- شنّت إيران ليلة البارحة غارة بالمسيّرات والصّواريخ على أهداف في الكيان الصهيوني. وقد جاءت هذه الغارة ردّا على هجوم الكيان، قبل حوالي أسبوعين، على القنصلية الإيرانية في دمشق. وكان ذهب ضحيّة هذا الهجوم مسؤولون إيرانيون كانوا متواجدين بالقنصليّة من بينهم مستشار عسكري، محمّد رضا زاهدي، برتبة جنرال. وقد أفشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون كلّ محاولة لإدانة هذا العمل الإرهابي الذي ينتهك السيادة السورية والإيرانيّة معا. وحسب المصادر الصهيونيّة نفسها فإنّ عددا من المسيّرات والصواريخ الإيرانية تمكّنت من اختراق الدّرع الدفاعي الذي أقامه الصهاينة والأمريكان والبريطانيّون وعملاؤهم من العرب المتصهينين في الخليج والأردن، وإصابة بعض الأهداف. ولا أحد بإمكانه تصوّر ما سيحدث من خطوات تصعيديّة قد يرتكبها الكيان الفاشستي وداعموه الغربيون في الساعات والأيام القادمة وما يمكن أن ينجرّ عن ذلك من توسيع دائرة الحرب التي قد تتحوّل في أيّة لحظة إلى حرب كونيّة.
- إنّ حزب العمال يعتبر أن الولايات المتحدة هي المسؤول الأوّل عن هذه التطورات الخطيرة التي تهدّد بحريق في المنطقة لأنها هي التي ما انفكّت تدعم عسكريا وسياسيّا وإعلاميّا ودبلوماسيّا حرب الإبادة التي يشنّها الكيان ضدّ الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستة أشهر وتغطّي اعتداءاته على بلدان المنطقة وانتهاكه للقوانين الدولية والإنسانيّة وتعترض على أيّ دعوة لوقف هذه الحرب وهذه الاعتداءات وتنشر بوارجها الحربية لمنع أي دعم للشعب الفلسطيني بما في ذلك إيصال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة المحاصرين برّا وبحرا وجوّا، بلا غذاء ولا ماء ولا دواء، ممّا أدّى إلى استشهاد أكثر من 33 ألف فلسطينيا وفلسطينية معظمهم من النساء والأطفال وإصابة أكثر من 76 ألف آخرين عدا عشرات الآلاف من المفقودين تحت الأنقاض والدّمار الذي حلّ بالمساكن والمستشفيات والمساجد.
- إنّ مجريات حرب الإبادة التي تستهدف الشعب الفلسطيني وصمود مقاومته الأسطوريّة ما انفكّت تبيّن أن الكيان الصهيوني “نمِرٌ مِنْ ورَق“، لا يساوي شيئا في النهاية دون دعم الامبريالية الأمريكية وحلفائها البريطانيّين والفرنسيّين الذين يمثّل أداتهم وقاعدتهم المتقدّمة في المنطقة. لقد عجز عن القضاء على المقاومة في غزّة والضفّة رغم ترسانته الحربية المتطوّرة ورغم الدّعم الذي يتلقّاه من حُماته بالسّلاح والمال والاستخبار. وإلى ذلك، فما كان لهذا الكيان أن يواجه الردّ الإيراني ليلة أمس ويقلّل من خسائره دون مشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في اعتراض المسيّرات والصواريخ التي سقط العديد منها في أراضٍ عربيّة تأوي قواعد عسكرية لهاتين القوّتين. وهو ما يعني أنّ أحد أهم شروط إسقاط الكيان الصهيوني هو إضعاف الوجود الاستعماري الأمريكي–الغربي في المنطقة لإفقاده الدّرع الذي يوفّر له الحماية ويسمح له بالبقاء.
