بقلم منذر خلفاوي
تعتبر السنغال من البلدان الإفريقية ذات أهمية استراتيجية وسياسية واقتصادية بالنسبة إلى الامبريالية الفرنسية. فهي بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا، إذ تنتج الزركون والبترول والغاز والليتيوم… الخ. وهي تحتضن البنك المركزي لغرب إفريقيا برأسمال يقدر بـ26%، مقابل 40% لساحل العاج. وفي المقابل يعاني الشعب الخصاصة والحرمان إذ تمسّ البطالة 20% من الشباب وتمثل نسبة الفقر 36% وتذهب 36% من الصادرات لتسديد الديون.
تداول على الحكم منذ سنة 1960 أربعة حكام موالين لفرنسا بدءً بصاحب نظام الحزب الواحد “ليوبولد سنغور” وصولا إلى الرئيس المستبد والدموي المنتهي ولايته “ماكي صال” 2012- 2024 الذي قام بانقلاب دستوري في 3 فيفري لهذه السنة بهدف تأجيل الانتخابات المقرّرة بعد ثلاثة أسابيع والتمديد لولاية أخرى علما أنه كان قد زجّ بمعارضيه بالسجون، الشيء الذي أدّى إلى المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي أغرقها في الدم وسقوط ضحايا في مناسبات عديدة 2021 و2023 خاصة في أوساط الشباب. فأغلقت المدارس والكليات لفترات طويلة وهي تحركات شعبية تأتي في سياق موجة العداء لفرنسا وحصول انقلابات عسكرية في عديد البلدان الإفريقية الغربية التي أزاحت القواعد العسكرية وقطعت علاقاتها مع فرنسا على غرار مالي وبوركينا فاسو… وهي احتجاجات غذّتها كذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية وتنامي الفساد. ومن بين الأهداف والمطالب المرفوعة “لا للفقر، لا للبطالة، لا للقواعد العسكرية بالسنغال، لا للعملة الفرنسية الإفريقية” بما يعني “ديقاج فرنسا”.
أهمية النضال والصراع الطبقي في الانتخابات
إنّ الديمقراطية الاستعمارية الجديدة في السنغال لا تختلف عن غيرها في البلدان الإفريقية التي تحافظ على مصالح الامبريالية الفرنسية وعملائها من الحكام المحلّيين الذين لا يترددون في عدم احترام قوانينهم التي وضعوها بأنفسهم لتأبيد سيطرتهم.
عاشت السنغال بداية من سنة 2000 وخلافا للفترة الرئاسية الأولى مع سنغور الاضطرابات برفض الرئيس الثاني عبده ضيوف ومن أتى بعده تسليم السلطة واحترام الدستور ليصبح التداول لا يتمّ بصفة سلسة وقانونية بل يتدخل الشعب في كل مرة عبر التحركات في الشوارع لمساندة مرشحا من المعارضة البرجوازية مثل الرئيسين “عبد الله واد” و”ماكي صال” متوهما التغيير الإيجابي في أوضاعه المعيشية ليكتشف بمرور الوقت تواصل نظام التبعية والفساد والاستبداد مع الحاكم الجديد الذي يتنكّر لوعوده الانتخابية ويحافظ على نفس منظومة التجويع والعمالة والاستبداد بدعم من القوى الاستعمارية.
سعى العميل “ماكي صال” بدعم فرنسي أمريكي إلى تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى وقمع المعارضة في البرلمان. لكن خروج الجماهير الشعبية للتظاهر والمطالبة باحترام الآجال فرض عليه الركوع أمام إرادة الشعب السينغالي وتمت الدعوة إلى الانتخابات يوم 24 مارس الفارط. كما تمّ إطلاق سراح سجناء الرأي وتمكّن حزب “الوطنيون الأفارقة بالسنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوّة” من تقديم مرشحا عنه رغم حرمان ممثله “عثمان صونكو” من الترشح بفعل حظر الحزب الذي يمثل الشرائح العليا للبرجوازية الصغيرة. وقد حاز ثقة الشعب بتبنّيه الشعارات الوطنية والديمقراطية حول سيادة السنغال وضد الفساد…
لقد فاز مرشح الحزب “ديوماي فاي” الذي أُطلق سراحه قبل عشرة أيام من الموعد، بالانتخابات منذ الدور الأول بنسة 54.28% وبذلك برهن الشعب السينغالي على قوة إرادته وتحقيق رغبته في التخلص من الاستبداد وهي محطة مهمة على طريق التحرر والتخلص من التبعية للتمتع بخيرات بلاده. وما على القوى الثورية سوى الربط بالجماهير العمالية والشعبية وإقامة الديمقراطية الشعبية والاستقلال الفعلي عن الامبرياليات المتربصة بالبلاد.