أحيا الشعب التونسي والقوى الوطنيّة والديمقراطية الذكرى السادسة والسبعين لعيد الشهداء تخليدا لأحداث 09 أفريل 1938 التي سقط فيها 122 شهيدا و80 جريحا برصاص المستعمر الفرنسي، ولكن أيضا تخليدا وتكريما لكلّ شهداء تونس في مختلف محطّات النّضال ضدّ الاستعمار الفرنسي ثم ضدّ الدكتاتوريّة في عهدي بورقيبة وبن علي وأخيرا في فترة ما بعد الثورة.
وقد شاركت الجبهة الشعبية بكثافة في هذا العيد وهي التي قدّمت زعيمين كبيرين من زعمائها، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، قربانا للحريّة. ولقد كان إحياء ذكرى عيد الشهداء فرصة للجبهة الشعبية لكي تطرح من جديد ملفّ الشّهداء الذي مايزال مطروحا برمّته بسبب عدم توفّر الإرادة السّياسيّة لمختلف الحكومات التي أعقبت الثورة، وخاصّة حكومة الترويكا سيّئة الذّكر، للتّعاطي معه بجدية. وبالطبع فإنّ قضيّة الاغتيالات التي تشمل شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحمد بلمفتي ومجدي العجلاني ولطفي نقض وعشرات الجنود والأمنيّين، تأتي في مقدّمة هذا الملف. إنّ المطلب الرئيسي للجبهة الشعبية وكلّ القوى الدّيمقراطية بالنسبة إلى الاغتيالات التي جدّت كلّها في عهد حكومة الترويكا بزعامة حركة النهضة، يتمثّل في كشف الحقيقة كاملة عمّن يقف وراءها أمرا وتخطيطا وتنفيذا، باعتبار ذلك بندا من بنود خارطة الطريق المتّفق عليها وشرطا من شروط إجراء الانتخابات في مناخ سياسي سليم. ولكنّ قضيّة الاغتيالات ما هي إلاّ جزء من ملفّ الشهداء. أمّا الجزء الآخر فيتعلّق بقضيّة شهداء الثورة.
إنّ المحاكم التي عُهد إليها بهذه القضايا ما زالت تماطل في كشف الحقيقة وفي محاسبة كلّ المسؤولين عن قتل المئات وجرح أضعاف أضعافهم من أبناء تونس وبناتها، بل إنّ السلطات ما زالت تماطل حتى في تحديد قائمة هؤلاء بصفة نهائيّة. إنّ قضيّة شهداء الثورة وجرحاها لا تهمّ عائلات الضحايا فحسب بل هي قضيّة كلّ التونسيّات والتونسيّين الذين ما كانوا لينعموا اليوم بالحريّة لولا أولئك الشهداء والجرحى الذين سقوا أرض تونس بدمائهم الزكيّة. وبالطبع فإنّ كلّ القوى الوطنية والديمقراطية مطالبة بتحمّل مسؤوليتها في هذه القضيّة وتجعل من حسمها أولويّة من أولويّات المرحلة كما نصّت على ذلك مبادرة الرباعي التي انبثقت عنها خارطة الطريق. وأخيرا وليس آخرا فإنّ ملف الشهداء يحوي صفحات قديمة من عهد الدكتاتورية لم تنشر ولم ينظر فيها بجديّة حتى الآن. ومن ضمن هذه الصفحات الهامّة ما يتعلّق بالمئات من شهداء “مجزرة 26 جانفي 1978″، ومن شهداء انتفاضة الخبز في جانفي 1984 الذين كان من بينهم الشهيد فاضل ساسي، ومن الشهداء الذين قضوا نحبهم تحت التعذيب بمحلات البوليس أو بغياهب السجون ومن بينهم شهيد الحريّة نبيل بركاتي.
إنّ هذه الصفحات وغيرها من صفحات تونس، بما فيها تلك المتعلّقة بالفترات الأولى من قيام نظام بورقيبة لا بدّ أن تُفتح من جديد حتى يعود الحقّ إلى أصحابه وحتى يتمّ القطع نهائيّا مع عقود الاستبداد الغاشم الذي كلّف تونس ثمنا باهظا على حساب تقدّمها ونهوضها. إنّ شعبا ينسى شهداءه هو شعب بلا ذاكرة وبلا مستقبل بل هو شعب ليس جديرا بالاحترام، وقد بيّن الشّعب التونسي دائما أنه شعب وفيّ لشهدائه وما التظاهرات التي عرفتها مختلف الجهات بمناسبة 09 أفريل إلاّ دليلا على ذلك، وما دام الشعب التونسي كذلك فنحن واثقون بأنّ حقّ شكري والبراهمي وكلّ شهداء تونس لن يضيع.
صوت الشعب