بقلم مرتضى العبيدي
ثروة بشرية هائلة تجعل من إفريقيا مستقبل العالم
أعلن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لمنظمة الأمم المتحدة أن عدد سكان القارّة الإفريقية بلغ مليار و460 مليون نسمة سنة 2023، أي ما يمثل 18.1% من سكان العالم الذى يبلغ (8.045) مليار نسمة فى نفس العام. كما أنه من المتوقع أن يبلغ عدد سكان العالم (9.709) مليار نسمة بحلول عام 2050 بزيادة سكانية قدرها 1.664 مليار نسمة مقارنة بعام 2023، مع الملاحظة أن الزيادة السكانية في إفريقيا ستمثل القسط الأكبر من الزيادة العالمية بين 2023 و2050، إذ من المتوقع أن تمثل إفريقيا ربع سكان العالم (25،6℅) في منتصف القرن الحالي، وهو ما يعكس ارتفاع نسبة النمو السكاني بها خلافا للقارات الأخرى التي من المتوقّع انخفاض هذا المعدّل بها. لذلك فإنّ الطفرة السكانية التي تشهدها إفريقيا باتت تحظى باهتمام بالغ، في ظلّ هذا التحوّل الديمغرافي الذي يُتوقّع أن يعيد تشكيل القارة والعالم من ورائها.
فعدد سكان إفريقيا لم يكن يتجاوز 140 مليون نسمة سنة 1900، ولم تكن تمثّل سوى 9℅ من سكان العالم أي أن عدد السكان تضاعف عشر مرات خلال القرنين الماضيين. وهو ما تشير إليه الدراسات الاستشرافية بكونه ثروة بشرية لا تُقدّر بثمن، خاصة وأنه يوجد بإفريقيا أصغر عدد من السكان في العالم، حيث أن أكثر من 60℅ من سكانها تقلّ أعمارهم عن 25 عامًا. ويمثل هؤلاء الشباب فرصًا وتحدّيات للقارة، حيث يتطلب استثمارًا كبيرًا في التعليم والرعاية الصحية والتشغيل للتأكد من أن هذه الديموغرافية الكبيرة يمكن أن تُسهم بشكل مفيد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لإفريقيا والنهوض بالقارّة والخروج بها نهائيا من وضعها المُزرى الراهن الذي لا يستفيد من إمكانياتها الضخمة بل يتركها فريسة لاستغلال الدول الكبرى وشركات النهب العالمية التي تعمل على تأبيد حالة التخلف والتبعية لأقطار إفريقيا.
ثروات طبيعية طائلة عرضة للنّهب الامبريالي
والى جانب هذه الثروة البشرية، ورغم النهب الذي تعرّضت وتتعرّض له القارّة منذ بدايات العصر الاستعماري، مازالت إفريقيا تتوفّر على كمّ من الثروات الطبيعية تُسيل لعاب الجميع، وهي محلّ رصد وإحصاء من كبريات المؤسسات ومراكز الدراسات في مختلف عواصم الدول الكبرى. فهذه وكالة التنمية الدولية الفرنسية تنشر تقريرها السنوي الخاص بالقارة تحت عنوان “الاقتصاد الإفريقي 2024” والذي يستعرض، من بين ما يستعرض، ما تزخر به إفريقيا من ثروات طائلة، خاصة أمام التهديد الذي أصبح يطال المنافع والمصالح الضخمة التي تحققها الشركات الفرنسية جرّاء نهب الموارد الطبيعية لبلدان وسط وغرب إفريقيا التي كانت مستعمرات فرنسية مباشرة، ولا تزال خاضعة للنفوذ الفرنسي، بفعل منافسة دول أخرى لها نخصّ بالذكر منها روسيا والصين، ودول عديدة أخرى.
والقارة الإفريقية التي تبلغ مساحتها ثلاثين مليون كيلومتر مربّع، تعتبر أكثر القارات ثراء من حيث المواد الأولية والموارد الطبيعية. لذلك يعتمد اقتصادها على الأنشطة الاستخراجية لموارد الطاقة والمعادن والزراعة والقليل من السياحة في إطار التقسيم العالمي للعمل القائم على علاقات لا متكافئة بين الدول الامبريالية والدول التابعة.
ويذكر التقرير الذي أشرنا إليه أعلاه أن إفريقيا تمتلك نحو ثُلُث احتياطيات العالم من أهم المعادن، ونحو 30% من الاحتياطي العالمي من اليورانيوم و25 %من إنتاج الذهب و50% من احتياطي الذّهب في العالم و 12% من احتياطي النفط العالمي و 10% من إجمالي احتياط الغاز العالمي، فضلا عن نسبة كبيرة من احتياطات العالم من الماس والكروم والبلاتين واليورانيوم، وهي ثروات تستغلّها الشركات العابرة للقارات والدّول الأجنبية، باستثمارات ضئيلة.
