اجتياح رفح لن يغيّر من حقيقة الميدان، إلا بزيادة أعداد الشهداء في إطار حرب الإبادة التي يرتكبها العدوّ
حاوره الرفيق علي الجلولي
تواصل “صوت الشعب” في هذا العدد محاورة قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية الباسلة، وبشكل حصري أجرت الحوار التالي مع الرفيق فهد سليمان نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
تتواصل الحرب الصهيونية على فلسطين، وهي تتّجه اليوم إلى الغزو البرّي لرفح. كيف تقيّمون مساعي العدو الصهيوني ومدى تحقيقه لأهداف العدوان؟
أولا يجب التأكيد على ما بات يشكّل حقيقة راسخة بالنسبة لجميع الأطراف المعنيّة بالعدوان على قطاع غزه، وهي أن ما تحقّق في 7 أكتوبر كان إنجازا هامّا ومبهرا بكلّ المقاييس. وعلينا أن نراكم على ما تحقّق من إنجازات سياسية وعسكرية ومعنوية وصمود شعبيٍّ منقطع النظير. وبنتيجة ذلك فكل المؤشّرات تقول أننا مقبلون على تغييرات كبرى في النظام السياسي في المنطقة والعالم، على مستوى الاستراتيجيات والتحالفات والاستقطابات..
ثانيا، بسبب صمود الشعب الفلسطيني وبسالة المقاومة، فإن إسرائيل ليست قادرة على تحمّل فكرة الأمن المنقوص الذي من شأنه أن يقود إلى انقسامات وإشكالات على المستوى الداخلي، وهذا الأمن المنقوص في بعض مناطق الكيان مثلا (الشمال والجنوب) لم يسبق أن شهده الكيان في كلّ الحروب التي خاضها، خاصة عندما يتعلّق الأمر بتهجير عشرات الآلاف من المستوطنين من شمال وجنوب فلسطين.. وهو واحد من إنجازات المقاومة في غزّة ولبنان.
اليوم هناك إجماع صهيوني بأنّ العدوان على قطاع غزّة قد فشل، وأن الأهداف التي رُفعت في بداية الحرب لم تتحقّق، سواء على مستوى تصفية المقاومة أو بتحرير الأسرى أو تهجير أكبر عدد ممكن من الشعب. والخلافات التي تدور الآن داخل الحكومة الصهيونية هي حول أسلوب الإعلان عن الهزيمة. واجتياح رفح لن يغيّر من حقيقة الميدان، إلا بزيادة أعداد الشهداء في إطار حرب الإبادة التي يرتكبها العدو، والأرجح أنها جزء من عملية التفاوض بالنار لتحسين المواقع التفاوضية للاحتلال. لكن في معظم الحالات فإن المقاومة ستدافع عن رفح بكل شجاعة وبسالة، وأينما تواجد الاحتلال في أيّ بقعة من بقاع قطاع غزّة فسيكون أهدافًا مشروعة للمقاومة الفلسطينية.
تجاوز العدوان شهره الخامس، هل فعلا فشل العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه وفيما نجحت المقاومة والشعب؟
حتى اللحظة، لم يستيقظ العدو من صدمة 7 أكتوبر، هو اعتقد أنه بعملية عسكريّة قادر على استعادة قوّة الرّدع لجيشه الذي مُنّي بخسارة كبرى وعلى مختلف المستويات، بينما المقاومة صامدة وقادرة على إحباط وإفشال أهداف العدو، ما يطرح سؤال: كيف نحوّل فشل العدو إلى هزيمة، وكيف نحوّل الصّمود إلى انتصار؟ وهذا هو السؤال الأهم..