- ولكن الامبريالي الأمريكي الغربي والصهيوني ما كان لهما أن يُعرْبدا بهذا الشكل ويُطِيلا حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني دون تواطؤ الأنظمة العربية المتصهينة كما أشرنا إلى ذلك. لقد بيّنت هذه الحرب إلى أيّ درجة يمكن أن يصل الغدر والعمالة والوقاحة بهذه الأنظمة التي لم يبق لها ما تخفي. فهي فاقدة للسّيادة على أراضيها التي تُستعمل قواعد ومحطات انطلاق للعدوان في المنطقة بل هي تمثّل طوقا لحماية الكيان الصهيوني ومساعدته على إبادة الشعب الفلسطيني. لقد بيّنت مُجريات العدوان على الشعب الفلسطيني خلال الأشهر الأخيرة وتواطؤ أنظمة العمالة العربية مع الحلف الامبريالي الصهيوني أنّ المواجهة القائمة لا هي دينية ولا هي طائفية، كما تروّج أبواق العمالة لإثارة شعوب المنطقة بعضها ضدّ بعض، وإنّما هي مواجهة سياسية بين عملاء الحلف الامبريالي–الصهيوني وبين أعدائه أو معارضيه.
- إنّ “سنّية” النظام المصري والأردني وأنظمة الخليج لم تمنعها من التشفّي في الشعب الفلسطيني ذي الأغلبيّة المسلمة “السنّية” ومن تقديم العون السياسي والعسكري والدبلوماسي للكيان النازي وتسخير أراضيها له وللإمبريالي الأمريكي –الغربي لإبادة الشعب الفلسطيني أو الاعتداء على الدّول المجاورة. وهو ما يمكن أن يقال عن النظام التركي ودول إسلامية أخرى وعديد التنظيمات التي تقاسم في الظاهر حركة حماس نفس التوجّه الأيديولوجي لكنّها لا تفعل شيئا ملموسا لنصرة الشعب الفلسطيني ولا تقطع حتى علاقاتها بالكيان الغاصب ولا تُوقف تعاملاتها المالية والتجارية معه. وهو ما يؤكّد أنّ أكبر مساعدة للشّعب الفلسطيني في حربه التّحرّريّة من أجل استعادة أرضه من النّهر إلى البحر، هي تولّي الشّعوب العربيّة بشكل خاص وشعوب المنطقة بشكل عام كنس أنظمتها الرّجعية والعميلة والقضاء على كافة مظاهر الهيمنة الأجنبيّة وإقامة أنظمة وطنيّة ديمقراطية على أنقاضها وبشكل مباشر ملأ الشوارع لغلق سفارات العدوّ الصهيوني الأمريكي والقضاء على كافة أشكال التطبيع والمطالبة بوقف حرب الإبادة فورا ورجوع النازحين إلى غزّة وفتح المعابر لإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.
- إنّ ما يجري اليوم في المنطقة من حرب إبادة ضدّ الشعب الفلسطيني ومن عربدة صهيونية تطال بلدان المنطقة ومن حضور امبريالي أمريكي–غربي لحماية هذا الكيان وتوفير الظروف له لكي يستمرّ في جرائمه لا يمثل خطرا على شعوب المنطقة فحسب وإنما على جميع شعوب العالم. إن منطقة الشرق الأوسط تمثل واحدة من بؤر ثلاث (الشرق الأوسط، أوكرانيا، بحر الصين) مرشحة أكثر من غيرها لأن تكون مسرح اندلاع حرب يمكن أن تتحوّل بسرعة إلى حرب كونيّة جديدة تقضي على الوجود الإنساني. وفي كل هذه البؤر نجد الامبريالي الأمريكي هو المحرّك، كما نجد إلى جانبه الامبريالي البريطاني والفرنسي والألماني. وكلّهم خائف على مصالحه من منافسة القوى الصاعدة أو العائدة من أجل إعادة اقتسام مناطق النفوذ والأسواق والمواقع الاستراتيجية في العالم. وأمام مخاطر اندلاع مواجهة كونيّة لا يوجد إلّا طريق واحد وهو تحالف شعوب العالم ضدّ قوى الاستعمار والحرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية المتهاوية دون السقوط في أحضان أيّة قوّة أخرى بأيّ ذريعة كانت. إن الشعوب وقواها الحيّة هي وحدها القادرة اليوم على وقف حرب الإبادة في فلسطين ووضع حد للعربدة الصهيو–أمريكية–غربية والحيلولة دون اتّساع رقعة الحرب وتحوّلها إلى مواجهة إقليمية وربّما عالميّة.