سباق محموم بين القوى الكبرى لإقامة قواعد عسكرية: جيبوتي نموذجا
وللأسباب المذكورة أعلاه، ولموقع إفريقيا في خريطة العالم، فإن القارّة تشهد صراعات دولية على بسط النفوذ العسكري بين القوى الكبرى عالميًا، ولعل مثال جيبوتي يُغني عن أي خطاب في هذا الخصوص.
فجيبوتي، رغم ضآلة مساحتها، فهي تكتظّ بحشد من الوجود العسكري الأجنبي، يتمثل بـ6 قواعد عسكرية أجنبية، تعود إلى كل من فرنسا والولايات المتحدة واليابان والصين وإسبانيا وإيطاليا. وتسعى هذه الدول من خلال قواعدها العسكرية إلى حماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وتوسيع نفوذها السياسي والعسكري، إلى جانب الأهداف المعلنة كالتصدّي لظاهرة القرصنة ومكافحة الإرهاب وتأمين الطريق التجاري البحري المار بالبحر الأحمر.
وتضمّ جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في إفريقيا، والقاعدة العسكرية الوحيدة للصين خارج حدودها، وأوّل قاعدة عسكرية خارجية لليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وأهم وحدة عسكرية فرنسية في إفريقيا.
كما تستضيف قوات تابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي وقوات عسكرية دولية مشتركة تعمل في إطار جهود مكافحة القرصنة، وتسعى دول عديدة، منها روسيا والهند والإمارات والسعودية لتأسيس قواعد عسكرية لها في البلاد.
وقد ظهر الوجود العسكري الأجنبي في جيبوتي منذ تأسيس المحميّة الفرنسية في ثمانينيات القرن الـ19 وتمكنت فرنسا من الاحتفاظ بقاعدة عسكرية لها عقب استقلال البلاد عام 1977، وظلت تلك القاعدة هي الوحيدة حتى مطلع القرن الـ21، حين بدأ الحضور العسكري الأجنبي يغزو البلاد بشكل ملحوظ، وقبل مضيّ العقد الثاني من القرن الـ21، أصبح احتضان قواعد عسكرية أجنبية ظاهرة جليّة في جيبوتي.
ونظرا لموقعها، تتحكّم جيبوتي بحركة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب وخليج عدن، حيث يمرّ خط التجارة الدولي الذي يربط بين شرق آسيا وأوروبا، ويشكل أحد أكثر الممرّات الملاحية ازدحاما في العالم، وينقل ما يقدّر بنحو 10% من التجارة العالمية، كما تعبر منه معظم صادرات الخليج العربي من الموارد الطاقية المتجهة إلى أوروبا وأميركا.
الحضور العسكري الأجنبي في باقي القارّة
لكن الحضور العسكري الأجنبي لا يقتصر على هذه القواعد القائمة في جيبوتي بل يتعدّاه إلى كامل التراب الإفريقي.
فأميركا أقامت منذ 2007 قيادة “أفريكوم”، وهو مشروع عسكري أميركي تأسّس تحت غطاء مساعدة الدول الإفريقية في مواجهة التهديدات الأمنية والاستجابة للأزمات الإنسانية وهو يتوزع على 15 دولة في القارة الإفريقية، تتمثّل بـ13 قاعدة دائمة، تضاف إليها 17 قاعدة غير دائمة.
أمّا الصين، المنافس الأهمّ للولايات المتحدة، فليس لها وجود عسكري مباشر في إفريقيا، إلا في قاعدة جيبوتي المذكورة، بينما تشارك في قوات حفظ السلام في 6 دول إفريقية.
أمّا روسيا فقد أوجدت لها هي الأخرى موطئ قدم في إفريقيا، عن طريق صادرات السلاح، إذ باتت المصدّر الأكبر إلى القارة السمراء، بنحو 49% من إجماليّ صادراتها. كما تنشط روسيا عسكريًا في ليبيا ومالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى والسودان، بواسطة مجموعة فاغنر العسكرية.
أمّا فرنسا، صاحبة التاريخ الاستعماري الأكبر في إفريقيا، فتقلّص حضورها العسكري كثيرًا خلال العقدين الماضيين، بعد أن كان عدد قواعدها 100 في منتصف القرن الماضي، وقد تقلّص عددها اليوم إلى 4 دائمة فقط في السينغال وساحل العاج وجيبوتي والغابون، إضافة إلى عمليات خاصة تساهم فيها القوات الفرنسية في النيجر وتشاد.
وفي الختام…
ثروة بشرية لا تقدّر بثمن، ثروات طبيعية لا تضاهيها ثروات وموقع استراتيجي في قلب العالم… كل هذه المقوّمات التي كان من المفروض أن تكون أعمدة للتنمية في إفريقيا وازدهارها أصبحت وبَالًا عليها وجعلت منها مجدّدا، بحكم التاريخ المجحف، محلّ أطماع القوى الامبريالية المتصارعة على مزيد بسط نفوذها وعلى إعادة تقسيم العالم.
لكن هل أن هذا الواقع قضاء وقدر مسلّط على شعوب إفريقيا، أم هل أن لهذه الشعوب رأي آخر؟ هذا ما سنتناوله في الجزء القادم من المقال.