مع تأكيدنا على فشل العدو في تحقيق أيٍّ من أهدافه التي رفعها في بداية العدوان، إلا أنه ما زال يسعى لفرض مخططاته، وهنا ينبغي التأكيد على ما يلي: الثبات على خيار مواصلة المقاومة والدفاع المستميت عن قطاع غزّة وتصعيد المواجهة بكل أشكالها في الضفة الغربية واستنهاض الحالة الجماهيرية المؤازِرة للشعب الفلسطيني ومقاومته في كل مكانٍ واستثمار جهود المساندة بمنحاها التّراكمي الصاعد، التي نشأت في المحيط العربي: لبنان، سوريا، العراق، اليمن…
اليوم نحن لا نخوض ضدّ قوات الاحتلال معركة عادية كما لمعارك التي خُضناها سابقا، بل نخوض حرباً بكل ما في كلمة «الحرب» من معنى، بتداعياتها الاستراتيجية على الأوضاع الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية والدولية، وما يدور الآن في القطاع، وفي الضفّة، ما هو إلا جولة من الحرب، وإن توقّفت ستتلوها جولات جديدة، لا يمكن التنبّؤ منذ الآن بسقفها الأمني والعسكري، لكن يمكن التأكيد بكلّ ثقة، أن المستوى الذي وصلت إليه الحرب في الحالة الراهنة، لم تعد تتحمّل لا على الصعيد الدولي ولا على الصعيد الإقليمي، ولا حتى على الصعيد المحلي (الفلسطيني – الإسرائيلي) المراوحة في المكان؛ لقد وصلنا إلى نقطة الحسم، نحن أو هم. وبالتالي هذه الحرب الضّروس، هي التي سوف تحسم مصير القضية الفلسطينية ومصير إسرائيل ما بعد حرب أكتوبر.
بالتوازي مع العمل المسلّح قامت الفصائل الفلسطينية بإصدار بيانات والدعوة الى مبادرات حول الوضع الحالي وآفاقه. ماهو موقع الجبهة الديمقراطية في هذا الحراك وكيف ترى دورها ودور اليسار الفلسطيني؟
بعد مرور أسابيع على العدوان، أدركنا أن هذه الحرب لن تكون كسابقاتها، سواء من حيث مدّتها الزمنية أو حجم التّدمير الذي سيحدث، وعلى هذه الخلفيّة حدّدنا كجبهة الديمقراطية موقفنا حيال ما يتمّ تداوله من مشاريع، كما يلي: إن الحديث عن «اليوم التالي» إنما هو ترويج انهزامي يقوم على الرّهان على إنكار المقاومة وكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزّة وفرض شروط الإسرائيلي المنتصر (زعماً) ليس على القطاع وحده، بل على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، كمقدّمة لفرض شروطه السياسية التّصفوية. وعليه، فإن كافة المشاريع والسّيناريوهات التي تندرج في هذا السياق مرفوضة رفضًا قاطعًا، أيًْا كان شكلها، وأيًّا كان مصدرها، فليست إسرائيل ولا الولايات المتّحدة ولا بريطانيا ولا أيًّا من الأطراف الإقليمية يملك الصّلاحية في تحديد ورسم مستقبل قطاع غزّة لا الآن، ولا في ما يسمّيه «اليوم التالي..». مستقبل غزّة وأيّ بقعة من ترابنا الوطني المحتل، ترسمه الآن وفي كل أوان، وإلى دهر الدّاهرين، المقاومة والصمود البطولي لشعبنا، ولا شيء سواهما، وفي كلْ الأحوال لن يكون إلا مستقبلاً وطنياً فلسطينياً.
على هذه الخلفية، أطلقت الجبهة الديمقراطية في 5 نوفمبر 2023 مبادرة سياسية، دعت فيها إلى إعادة النظر بالواقع الفلسطيني المستجدّ بعد 7 أكتوبر على قاعدة أن المعادلات الوطنية ما بعد 10 أكتوبر هي غير ما قبلها، الأمر الذي يفترض اعتماد مبادرة وطنية شاملة ترتقي بالمسؤولية الوطنية إلى ما يستجيب للاستحقاقات الحالية والقادمة. من هنا دعت الجبهة الديمقراطية إلى حوارٍ وطني شامل وملزم لكافة الأطراف بنتائجه يقود إلى تشكيل إطار قياديّ موحّد تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، مدخلاً لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني المؤهْل لحمل أعباء استراتيجية كفاحية جديدة وبديلة تربط بين مستقبل الضفة – بما فيها القدس – ومستقبل القطاع باعتبارهما معًا، ودون أي انتقاص أو اقتطاع، يشكّلان التّراب الوطني الذي ستقام عليه الدولة الفلسطينية المستقلّة.