- إن القوى الوطنية والثورية والتقدمية في تونس من واجبها ألّا تتخلّف عن دورها في توضيح الرؤية أمام الشعب التونسي حتى يتحمّل مسؤوليته في دعم الشعب الفلسطيني والمساهمة في الضغط من أجل وضع حدٍّ لحرب الإبادة كهدف مباشر وملحّ وتجريم كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وهو ما يرفضه نظام سعيّد الشعبوي ويصمت عليه مساندوه من بعض التيارات التي تدّعي الثورية أو القومية. وكما أوضحنا فمن المهمّ التصدّي لكل محاولات تلويث الوعي الشعبي بذرائع أيديولوجية أو طائفية. إن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية وهو ما يعني أنها تجمّع في صفوفها كافة الفلسطينيين، عدا قلّة قليلة منهم باعت نفسها للعدو، بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية ونزعاتهم الفكرية والسياسية من أجل تحرير وطنهم. ومن ثمّة فإن المسألة الحاسمة في هذه المرحلة للفرز بين مختلف القوى تبقى المسألة الوطنية.
- كذلك الأمر بالنسبة إلى صراع القوى في المنطقة، فهو ليس صراعا طائفيّا بين سنّة وشيعة كما يحاول أن يصوّر ذلك العدو الامبريالي الصهيوني الرجعي العربي لخلق تحالف عدواني ضدّ إيران، وإنما هو صراع بين الشعوب من جهة وهذا العدو من جهة ثانية. إن الصهيوني الذي اعتدي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو أمر محجّر دوليّا ويعتبر انتهاكا لأرض الدولة المعنيّة وللأراضي السوريّة، لا يفعل ذلك لأن إيران “شيعية” أو نصرة للسنّة، وإنّما لأن إيران لا تأتمر بأوامر “الصهيو–أمريكي” ولها معه تناقضات وتقدّم السّلاح إلى المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنيّة التي لم تجد ذلك السلاح من أنظمة “السنّة” التي تتآمر عليها وتتواطأ مع عدوّها وتقف إلى جانبه لأن مصالحها مرتبطة عضويا بمصالحه. وممّا يؤكّد أيضا أن المسألة سياسية وليست دينية فإن إيران ما قبل ثورة 1979 الشعبية، أي في زمن الشاه، كانت قاعدة من قواعد الامبريالية الأمريكية والغربية عامة وعدوّا لدودا لقضايا التحرر الوطني في المنطقة بدْءً بالقضية الفلسطينية وحليفا أساسيا للكيان الصهيوني. وهو ما ينبغي إدراكه حتى لا يقع المرء في لعبة هذا العدو ويصبح من أعوانه. وبالطبع فإن ذلك لا يعني التحول إلى مساند لمشاريع النظام الإيراني وأطماعه الإقليمية ولا مؤيّد لسياساته الدّاخلية، ولكن من المهمّ في هذا الوضع المعقّد أن تكون للقوى الوطنية والثورية والشعوب أولويّاتها وأن تعرف كيف تتصرّف حتى لا تخطئ في حساباتها وتتحوّل من حيث لا تدري إلى احتياطيّ للعدو الصهيو–امبريالي والرجعي العربي–الإسلامي الذي يتواطأ معه ويخدم أهدافه ومشاريعه المعادية للشعوب.
حزب العمال
تونس، في 14 أفريل 2024