقتصادية والاجتماعية لمنظورينا خاصة وأنّ قطاعنا اليوم قد أصبح قطاعا منكوبا (طرد، عدم احترام القوانين الشّغلية…) إضافة لذلك نجد اليوم أنّ الاتّفاقية المشتركة لم تنشر في الرّائد الرسمي رغم صدور قرار قضائي بخصوص النّشر، وهنا أحمّل وزير الشؤون الاجتماعيّة ورئيس الحكومة وكلّ من يعطّل ذلك مسؤوليّة تجويع الصحافيين.
بخصوص الإعلام المصادر وبالنظر إلى القرارات المتعلّقة بإذاعة شمس اف ام، ماهي رؤية النقابة لهذا الملف؟
ما نأسف عليه اليوم أنّ مشاكل الإعلام تمّ تلخيصها في راتبٍ. ونحن نرى أنّ قطاع الإعلام يتطلّب إصلاحا حقيقيّا حتى تكون لدينا صحافة جادّة وسلطة مضادّة لجميع السلط. ولدينا رؤية خاصّة ورثناها بعد الثورة وملتزمون بالدّفاع عنها لأنها مشروعا لوطننا.
ماهي رسالتكم إلى منظوريكم؟
رسالتنا إلى عموم زميلاتنا وزملائنا هي أنّ معركة حرية التعبير وإصلاح الإعلام والدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تفتكّ ولا تُهدى. ونحن ملتزمون بالدّفاع عن كل هذا.
أمّا رسالتنا إلى السّلطة السياسية الحالية هو أنّ التاريخ قد أثبت أنّ كلّ سلطة كانت لديها نزعة نحو تكميم الأفواه وسجن الصحافيّين لن تنجح. فالوطن لا يُبنى بالأحقاد والتّنكيل بل عبر حوار مجتمعيٍّ وقبول الرّأي المخالف والحقّ في نقد السلطة.