تشارك الجبهة في العمل المسلّح كبقية الفصائل المسلّحة، كيف تفسّرون تراجع الغرفة المشتركة لحساب الأنشطة الخاصة والثنائية؟
نجحت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة في إدارة العمليات العسكرية في مرحلة ما قبل العدوان، لكن بعد ذلك ونتيجة ضراوة المعركة واستهداف الاحتلال لكلّ شيء فوق أرض القطاع لم يعد التنسيق بين مكوّنات هذه الغرفة قائما كما السابق. والتعاون الذي يحدث الآن بين فصائل المقاومة هو على مستوى موقعي أولا، خاصة بعد توغّل الاحتلال في عدد من مناطق القطاع.. وهذا أمر أثمر نجاحه في تكبيد الاحتلال خسائر فادحة.
إن فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة تدير معركتها باقتدار، وهي موحّدة في ميدان المواجهة وتعمل وفق نسق ميداني مشترك، وكثافة العدوان التي يعتمدها جيش الاحتلال تجعل من التنسيق التفصيلي أمرا شبه مستحيل، لكن يمكن القول أن أمور الميدان تسير وفق ما هو مرسوم لها.. وما زالت المقاومة بجميع فصائلها تقاتل وتواجه المحتل وكأنها في اليوم الأول، أي أنها ما زالت قادرة على الصمود أكثر وأكثر، وإذا ما راهن الاحتلال على تعب المقاومة فهذا رهانٌ لن يكون مصيره إلا الفشل المحتم.
تتّجه الجبهة إلى لقاء موسكو للفصائل الفلسطينية. ماهي انتظاراتكم وانتظارات الشعب الفلسطيني من هذا اللّقاء؟
أولا، الشكر لروسيا على دعوتها الفصائل الفلسطينية لحوار وطنيّ سنسعى ثنائيّا وجماعيا إلى إنجاحه، وأن نخرج برؤية موحّدة واستراتيجية فلسطينية تقطع الطريق على المحاولات الإسرائيلية والأمريكية والإقليمية التي تحاول العبث بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني..
نحن ذاهبون إلى الحوار مسنودين بصمود شعب ومقاومة منتصرة، صنعا معًا إنجازا وانتصارا كبيرا يجب استثماره لصالح الكلّ الوطني بعيدا عن نزعات الانقسام والشّرذمة. كما نذهب وبيدنا مبادرتنا الوطنية التي تطرح استراتيجية شاملة لكيفية التعاطي مع التحديات المطروحة، سواء على المستوى الداخلي أو نتيجة التداعيات التي فرضها العدوان أو ما يطرح على المستوى الإقليمي من مشاريع سياسية يجب التعاطي معها بشكل موحّد.
بات واضحا أن نتنياهو يريد الاستئصال المادي والسياسي للمقاومة، والإمساك الأمني بالقطاع، لخلق مناطق عازلة، الخ… ولا يقبل بعودة السلطة التي يعتبرها غير مقبولة لأنها لم تُدن 7 أكتوبر، الخ… إلى جانب هذا ثمّة من يقترح مرحلة انتقالية، تدار عربيًّا – دوليًّا (غوتيرش)؛ كما أن الرئيس الأميركي يقترح تجديد السلطة (سلطة متجدّدة) على الضفة والقطاع.
