حاوره علي الجلولي
يعيش السودان من مدّة على وقع صراع عنيف بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع. كيف يقرأ حزبكم طبيعة هذا الصراع؟
إنّ الصراع الدموي العنيف المتمثّل في اندلاع الحرب بين طرفي اللجنة الأمنية لنظام البشير والإخوان المسلمين، وهو صراع حول السلطة وثروات البلاد، هو صراع مؤجّل منذ الانتصار المحدود الذي حقّقه شعبنا عبر إزاحة رأس النظام وفرض تراجع قيادات الإخوان إلى الصفوف الخلفية.
إنّ التحالف الذي قاد حركة الجماهير بتاريخ سبتمبر 2018 و2019 سواء عبر قوى الحريّة والتغيير أو تجمّع المهنيين حمل في داخله تناقضا مهمّا بين الثوريّين والإصلاحيّين على غرار المؤتمر الصّلحي وقيادات حزب الأمّة وهناك أطراف سياسية وعسكرية من الحركات المسلّحة ارتبطت بأطراف رجعيّة خاصة دولتي الإمارات ومصر، وإضافة إلى ذلك فقد لعب مندوبو الاتحاد الإفريقي دور الوسيط من أجل الوصول إلى شراكة بين القوى المدنيّة والعسكرية ممثّلا في اللجنة الأمنية التي تضمّ جنيرالات الجيش وقيادات الدعم السريع، ورغم أنّ مواقف قوى الحرية والتغيير قد اتّفق عليها في كلّ المواثيق التي توصّلنا إليها نهاية سنة 2018 وبداية 2019 كانت واضحة عبر أن تكون السلطة كاملة للمدنيّين وتنحّي كامل قيادات ورموز الإخوان والعسكريين لكنّ تخاذل بعض قيادات قوى الحرية والتغيير أدّى إلى سيطرة القوى العسكرية في السلطة.
من المؤكد أن وراء قطبي الصراع قوى إقليمية ودولية. ما هي هذه القوى وما هي مصالحها في السودان؟
إنّ الصراع متمثّل بالأساس حول موارد وثروات البلاد ومن يتحكّم في ذلك، وكان لدولة الإمارات والسعودية مصالح واضحة أثناء نظام المخلوع عمر البشير حيث استغلوا آلاف “الفدّانات” من الأراضي والمواشي وأطماعهم في حصص السودان في نهر النّيل وسدّ النهضة، وكانت مواقف هذه الدول دائما مع الأنظمة الديكتاتورية في السودان، وإنّ كل هذا على علاقة بمصالح الدول ومن يرعى هذه المصالح بالسّودان، ولذلك وقفت الإمارات ومعها روسيا إلى جانب قوات الدعم السريع وافتكّت المناجم وصناعة الذهب، وأيضا تدخّلت مصر لحماية قادة الجيش والمخابرات واحتضانهم وأمام الضغط الأمريكي وتعنّت الإخوان المسلمين في السّودان تراجعت مصر عن هذا الموقف وحلّ محلّها تحالف جديد يضمّ بين تركيا وإيران والتي تدعمان حركة الإخوان المسلمين العالمية.
الصراع المسلّح لم يحسم وغير واضح إن كان سيحسم قريبا لصالح أحد الطرفين. كيف تستقرؤون اتّجاه تطور الأوضاع على المدى القريب والبعيد؟
نحن نعتبر أن هذه الحرب عبثيّة وتسير في طريق مغلق ودائري والجميع سيخسر وبشكل خاص الشعب والوطن وإنّ وقف الحرب ليس مرتبطا بالطرفين المتحاربين بل بمن يقف خلفهما، وأمام انقسام المجتمع الإقليمي والدولي المتعلقة بحماية المصالح فإنّ الحرب مستمرّة وسيدفع ثمنها المواطن السوداني.
توجّه الحزب الشيوعي بمبادرات وعديد النّداءات لكن إثرها في واقع الأزمة ظلّ منعدما. ما هي رؤيتكم للخروج من الوضع الحالي؟
إنّ موقف الحزب يتمثّل في الدّعوة إلى بناء جبهة جماهيرية عريضة المعتمدة على القواعد الشعبيّة وينعكس صداها بين الحزب ولجان المقاومة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وبعض القوى السياسية ومعسكرات اللاجئين في دارفور، لقد قطعنا شوطا في التعاون المشترك مع لجان المقاومة وذلك عبر توسيع الحوار وإشراك كلّ القوى الحيّة التي لا تقف فقط من أجل إنهاء الحرب بل التي تناضل من أجل بناء سلطة مدنية ديمقراطية كاملة وتحيل كلّ من أجرم في حقّ الشعب إلى محاكم عادلة.
