يصدر هذا العدد من جريدتنا وقد أحيى أحرار العالم يوم الأربعاء 17 أفريل “يوم الأسير الفلسطيني” الذي تزامن إحيائه هذا العام مع تواصل العدوان الصهيوني وحرب الإبادة الوحشيّة على الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة الصامد والمقاوم. خرج الأحرار في العالم لينبّهوا إلى المنسيّين في معتقلات الكيان المحتل أين يتعرّض 9500 أسيرا إلى شتّى أصناف التنكيل، بمن فيهم 600 محكومين بالسجن المؤبّد، و80 أسيرة و200 طفلا حسب آخر الإحصائيات التي تُحيّن يوميا مع تزايد الأسر اليومي للفلسطينيّين في غزّة والضفة والقدس وأراضي 48.
ومنذ 7 أكتوبر يُعزل الأسرى كلّيًّا وتمنع عائلاتهم ومحاميهم من مقابلتهم، فيما يتعرّض الأسرى أصيلي قطاع غزّة إلى العزل عن بقية رفاقهم في أماكن سرّية وغير معلومة، وقد قضى في المدّة الأخيرة عدد من الأسرى بسبب التجويع والإهمال الصحّي مثلما حدث مع عميد الأسرى وليد دقة الذي قضى أربعين عاما في الأسر ولم يبقى من محكوميته إلا بضعة أشهر.
إن قضية الأسرى تلخّص قضية فلسطين شعبا وأرضا. إنها الوجه الآخر للمعاناة والصمود والبطولة، ولقد شكّلت الحركة الوطنية الأسيرة ضلعا رئيسيّا في حركة التحرّر الوطني الفلسطينية، فالأسر استقطب منذ 1967 أكثر من مليون أسير نحتوا ملاحم ساهمت في صياغة الهويّة الثوريّة للإنسان الفلسطيني الذي يحوز اليوم إعجاب العالم، لا بفعل صبره وصموده وحسب، بل أيضا بقدرته الخارقة الأسطوريّة على تذليل كل الصعوبات، إنه يُذيب الحديد بيديه.
إن ستّة أشهر من العدوان الهمجي غير المسبوق والتي ألغت فيها آلة الحرب الصهيونية كلّ مظاهر الحياة إلا إرادة البشر، ففوهات بنادق المقاومين لم تتوقّف لحظة، ورغم التجويع والموت فلم يكف الطفل كما العجوز والشاب عن الضحك وتوزيع الحلوى يوم العيد. لقد تحوّل الفلسطيني لا إلى أيقونة للثورة فحسب بل إلى ظاهرة ثورية عابرة للتاريخ ونموذجا للتحدي وللإرادة الإنسانية التي لا تؤمن بالمستحيل ولا تراه.
إن إرادة الشعب الفلسطيني تتحدّى كلّ عوامل الإرباك المحيطة، فحكومة عبّاس وأجهزته تلقي القبض والرصاص على الأحرار، ونظام العمالة الأردني يعترض المسيّرات الإيرانية المتّجهة لدكّ الكيان، ونظام السيسي يقفل معبر رفح أمام البشر والدّواء والأكل الذي فسد في الطّوابير، وأنظمة الإمارات والسعودية والأردن تنظّم خطّ إمدادٍ برّي للكيان، ونظام قيس سعيد يواصل الخُطب الرنّانة ويمنع إصدار قانون لتجريم التطبيع مع العدو، ويستقبل “جورجيا ميلوني” صديقة العدوّ وأحد أهم مساندي العدوان، ويمضي معها اتفاقات تعمّق التبعيّة ولعب دور الحارس لحدودها البحرية ولا ينبس ببنت شفة عن فلسطين التي تلاعب بمشاعر التونسيين تجاهها للتصويت له حين قال في حملته الانتخابية أن “التطبيع خيانة”. ولم ينتبه كثيرون حين قلنا لحظتها أنه يتهرّب من الالتزام بتجريم التطبيع.
إنّ بلادنا تغرق في مزيد التأزّم بفعل سياسات لاوطنية ولا شعبية ظلّت سائدة منذ عقود، وحده النموذج الفلسطيني يمكن أن يشكّل مثالا للاحتذاء كمثالٍ للصّمود والقدرة على تحويل العوائق إلى منطلقات لفعلٍ أكثر جذرية. إنّ الطريق الأقصر لتغيير أوضاع شعبنا وبلادنا هو النضال ومزيد النضال لتقريب ساعة تحقيق أهداف شعبنا في التحرّر والسيادة، وليكن الأسير الفلسطيني نموذجنا في هذا الدّرب النّضالي الشّائك. فأمريكا تدير العدوان وتودّ التحكّم في بعض منعرجاته ونسقه وفق مصالحها التّي تتجاوز بطبيعة الحال حماية الدّور الوظيفي للكيان على أهميته الكبيرة ليشمل رعاية مصالح الإمبراطورية الكبيرة بالوطن العربي وتحديدا مشرقه في حين أنّ حكومة “نتانياهو” نتيجة أسباب سياسية، فيها ما هو شخصي وعوامل أخرى (السطوة الكبيرة للصهيونية المتطرفة، العقلية الإنتقامية الخ…)، تدفع مقود الحرب نحو رعونة كبيرة واستخفافٍ متزايد يحصر المكاسب في حدود مصالح الكيان وبعض الإنجازات التكتيكيّة القابلة بسرعة إلى الزّوال والاندثار.