جميع هذه الاقتراحات تنطلق من فرضيّة هزيمة المقاومة، ومن هنا عدم واقعيّتها. وبالنتيجة فإن ما يقرّر الحالة الفلسطينية أمران: نتائج الميدان وتوحيد الصفوف، وحدة الصف، التي بدورها تستدعي: حوار وطني والتوحّد على مكونات الكيانية الفلسطينية: وحدانية التمثيل والدولة الحرّة السيّدة المستقلة وحق العودة، مسوَّرة بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
نحن نعتقد أن المرجعية الفلسطينية الموحّدة التي تخاطب العالم قد تأخّر تشكيلها، لكن عندما ترى هذه المرجعية النور ستكون مرجعية موحّدة وشاملة تضمّ كل المكونات الفلسطينية التي تجمع بين المقاومة السياسية والعسكرية والمقاومة الشعبية التي يتوحّد تحت رايتها كل الشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده، وهي تضمّ جميع فصائل المقاومة بلا استثناء. لذلك يجب أن نسرع من أجل حوار فلسطيني لتوحيد البرنامج والاستراتيجية الوطنية، وبهدف تأسيس مرجعيّة موحّدة لكل برنامج العمل النضالي وفي مقدمته المقاومة وتحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية.
لكلّ ما سبق، نحن نعمل ونناضل من أجل مراجعة فلسطينية، من شأنها أن تقود إلى صياغة الرؤية البرنامجية الوطنية الفلسطينية الجامعة، في المواجهة الشاملة مع التحالف الأميركي – الإسرائيلي.. وهذه الرؤية بالنسبة إلينا كجبهة ديمقراطية يجب أن تحدّد قضايا التمثيل والكيانية المجسّدة في التمسّك بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبهدف النضال الراهن المحدْد بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وبالقرارات الدولية، التي تكفل حقوقنا الوطنية، إضافة إلى آليات المهام المباشرة لمواجهة الحرب الهمجية على شعبنا وتداعياتها وأخيرا آليّات إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية..
كيف تتابعون المفاوضات غير المباشرة بين حماس والعدو حول إيقاف العدوان وتبادل الأسرى والرهائن؟ وكيف تقيّمون الأداء السياسي للمقاومة؟
المفاوضات الدائرة بين حركة حماس وإسرائيل، عبر الوسطاء، تناقش عناوين هناك توافق فلسطيني بشأنها خاصة بما يتعلّق بضرورة الثبات عند مطالب وقف العدوان وانسحاب جيش الاحتلال من جميع المناطق التي توغل فيها وكسر الحصار وإمداد السكّان بالضرورات الحياتيّة، وتوفير أدوات ومستلزمات إيواء النازحين في أماكن سكناهم، وإعادة الإعمار، وإجلاء الاحتلال والغزو الإسرائيلي عن القطاع، وإبرام صفقة تبادل الأسرى، ووقف الإجرام الإسرائيلي في الضفة الغربية.
يبدو واضحا أن العدو الاسرائيلي ممثلا برئيس وزراءه هو من يعمل على إطالة عمر العدوان، نتيجة لحسابات شخصية. لكن رغم ذلك فنحن نحمّل المسؤولية الكاملة للإدارة الأمريكية التي باتت شريك كامل في العدوان، وهي من تشجّع وتدعم حملات الضغط على فصائل المقاومة لخفض سقف مطالبها، في مراعاة لما يسمّى الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، التي تعيش حالة من الانقسامات لم يسبق أن شهدها الكيان، وهذا بفعل عجز الاحتلال عن تحقيق أيّ من مطالبه، خاصة مطلبي القضاء المقاومة وتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة..
نحن نعلم أن التباينات بين الإدارة الامريكية وإسرائيل لن تصل بعد إلى مستوى ممارسة الولايات المتحدة ضغطا على إسرائيل لوقف عدوانها، إلا إذا نشأ وضع داخلي في إسرائيل يطيح بـنتنياهو، لكن الضغط الأساسي الذي يمكن أن يأتي بنتائج حقيقة هو ما تقوم به المقاومة الفلسطينية الآن في الميدان..