مقابل مسار جدّة المعطّل، برزت مؤخّرا في أثيوبيا مبادرة يتزعمها عبد الله حمدوك. كيف تقيّمونها وما هي حظوظ تنفيذها؟
بعد فشل مسار جدّة، برزت عدّة مبادرات كلّها فشلت في الوصول إلى تنفيذ الحدّ الأدنى لوقف الحرب وإيجاد مسارات آمنة من أجل دخول المساعدات الإنسانية، وحتّى قرار مجلس الأمن الأخير لم يجد طريقه إلى التنفيذ بسبب انقسام المصالح الإقليمية والدولية في السودان. وإنّ تقديم عبد الله حمدوك الذي أحرقت أوراقه عبر قبوله برئاسة مجلس الوزراء مرّة أخرى عقب انقلاب 25 أكتوبر 2022 يؤكّد السّير في نفس الطريق القديم. ولا يمكن الوصول إلى حلّ جذري دون تمثيل كل القوى الحيّة التي تناضل داخل البلاد.
في ظلّ التناحر الحالي وتبعاته المدمّرة على حاضر السودان ومستقبله. ما هو موقع النظام المخلوع والحركة الإخوانية من الصراع الحالي؟
إنّ حركة الإخوان المسلمين السّودانية هي سبب كلّ الكوارث التي يعيشها شعبنا منذ الانقلاب الذي حدث سنة 1989، وهذه الحركة ترفع شعار “إمّا مشاركتهم في الحكم وإمّا هدم المعبد بما فيه”، ولها سيطرة قويّة على جنيرالات الجيش والضبْاط والدّعم السريع.
الحركة التقدمية العربية والعالمية منشغلة كلّيا بالعدوان الصهيوني على فلسطين، ولم ينشغل بملف السودان تقريبا أي أحد. ماهي رسالتكم إلى الشعوب والقوى التقدمية؟
نحن نتفهم الحركة التقدمية العربية والعالمية واهتمامهم بالعدوان الصهيوني وحرب الإبادة في غزّة ومحاولات احتلال الضفة الغربية مجدّدا من قِبل الكيان الصهيوني، ونحن عبر هذا المنبر نعلن عن تضامنا المطلق مع الشعب الفلسطيني من اجل دحر العدوان، ولكن نحن نتمتّع بحيّز لا بأس به من التضامن الإقليمي والعالمي سواء من حركة التحرر الوطني العربية والإفريقية أو الأحزاب الشيوعية والثورية والتقدمية، ونحن نعتبر أنّ أيّ انتصار لشعبنا سيساهم في انتصار الشعب الفلسطيني وأيّ انتصار للشعب الفلسطيني سيساهم في انتصار حركات التحرّر العربية.
في ظلّ واقع الحرب القاسية، كيف يمارس الحزب الشيوعي السوداني مهمّاته خاصة في المناطق الأكثر دمارا وعنفا؟
إنّ حزبنا يناضل في ظلّ ظروف صعبة للغاية، فحزبنا هو العدوّ الأساسي لطرفي الحرب، وتتعرّض كوادر حزبنا ورجال المقاومة إلى الاعتقالات المستمرّة من قبل الاستخبارات التابعة لجنيرالات الجيش، كما يعاني حزبنا من مليشيات “الدّعم السريع” ومثل ذلك حيثيات اعتقال الرفيق هيثم باب الله الصحفي بجريدة الميدان إلى اليوم يعطي مثالا واضحا للوضع العام. ولكن ورغم ذلك فقد استطاعت قيادة الحزب من استعادة نشاطها السياسي الذي يساهم بشكل منتظم في بناء المكاتب المركزية والفروع والاستمرار في النضال المشترك مع القوى الحية وتعبئة الجماهير وتنظيمها للإعلان عن الإضراب العام والعصيان المدني بغاية بناء سلطة مدنية ديمقراطية.