ترجمة مرتضى العبيدي
تنويه: هذا النص هو مقتطف من مداخلة الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني بالاكوادور في “السيمينار العالمي لقضايا الثورة في أمريكا اللاتينية” المنتظم يومي 1 و2 سبتمبر 2023 في كيتو عاصمة الاكوادور.
إن إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، والتي تجاوزت الآن عاما ونصف، هو دليل رئيسي على تفاقم الصراعات بين القوى الإمبريالية. وتحتل روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في هذا الحريق المكانة الأهم من حيث استشراف مستقبل كل منها، ومن حيث السيطرة الجيواستراتيجية الدولية. وهو ما يفسّر حجم الاستثمار غير العادي للموارد الاقتصادية والعسكرية والبشرية، التي يعتبرونها غير كافية بعد، إذ هم يؤكدون على ضرورة زيادتها في كافة اللقاءات والمنتديات التي يعقدها الجانبان.
لكن هذه الحرب ليست الوحيدة في العالم، وليست التعبير الوحيد عن الصراعات بين الإمبرياليات. فالحرب التجارية تشتدّ وتهدأ كلما أصبح الوضع لصالح هذه القوة أو تلك، هذه الكتلة الاقتصادية أو العسكرية أو تلك، دون أن تختفي الصراعات والانتكاسات بين أعضاء الكتلة الواحدة، كما هو الحال بالنسبة للدول التي يتكون منها حلف الناتو. ويمتد هذا النزاع المحموم إلى أركان العالم الأربعة، ويتجلى في تأجيج الصراعات المحلية، وتشجيع ودعم الانقلابات الدموية، مثل ما حدث مؤخرا في النيجر والغابون، والتي تجعل من افريقيا مسرحا لصراعات متنوعة ومتكررة.
“إننا نعيش في عالم محكوم بتقلبات المواجهة بين القوى الإمبريالية وكتلها الأحلاف الاقتصادية والعسكرية – كما أشارت الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية CIPOML في بيان غرة مايو – إن الحرب الإمبريالية البينية الجارية في أوكرانيا هي تعبير عن ذلك، ولكنها ليست المظهر الوحيد. إذ تجري صراعات مسلحة محلية في بلدان أخرى، وتتعزز الحروب التجارية والأجهزة العسكرية والجيوش، وتندلع الصراعات من أجل السيطرة الاقتصادية والسياسية على الكوكب بأكمله. إن الصراعات بين القوى الإمبريالية، ولا سيما الصراع بين الولايات المتحدة والصين، تخفي في طياتها خطر اندلاع حريق عالمي”.
إن تداعيات هذا التكثيف للصراعات بين القوى الإمبريالية متعددة. فعلى الصعيد الاقتصادي، فبالإضافة إلى عواقبها الخطيرة على الدول المنخرطة بشكل مباشر في الصراع الحربي، فإن تداعياتها واضحة على المستوى العالمي. إذ يؤثر التباطؤ الاقتصادي بشكل خطير على الصين، مع انعكاسات كبيرة على صادراتها ووارداتها، مما ينعكس على الاقتصاد الدولي. ويشكل تضافر الركود الاقتصادي مع ارتفاع معدلات التضخم مصدر تأثير ضارّ، وهو موجود بشكل رئيسي في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكنه موجود أيضاً في العديد من البلدان في أميركا اللاتينية ومناطق أخرى من العالم.
ومع ذلك، فإن التأثير الرئيسي هو الذي يعاني منه العمال والشعوب، خاصة في بلدان كتلة الناتو الإمبريالية. إن الزيادة في ميزانيات الحرب و”المساعدات” لنظام زيلينسكي، والدعم العام للقطاع المالي لتجنب الإفلاس، من بين جوانب أخرى، أثرت وما زالت تؤثر على أوضاع الطبقات المفقرة. ومع ارتفاع أسعار الطاقة، صار انخفاض القدرة الشرائية للأجور، وانعدام الأمن الوظيفي، وتفكيك الخدمات العامة، والإصلاحات الرجعية في مجال الضمان الاجتماعي، بعضًا من عواقب تصرفات البرجوازية الإمبريالية، لتحميل تكاليف حربها على كاهل ظهور العمال والشعب.
