يحيي أحرار العالم يوم 30 مارس ذكرى يوم الأرض، وهو تخليد لأحداث نهاية مارس 1976 حين قامت سلطات الاحتلال بمصادرة آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية والسكنيّة وهو ما واجهه أصحاب الأرض بكلّ بسالة وشجاعة من خلال مواجهات قابلت بين أصحاب الأرض العزّل وجيش الاحتلال ممّا أدّى إلى سقوط عشرات الشّهداء. ولئن خلّد الشعب الفلسطيني وأصدقائه ذكرى هذه الأحداث الدّامية باعتبارها يوما للدفاع عن الأرض، فإن كلّ أيام السنة عند الفلسطينيّين هي أيام للأرض، أيام انتزاع واغتصاب وافتكاك وتهويد وتدمير من جهة، ودفاع وتشبّث واستماتة وربط للأرض بالعرض والهويّة والشّرف من الجهة المقابلة.
لقد كانت الأرض ولازالت جوهر الصراع في فلسطين المحتلّة. فمنذ قيام المشروع الصهيوني استهدف أرض الفلسطينيّين، وتشكّلت “الوكالة اليهودية” لجمع المال والتّمويل للهجرة واشتراء الأرض، وتشكّلت العصابات المسلّحة لانتزاع الأرض وتهجير أصحابها. وقامت الدولة الصهيونية على أرضٍ هُجّر شعبها وشرّد، وحتى الاتّفاقات التي أمضتها الصهيونية مع الجناح التّفريطي في منظمة التحرير الفلسطينية يتمّ وأدها منذ لحظة إمضائها بفعل التوسّع والاستيطان الذي حوّل مشروع الدولة الفلسطينية كما يتصوره الصهاينة والامبرياليون إلى مجرّد كنتونات منفصلة ومحاطة بجحافل قطعان المستوطنين.
ويأتي يوم الأرض لهذا العام على وقع حرب إبادة شرسة يخوضها الكيان المحتلّ على فلسطين في غزّة والضفة الغربيّة والدّاخل المحتل، حرب تدمير للبشر والحجر والشّجر، فأحياء كاملة وقرى سُوِّيت بالأرض، هذه الأرض التي مازالت تحتضن في جوفها وفوقها مسالك خبرها مقاتلون أشاوس شكّل صمودهم أسطورة تضاف إلى سرديّة الإعجاز الفلسطيني، أرض فلسطين في غزّة الشّموخ لازالت تتيح الكلمة للبندقية المقاومة التي ترسم يوميّا صورا تجسّد عدالة القضية التي لن يمحوها كل إرهاب الكيان المحتل الذي جمع بين دفّتية كلّ الإرهاب الذي مُورس في تاريخ بربريّة البشر.
تأتي ذكرى يوم الأرض وشعب فلسطين يحوز كلّ التعاطف والإسناد من شعوب العالم وقِواه الحرّة، يأتي وقد بدأت بعض حكومات رأس المال تعديل موقفها تحت ضغط الأحرار الذين ملؤوا الدنيا ضجيجا ضدّ الغطرسة والوحشيّة الصهيونية. فقط حكام العرب لم تتحرّك لهم قصبة ولا شعرة الحياء رغم أنّ ما يجري حولهم وعلى بضعة أمتار من كراسي حكمهم. فالعلاقات مع الكيان لازالت قائمة ولم تغلق أيّ سفارة للعدو إلاّ في جنوب إفريقيا وكولومبيا والشيلي، لكن علمها لازال يرفرف في سماء القاهرة وعمان والرباط. وعديدة هي المؤسّسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية التي رفعت القضايا واتخذت الإجراءات ضدّ المحتل، وحدها الأنظمة العربية على طول الوطن العربي وعرضه تواصل التواطؤ والصمت المخزي والذليل وتقديم فروض الولاء والطاعة للامبريالية والصهيونية من خلال إيقاف الأحرار (الأردن) أو إحالتهم على المحاكم (المغرب) أو الاعتداء عليهم في الشارع (مصر). أما الأنظمة التي آثرت المغالطة والخطب الجوفاء فقد كشفت الأيام والأحداث زيف دعاويه مثل قيس سعيد الذي غالط السُّذّج بترديد شعار “التطبيع خيانة”، لكنه تدخّل شخصيا لإيقاف النظر في مشروع قانون لتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني بدعوى أن إصدار هذا القانون يحمل مخاطر على مصالح تونس الخارجية، وهكذا زال الوهم إلا عند التّبّع والواهمين.
لقد بان للمرّة الألف أنّ حليف شعب فلسطين ليس سوى الشعوب والقوى الحرّة، وبعض الأنظمة الوطنية المنتخبة من شعوبها. كما بان أيضا أنه لا حلّ للقضية إلّا عبر فوهة البندقية المقاتلة حاملة مشروع التحرير، تحرير الأرض كل الأرض من البحر إلى النهر، وليس تقسيمها أو الاستنقاص منها مع محتلّها ومغتصبها.
لقد أسقطت حرب الإبادة وملحمة طوفان الأقصى كل الورقات البالية وقبرت إلى الأبد روح الهزيمة والاستسلام وأحْيت روح المقاومة الوطنية وعلى رأسها الكفاح المسلّح، كما ألغت وهم الدولتين، دولة المحتلّ كاملة السّيطرة، ودولة أهل الأرض عديمة السّيادة. لقد عزّزت الحرب الغاشمة خيار الحلّ الجذري للقضيّة متمثّلا في أنّه لا سلام ولا تحرّر لفلسطين ولشعوب المنطقة وللعالم إلاّ بتفكيك دولة الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية على كامل أرض فلسطين، الدولة الديمقراطية العلمانية وعاصمتها القدس، دولة كلّ مواطنيها من كلّ الديانات، لا وجود فيها للمحتلّين والغُزاة الذين يجب عودتهم إلى ديارهم في بلدانهم الأصلية، كما يجب عودة شعب فلسطين من كلّ أماكن اللجوء والشتات إلى أرضه المحرّرة.
ونحن نحيي ذكرى يوم الأرض نردّد مع أشقّائنا من شعب الجبّارين ومع رفاقنا في كلّ العالم، الأرض كل الأرض من البحر إلى النهر.
العزة لفلسطين
المجد للشهداء
النصر للمقاومة