أعلن معتقلو ما بات يعرف بـ”ملف التآمر” الدخول في إضراب عن الطعام منذ يوم الإثنين 12 فيفري الجاري وذلك بمناسبة مرور عام كامل على الزجّ بهم في السجن على خلفية آراء ومواقف سياسية مناهضة للانقلاب. إنّ هذا الملف هو دليل فاقع على تدهور المكسب الأساسي الذي حققه شعبنا وفرضه بعد 14 جانفي بعد أن تمّ تصفية كل المطالب والاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية.
إنّ قيام مجموعة من قادة الأحزاب بإضراب عن الطعام هو مؤشر حاسم على عودة بلادنا إلى مربع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما يعني واقعيا تصفية المنجز الذي صمد لسنوات تحت حكم مختلف القوى الرجعية طيلة عشر سنوات رغم اتجاهها جميعا إلى العمل على انتهاك الحريات. لكن صمود الشعب وقواه التقدمية والديمقراطية أجهض تلك المساعي.
لقد اتّجه قيس سعيد منذ انقلابه على المنظومة التي أوصلته إلى كرسي قرطاج إلى محاصرة الحريات تحضيرا لوأدها وقبرها، وهاهو يسير رويدا نحو ذلك لولا بعض الصمود والمقاومة من القوى التي لم تنطل عليها مغالطات ليلة 25 جويلية. مقاومة هي دون ما تقتضيه اللحظة التاريخية الدقيقة التي تضع بلادنا في مفترق حاد يقابل بين الحفاظ على بعض المكاسب أو التفريط فيها لصالح نظام استبدادي قد يكلّف البلاد والشعب وقتا ثمينا حتى يتمّ منازلته والانتصار عليه.
لقد عاشت بلادنا أوضاعا شبيهة إثر انقلاب بن علي الذي هبّت الانتهازية إلى نصرته ليكون ذلك صكا على بياض وتفويضا كانت كلفته غالية وغالية جدا. وهاهي الانتهازية تتحرك اليوم بأسماء جديدة لكن بمهمات مكررة، وهاهي المناشدات والترشيحات لسيادته تتسلل من هنا وهناك ممّا يسمى اليوم “أنصار المسار” وهي التسمية الراهنة لما كان يسمى سابقا “أحزاب الديكور”. إنّ التاريخ يتكرر في شكل مهزلة، والمهازل تنتهي عاجلا أو آجلا إلى المزبلة ولا شيء غيرها.
إنّ إضراب الجوع الحامل لمؤشرات خطيرة في ما بلغته الأوضاع من تراجع وتدهور، لكنه يؤشر إلى روح التحدي والمقاومة التي من رحمها يولد التيار العارم لمنازلة الاستبداد وتوسيع مقارعته والتصدي له وهي مهمة القوى التقدمية من أحزاب ومنظمات وشخصيات التي عليها تحويل وعيها إلى ممارسة متحدة تطرح ما يجب من مهمات لخلق حركة نضال واسعة تتصدى للاستبداد والدكتاتورية وللخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتّبعة والتي هي ليست سوى نفس الخيارات اللاوطنية واللاشعبية التي ظلت سائدة في بلادنا منذ عقود والتي كما عمقت التبعية وأنتجت الفقر والتهميش، ولّدت أيضا حفار قبر الاستبداد والقهر، الشعب الواعي والمنتفض، الشعب الذي يتعلم من تجاربه ويطوّر ممارساته حتى يتأهل لتحقيق أهدافه، كل أهدافه في التحرر والانعتاق.