الطبقة العاملة والشعب يردون على هجوم رأس المال
إن أهم النضالات التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة قادتها الطبقة العاملة والجماهير الكادحة العريضة. ففي جميع البلدان، بدأت المطالبات بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل في النمو: وأصبحت التعبئة والإضرابات والمظاهرات على نحو متزايد وسيلة لفرضها على أرباب العمل. ذاك هو الاتجاه العام للحركة في جميع البلدان، لكن بمستويات وإيقاعات مختلفة من بلد الى آخر”، مما يؤكد مجددا الدور المحوري للطبقة العاملة لحظة نهوضها، كما جاء في بيان الأحزاب الأوروبية للندوة، مشيرا إلى الحراكات النضالية القوية التي تم تنفيذها في فرنسا تحت شعارات: “لا للتقاعد في سن 64″، “كفى، لن تمروا هذه المرة”، “لا للاستغلال، لا للعمل حتى القبر”. وقد تجندت منذ بداية هذا العام فئات وشرائح اجتماعية عديدة ضد الترفيع في سن التقاعد للعمال والموظفين. كما تشير كذلك إلى الإجراءات المتكررة المطروحة في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك والنرويج وتركيا وغيرها. من جهتها، وصفت إحدى وسائل الإعلام في إنجلترا، في الأول من فيفري الماضي، الوضع كما يلي :
“المدارس مغلقة، والقطارات مشلولة، والموظفون غائبون في عدة وزارات. تشهد المملكة المتحدة أطول يوم من الإضرابات منذ أحد عشر عامًا يوم الأربعاء، مع إضرابات في العديد من القطاعات، توحدها المطالبة بتحسين الأجور في مواجهة التضخم الذي بلغ نسبة 10.5%.
تأثرت حوالي 20 ألف مدرسة في إنجلترا وويلز بالأيام السبعة الأولى من الإضراب الذي دعا إليه معلمو المدارس الابتدائية والثانوية في فيفري ومارس، مما زاد من الاحتجاجات التي بدأت قبل أشهر في العديد من القطاعات الأخرى”.
وحتى في الولايات المتحدة، كان هناك عدد لا يحصى من الإضرابات العمالية إلى جانب إضرابات الكتاب وكتاب السيناريو والممثلين في صناعة السينما المربحة.
وفي أمريكا اللاتينية، يتم تنفيذ إجراءات متعددة ومتكررة في جميع أنحاء المنطقة.
إن التمرد الشعبي في بيرو ردًا على الانقلاب البرلماني الذي أطاح بيدرو كاستيلو من الحكومة ونصب دينا بولوارتي هو أمر جدير بالملاحظة من حيث اتساع نطاقه، والذي وصل إلى مستويات عالية من التجذر والمثابرة لمدة شهرين، والذي لم يقدروا على احضاعه إلا بالقمع العنيف الذي كلف حياة أكثر من 60 مناضلا، فضلاً عن الدعم الوقح من الإمبريالية الأمريكية الشمالية والحكومات اليمينية في المنطقة.
في معظم بلدان المنطقة، كانت هناك مظاهرات احتجاجية متعددة، برز فيها بوضوح دور الطبقة العاملة، لكنها شهدت أيضًا مشاركة قطاعات كبيرة من الطبقات الشعبية.
على سبيل الاستنتاجات :
إن إعادة تنشيط نضال الطبقة العاملة على المستوى الدولي يكرس صحة التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل، بين الطبقة العاملة والبرجوازية. تؤكد التجارب النضالية الأخيرة للطبقة العاملة أطروحات لينين حول واجب الثوريين في المشاركة والانخراط في النقابات الكبيرة أو المراكز النقابية والنهوض بوعي الجماهير العمالية العريضة.
لقد ثبت أيضًا أن الطبقة العاملة لا تتصرف بمفردها في المعارك المتعددة، حيث يتم دمج شرائح كبيرة من الشغالين الذين، هم ضحايا النظام الرأسمالي وسياسة البرجوازية الإمبريالية وحليفها الطبيعي، البرجوازية الكبيرة في البلدان التابعة.
في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، تلعب الشعوب الأصلية دورًا مهمًا في تعزيز النضال الاجتماعي والسياسي.
وقد لعب الشباب والنساء دوراً استثنائياً، حيث انضموا وانخرطوا بإصرار في كل هذه النضالات.
ومع ذلك، فإن الأعمال النضالية المتعددة المنتشرة على نطاق دولي تكشف أيضًا عن حدودها. وهذه الحدود تمنع إمكانية إلحاق هذه النضالات بشكل هادف وواضح في النضال من أجل التحول الثوري، وهزيمة الرأسمالية.
وتتجلى هذه الحدود، من جهة، في قصور آليات التنسيق والتوحيد في أهم لحظات النضال.
إن غياب مركز سياسي واضح يعبر عن هذه النضالات ويصورها هو أحد الحدود الأكثر وضوحا، التي تمنع استيعاب هذا التدفق في مشروع التغيير، في قناة ثورية.
وبطبيعة الحال، عندما نتحدث عن هذه القيود، سيكون من الخطأ تحميل الطبقة العاملة والجماهير الكادحة المسؤولية عنها. إذ يتعلق الأمر بمواجهة التحديات الجديدة والكبيرة التي تطرح نفسها على الثوريين، وعلى الأحزاب الماركسية اللينينية، من أجل تأهيل وتوسيع نشاطنا لنضع أنفسنا على مستوى التطور الحالي للصراع الطبقي، وتوجيه هذا التدفق للنضال الاجتماعي نحو المسار الثوري، نحو النضال من أجل السلطة السياسية، من أجل الثورة والاشتراكية.