شهدت مقبرة الجلاز مجددا يوم الثالث عشر من الشهر الجاري توافد جمع غفير من المناضلين السياسيين والنقابيين لتوديع المناضل أحمد الجدعاوي، المسؤول النقابي لدورات عديدة في هياكل التعليم الثانوي حيثما مرّ، في فريانة (القصرين) في بداية حياته المهنية وفي تونس وأحوازها في بقية المشوار، والمناضل السياسي في صفوف حزب العمال منذ تأسيسه. وقد تعرّض نتيجة لذلك إلى الاضطهاد في أكثر من مناسبة، فعرف السجن والطرد من العمل والتجويع، ولم يستسلم، بل كان في كل مرّة يزداد صلابة ويواجه المحن المتتالية بعزيمة فولاذية وقدرة نادرة على الصبر والجلد. ولن نفي الرفيق حقّه مهما قلنا فيه خاصة وأنه اختار طوال حياته العمل بعيدا عن الأضواء، وما قاله الرفيق الكافي بن منصور في كلمة التأبين يضيء بعضا من هذه الجوانب التي تستحق التدوين حتى تكون نبراسا لهذا الجيل المؤمن بما آمن به الرفيق أحمد.
ومما جاء في كلمة التأبين ما يلي:
“بقلوب خاشعة وجلة نودّع اليوم الثلاثاء 13 فيفري 2024 الأخ الخلوق الطيّب الإنساني الاستثنائي بكلّ المقاييس. الأستاذ الكفء الذي تخرّجت على يديه عشرات بل مئات الكفاءات الوطنية، المناضل النقابي القلب أحد أعمدة العمل النقابي لقطاع التعليم الثانوي صلب المنظمة العتيدة الاتحاد العام التونسي للشغل.
وُلد بالبواجر معتمدية العيون ولاية القصرين سنة 1953. درس بالمدرسة الابتدائية آبار تاعوت ثمّ التحق بالمعهد الثانوي بالقصرين أين نال شهادة الباكالوريا ومن ثمّة توجّه إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية 9 أفريل شعبة التاريخ والجغرافيا ومنها تخرّج أستاذا للتعليم الثانوي ليلتحق بالمعهد الثانوي فريانة بالقصرين أين تحمّل مسؤولية تأسيس وعضويّة الاتّحاد المحلّي للشغل وتعرّض إلى الإيقاف عن العمل والتّجويع والملاحقة البوليسيّة كما زُجّ به في السّجن إثر أحداث الخبز 1984.
ولمّا عاد إلى الشّغل سنة 1986 مُبعَدا عن جهته الأصليّة التحق بالعاصمة أين واصل أداء رسالته التّربويّة المقدّسة التي أنهاها مديرا بالمعهد الثانوي محمد العربي الشمّاري بالورديّة. كما واصل نضاله النّقابي متحمّلا مسؤولية عضوية والكتابة العامة للنقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالوردية وعضوية النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بتونس.
بالموازاة مع نشاطه النقابي كان مناضلا سياسيا ضدّ خيارات السّلطة العميلة منذ كان تلميذا وطالبا في صفوف النّقابيّين الثّوريّين وحزب العمّال. كما كان مناصرا ومنخرطا في الدّفاع عن القضايا العادلة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة حيث تشهد البطحاء وجميع الساحات انخراطه في النّضال. كما انخرط مبكّرا في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الكّونيّة. ويشهد نهج “بودلار” (Baudelaire) بالعمران استماتته في الدّفاع عن حقّ الرّابطة والرّابطيّين في النّشاط القانوني والعلني زمن المنع والاستبداد النّوفمبري لكلّ نشاط حزبي أو جمعياتي مستقل.
سيدي أحمد الجدعاوي مدرسة بأتمّ معنى الكلمة في نكران الذّات والتّضحية والقيم الإنسانيّة الكبرى. والكلّ يشهد بذلك عائلته المصغّرة والموسّعة، جيرانه، زملاؤه، أصدقاؤه، تلاميذه، رفاقه وكلّ من عرفه من بعيد أو قريب”.
وختم كلمته بالقول:
“سيدي أحمد إلى روحك السّكينة والاطمئنان وإلى ذكراك الخلود. نعاهدك سنبقى أوفياء للمبادئ التي جمعتنا وسنحرص على الاستلهام منها ما حيينا.” راجيا الصبر لعائلته وأصدقائه وزملائه ورفاقه.