نساء فلسطين… نساء غزّة
نصف السّماء… ونصف الأرض أيضا
بقلم حمّه الهمّامي
إذا كان ما يتعرّض له الشّعب الفلسطيني في غزّة من حرب إبادة على أيدي الغزاة الصّهاينة منذ السّابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، يفوق في فظاعته جرائم النازيّة، فإنّ ما يتعرّض له نساء غزّة، بسبب جنسهنّ، يفوق تلك الفظاعة مرّتين… نساء غزّة الأبيّات الصامدات المكافحات اللواتي يحملن السّلاح ويملأن الشّوارع احتجاجا ويخضن حربا شرسة ضد العدو، حرب النّسل، حرب الديمغرافيا التي تروّع الغاصب النّازي السّاعي إلى الإبادة وتغذّي حقده على نساء فلسطين… يزغردن كلّما ارتقت شهيدة أو شهيد ويلقين في المعركة بقادم أو قادمة جديدة… شعب لا يفنى لأنّ له “سيّدات الخصب” المتشبّثات بالأرض والحالمات بالخلود… شعب لا يفنى لأن له مقاومة لا تلين… تراكم وتتعلّم الدروس من التجارب وتزحف نحو الانتصار.
قرابة تسعة آلاف (9) شهيدة وآلاف المفقودات بالإضافة إلى ستّين ألف سيدّة حامل معرّضة للخطر لعدم توفّر الرعاية الصحّية… كلّ هذا دون ذكر المهددّات بالموت جوعا… كلّ هذا في مساحة من الأرض لا تتجاوز 360 كلم مربّع… مساحة من الأرض محاصرة برّا وجوّا وبحرا… أُلْقِيَ عليها أكثر من 70 ألف طن من المتفجّرات منذ 164 يوما أي ما يساوي 4 مرات ونصف قنبلة هيروشيما دون اعتبار تطوير فاعليّة القنابل منذ ذلك الوقت، مع علم أنّ مساحة مدينة هيروشيما تساوي مرّتين ونصف مساحة غزّة بينما تساوي محافظة هيروشيما ما يزيد على 23 مرة ونصف مساحة مقاطعة غزة.
في هذا اليوم العالمي للنساء، نساء غزّة، نساء فلسطين هن نصف السّماء ونصف الأرض أيضا… هنّ شرف الإنسانية… يستشهدن ويتعذّبن ويتألّمن ويقاومن… هنّ الشاهدات على وحشيّة الصهيونيّة التي تجاوزت وحشية النازية المروّعة، صهيونية غاصبة نشأت بالقتل وتربّت عليه وتمرّست فيه… وهنّ الشاهدات أيضا على وحشيّة الرأسماليّة الاحتكاريّة (الامبرياليّة) وفي مقدمتها رأس الحيّة، الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الرقم القياسي في المجازر عبر التاريخ: 100 مليون نسمة من السكان الأصليين أبيدوا في ظرف خمسة قرون على يد النازحين الأوروبيين نحو “العالم الجديد“، 35 مليون امرأة ورجل وطفل انتزعوا قسرا من إفريقيا ما بين القرن 16 والقرن 19 ليستعبدوا في العالم الجديد، 220 ألف فلبيني قتلوا في الحرب الأمريكية الفلبينية (1899-1902)، 214 ألف ضحية في هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين نوويتين (1945)، 3.5 مليون ضحية في الحرب الكورية التي دفعت إليها الإداريّة الأمريكية (1953)، 10 آلاف إعدام في إيران على إثر الانقلاب الذي نظمته واشنطن ولندن ضد حكومة مصدق (1953)، 4 ملايين ضحية فيتنامي في حرب ظالمة من أشنع الحروب الاستعمارية في التاريخ، 4.5 مليون ضحية (قتل مباشر أو غير مباشر بسبب الجوع والمرض والأوبئة الناجمة عن الحرب) منذ 2001 في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وليبيا والصومال وباكستان الخ… بالطبع لا يمكن مطلقا نسيان بقية جرائم الدول الاستعمارية الأخرى ومنها فرنسا التي خلفت في الجزائر مليون ونصف شهيد، والأبارتيد، في جنوب إفريقيا الذي أودى بحياة حوالي 300 ألف نسمة خلال أربعة عقود الخ… كل ذلك كي تحافظ الطغمة المالية الأمريكية ومثيلاتها المجرمة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا، على مصالحها في مختلف أنحاء العالم. إنّ هذه الطغم تتغذّى من دم الكادحات والكادحين، من دم الفقيرات والفقراء، من دم الشعوب الضعيفة والصغيرة. فلا يُسْتَغْرَبَنَّ من مصاصي الدماء وقوفهم اليوم إلى جانب وحوش النازية الصهيونية فهم أرباب القتلة من قبل… ثلاثة منهم، الأمريكي والأسترالي والكندي، قد سبقوا الصهيوني في قتل السكان الأصليين وتهجيرهم وتدمير حضارتهم لإقامة كيانات على جماجمهم.