مقابل الأداء البطولي للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة ومقابل فضاعة جرائم الاحتلال، يبدو الشارع العربي ضعيف الأداء في المجمل. ماهي رسالتكم للسّاحات العربية؟
على أهمية الموقف الرسمي العربي في الرفض القاطع للضلوع بمخطّط التّرحيل للشعب الفلسطيني واقتلاعه من تراب الوطن (من القطاع إلى مصر، ومن الضفة إلى الأردن)، فقد فشلت المنظومة العربية الرسمية في تحمّل مسؤولياتها القومية والأخلاقية نحو قضية فلسطين، ودفاعًا عن شعبها في مواجهة العدوان، وتعرّضت هذه المنظومة إلى اختراقات إستراتيجة فاقمت انكشافها على الضغوط الخارجية، عندما نجحت الإدارة الأميركية في بناء «تحالف أبراهام» وفي امتداده «منتدى النّقب» السداسي، باعتبارهما الإطارين السياسي والاقتصادي والاستراتيجي للإقليم، ودمج إسرائيل فيها وإعادة صياغة المعادلات الحاكمة للسياسات العليا، بما يجعل من إسرائيل حليفًا، وإيران عدوًّا.
لقد أضعفت هذه التطورات مناعة النظام الرسمي العربي وخلخلت تماسك الموقف من القضية الفلسطينية، بما في ذلك الابتعاد عن التمسّك بمضمون وآلية تطبيق «مبادرة السلام العربية»، ما عنى تغليب الإستجابة لمصالح الأنظمة وارتباطها التبعي بالاستراتيجية الأميركية في الإقليم على حساب القضية الفلسطينية وحقوق شعبها.
أمّا على المستوى الشعبي، فقد انتصرت الحراكات الشعبية العربية الداعمة للشعب الفلسطيني وقضيّته الوطنية، وعبَّرت بذلك عن تمايزها عن السياسات الرسمية، وعكست حالة غضب عارم أمام العجز الرسمي العربي عن وقف العدوان على الشعب الفلسطيني؛ كما عكست إحساساً عميقاً بعمق ومدى تهديد الكيان الصهيوني مصالح الشعوب العربية، وللخطورة المتعاظمة للمشروع الصهيوني التوسعي، وإدراكاً عميقاً لما سوف يُحدٍثه من تداعيات سلبية انتصار إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وكسر إرادته ومقاومته. لقد جاءت الحراكات الشعبية العربية لتعبّر بصدق عن طبيعة الصراع القائم، ولتضع أنظمتها أمام واجبات تمسّ المصلحة القوميّة بالصّميم، إذا لم يتمّ الأخذ بها، فالمصالح العربية كلها ستكون في خطر.
إنّ نقطة الضعف في هذه الحراكات الشعبية وبشعاراتها السياسية الواعية والصريحة، تكمن بافتقارها إلى العنصر الضروري للتنظيم، الضامن لاستدامتها، لأسباب عدّة لسنا بواردها، نكتفي بالإشارة إلى أحد أهمها، وهو الطبيعة السلطوية أو النازعة إليها، للنظام الرسمي العربي بشكل عام، التي تحدّ من تمكين المواطن ممارسة دوره الحر في المساهمة بصناعة وتقرير مصير وطنه. إنّ افتقار الأنظمة العربية في جملتها إلى أقنية التواصل الديمقراطي بين الحاكم والشعب عَطَّل كثيراً من قدرة الحراكات الشعبية على التأثير في مسار حرب 7 أكتوبر، وتلك ظاهرة تحتاج المزيد من القراءة والدراسة والتأمل وصولاً إلى بناء المعادلات الصائبة والمستخلصات المفيدة.
رغم كل ذلك، فنحن نقدّر كل التحركات الشعبية الداعمة لشعبنا والرافضة للعدوان سواء على المستوى الدولي أو على المستوى العربي، ونخصّ بالذّكر الدول المغاربية وشعوب لبنان والعراق واليمن وسوريا ودعم إيران، كما نشكر جنوب إفريقيا على الدّعوى القضائية أمام محكمة العدل الدولية وندعو دول العالم إلى مواصلة الحراك القضائي والقانوني حتى بعد انتهاء العدوان بهدف عزل الكيان الصهيوني ووضعه أمام المحاكمة الدولية..