تحيي نساء العالم وتقدمييه ذكرى اليوم العالمي للمرأة تخليدا لمسار طويل ومعقّد ومرير من النضال والتضحيات التي خاضتها النساء ولا زلن من أجل إحقاق حقوقهن، وهو يوم تقوم فيه الحركة النسائية وأنصارها بتقييم المكاسب وضبط خطط التحرك لافتكاك الحقوق أو تحصينها وحمايتها في وجه كلّ وجوه التصفية والانتهاك والانتقاص.
يأتي اليوم العالمي للمرأة لهذا العام وحرب الإبادة النّازية تتواصل في فلسطين لتشرّد شعبها وتجوّعه وتقتله أمام شاشات التلفزيون، وبالطبع فإن نصيب المرأة هو الأفظع من حيث عدد الشهداء والجرحى والمشردين والجوعى، كما يستهدف العدوان الصهيوني جمهور النساء بأنواع من الأسلحة تطال أرحامهن وقدرتهنّ على الحمل والولادة حاضرا ومستقبلا بما يعكس الجوهر الحقيقي للصهيونيّة المعادية للإنسانية.
وفي بلادنا دأبت الحركة التقدّمية على إحياء يوم 8 مارس في عديد الفضاءات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعويّة، وقد انطبع إحياء الذكرى على العموم بالسّياق التاريخي والاجتماعي الذي عاشته تونس منذ عقود، فتحت حكم الدكتاتورية الدستورية كان التّركيز على فضح سياسة الديماغوجيا الحداثوية التي كانت تخفي أوضاعا مُزرية للنساء على المستويات الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن تواصل العقليّة الذكورية الأبويّة التي ظلّت تنهل من تمزّق خطاب السّلطة وممارستها بين النزعة الليبرالية والأخرى التقليدية، وهو وضع تواصل بعد الثورة مع تواصل نفس الخيارات سواء مع حركة النهضة التي حاولت مراجعة مكاسب النساء في مشروع دستورها الذي كانت تعمل على تمريره في المجلس التأسيسي، لولا هبّة نساء تونس وحرائرها وأحرارها الذين وجّهوا ضربة موجعة للمشروع الظلامي الذي كان يستهدف بلادنا وخاصة جماهير نسائها، سواء مع حركة نداء تونس، سليلة النظام المخلوع والتي استأنفت نفس منطقه في التعاطي مع حقوق النساء، فمن جهة هو يعتمد الخطاب الحداثوي، ومن جهة وضع كل الملفّات للمساومة مع حركة النهضة التي اقتسم معها الحكم. واليوم ها هي حقوق المرأة تعرف مخاطر الاستهداف الجدّي من قبل الشّعبوية الحاكمة ورأسها المعروف بمواقفه الرجعية والمحافظة التي عبّر عنها قبل بلوغه كرسي قرطاح وبعده، فهو رافض لمبدإ المساواة بين الجنسين مختفيا وراء نقاش مثقّفاتي يصطنع التّفريق بين المساواة والعدالة وينفي تلازمهما، ومختفيا وراء خطاب هووي ماضوي سلفي دون حتى ما بلغته القراءة المقاصدية العقلانية التي كان من رموزها الطاهر الحداد منذ قرابة القرن والذي وصل بها حدّ تأصيل حق المساواة في الإرث، فضلا عن حقوق التّمدرس والعمل والمشاركة في الحياة العامة.
ورغم هذه السّياقات وإكراهاتها وانعكاساتها، فإن صوت النساء لم يصمت رغم خضوعه لقانون التراجع والصعود. لقد شكّل صمود النساء ونضالهنّ صفعة للرجعيات بمختلف تسمياتها، وهو ما يشكّل اليوم ضمانة لعدم مجازفة الحاكم بأمره بمراجعة القوانين نحو الأسوأ، لكن ذلك لا يعفي قوى التقدّم نساءً ورجالًا من اليقظة، لا لحماية المكاسب فحسب، بل أيضا وأساسا لتطويرها وتجذيرها خاصة فيما يهمّ التّنصيص على مبدأ المساواة، والإمضاء على مجموعة الاتّفاقيات الدولية التي تهمّ أوجه من حقوق النساء، وبالتوازي مع ذلك التصدّي لكل الانتهاكات التي تطال النساء في الفضاء العام وفي فضاء العمل وخاصة منه في القطاع الفلاحي الذي مازال يحصد العاملات اللاتي تُنتهك حقوقهنّ الدُّنيا بما فيها الحقّ في النقل اللائق الذي يحفظ الكرامة. فضلا عن تعرّض جمهور النساء أكثر من رفاقهم الرجال إلى البطالة وتفاوت الأجور والطّرد التعسفي والإهانة بسبب الجنس (التحرش…) والتعرّض إلى التفقير والتهميش الذي ينهش النساء في المدينة والرّيف (التسوّل، الأعمال الهامشية مثل جمع القوارير، البغاء…).
إن نضالا عنيدا لا بدّ من بذله من قِبل كل القوى التقدمية من أجل تحسين ظروف النساء والاعتراف لهنّ بكل حقوقهنّ دون استنقاص.