إنّ نساء فلسطين وعلى رأسهنّ نساء غزّة هنّ اليوم بوصلة الضمير العالمي: لا يمكن لكائن ما كان أن يدّعي الإنسانية دون أن يحرّكه ما يجري في غزة من حرب إبادة تستعمل فيها كل أسلحة الوحشية بما فيها سلاح الجوع. إن نساء العالم الأبيات، المناضلات، لا يمكنهنّ أن يتحمّلن معنويا أكثر ممّا تحمّلن من حرب الإبادة هذه. لا بدّ من وضع حد لها… لا نسويّة حقيقية دون التصدّي للصهيوني النازي وشركائه وداعميه الامبرياليين ووضع حدّ لهذه الحرب… وعليه لا يمكن انتظار أيّة حركة من واشنطن ولا من باريس أو لندن أو برلين أو روما وهم الشركاء والداعمون، كما لا يمكن انتظار أيّة حركة من أذنابهم في المنطقة، الخونة، الأذلّاء، المطبّعين، فكلّهم، امبرياليّين وأذيالا، مع إبادة شعب فلسطين وقبر مقاومته ليتسنّى لهم تنفيذ مشاريعهم في المنطقة والعالم. كما لا يمكن انتظار أيّة حركة حاسمة من أصدقاء مزيّفين يحافظون على علاقتهم بالصهيوني ويمدّونه بالمواد الغذائية التي يحرم منها شعب غزّة…
إنّ الشّعوب هي التي تدافع عن الشّعوب. إنّ الشّعوب وحدها وفي مقدمتها حرائر العالم هي القادرة اليوم على وقف حرب الإبادة. فلتنتفض شعوب العالم وحرائرها بالقوة التي ترغم سفّاكي الدماء وأعداء الإنسانية على وقف الحرب ضد غزة وضد الشعب الفلسطيني عامة. وليكن ذلك ضمن مخطط عالمي وفي أسرع وقت ممكن. وليتحمّل الثوريون والتقدميون والحقوقيون والنقابيون والمثقفون والمبدعون ومحبّو السلام في مختلف أرجاء المعمورة من النساء والرجال مسؤوليتهم في ذلك… وإذا كانت شعوب العالم كلّه مدعوة إلى وضع حدّ لحرب الإبادة فمن باب أولى وأحرى أن تكون الشعوب العربية في المقدّمة… لكنّ شعوبنا، إذا استثنينا المقاومة الباسلة، الداعمة، في لبنان واليمن والعراق وسوريا، مدمّرة من أنظمة العار ومن سيّدها الامبريالي والصهيوني بفعل التطبيع السرّي والعلني بكافة أشكاله مع هذا العدو الغاصب… بعضها مزّقته الحروب الأهليّة… وبعضها الآخر يأكله القمع وينخره الفقر والبؤس وهو “غاطس” في مأساته اليومية… لكن هذا لا ينبغي أن يبرر استمرار الحالة فالنهوض ملّح وضروري وعلى النخب الثورية والوطنية ألّا تتوقف عن العمل على كسب معركة الوعي لتنهض بشعوبنا من جديد… ومن هنا إلى هبّة شعبية من المحيط إلى الخليج، إلى هبّة شعبية تكتسح العالم، المجد للمقاومة التي تسبح ضدّ التيّار وتصنع المعجزات وتمضي نحو النصر…
لنوقف حرب الإبادة الآن وهنا
الشعوب هي التي تدافع عن الشعوب
المجد للمقاومة
وفي النهاية إليكن يا غزّاويات ويا نساء فلسطين… يا مجدنا ويا شرفنا وعزّتنا في هذه الأيام الصعبة، أيام الاختبار العظيم، إليكنّ هذه الكلمات:
“حين ترتقي الشهيدة
ويرتقي الشهيدْ
ليسبحا في الأفق البعيدْ
وينعما هناك بالخلودْ
لا يُسمع بكاء أو عويل
في غزة الأبيّة
في القدس، في الخليل، في جينين
بل زغاريد أمّهات
وفصل من نشيدْ
أو “ترويدة“
“يا طالعين للجبل“
سيّدات الخصب هنا…
يعمّرن الأرضْ
وينشرن في كل شبرٍ
ثائرا جديدْ…
أيها الهمجي
اقتلْ…اقتلْ…اقتلْ
نحن هنا…
نبتة خضراء لا تبيدْ
بذرتها تجدّد الحيا(ة)
بلا انقطاعْ…
أيها الغبي…
“سخرت بأنّات شعب ضعيف
وكفّك مخضوبة من دماهْ
حذار فتحت الرماد اللّهيب
ومن يزرع الشّوك يجنِ الجراحْ“
تونس، في 8 مارس/آذار 2024