الرفيق أنور، حين تستحضر تجربة 17 سنة من الأسر في المعتقلات الصهيونية. ماذا يمكن أن تقول؟
الرفاق الأحرار في تونس الخضراء.. القيمون على نشاط الإسناد والدعم لأسرانا الأبطال داخل المعتقلات الصهيونية.. ألف تحية لكم وشكرا في يوم الأسير الفلسطيني.
إن تجربة الاعتقال بشكل عام هي من أصعب التجارب التي يمرّ بها الإنسان.. وربما كثيرا ما يفضّل عليها الاستشهاد أو وضع حدّ لحياته.. لولا عظمة ووعي القضية التي يحملها كل أسير.. والأمل المنغرس داخله بالحرية والذي يكبر معه على مدار أيام وسنين الأسر مهما طالت أو قصرت.. إضافة إلى انصهار الفرد بالجماعة المناضلة واحتضان الجماعة الواعية للفرد..
وهذا ما اختبره وكرّسه أبطال الرّعيل الأول من الأسرى.. الذين بنو اللبنات الأولى للحركة الوطنية الأسيرة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي وبداية السبعينيات.
لذلك فأوّل ما أفكّر فيه عند استذكار الـ6000 يوم في الأسر هو فضل أولئك القادة علينا كرعيل ثاني دخلنا الأسر بعد عملية تبادل النورس الكبرى عام 1985 والتي أدّت لتحرير أكثر من 1150 أسيرا معظمهم من أولئك الأوائل.. الذين تركوا لنا تجربة نضالية غنيّة في مواجهة العدو وأداته التنفيذيّة إدارة مصلحة السّجون. وبها حقّقوا إنجازات مادية ومعنوية مهمّة لتخفيف قسوة الأسر.. من هذه التجربة انطلقنا لنراكم عليها ونطوّر الإنجازات ونزيدها.. فبفضلهم تحوّلت حياة الأسر التي أرادها العدو قتلا للروح النضالية المقاومة، وعقابا للتفكير بالحرية الجماعية والتمسّك بالحق، إلى مدرسة لصقل الوعي والانغماس أكثر في قضية الحرية الجماعية لشعب يعاني من ظلم الاحتلال، والتمسّك أكثر بالنضال والمقاومة بمفهومها الشّامل، فخفّ الشعور بالمعاناة الفردية لصالح الانصهار بالعمل الجماعي لتحقيق المصالح العليا لتلك الجماعة إن كان داخل الأسْر، أو من خلال اعتبار نضال الحركة الأسيرة ووجودها، جزء من عملية الصراع الكلي مع الاحتلال. فعلى المستوى الشخصي كانت تجربة الاعتقال (على قسوتها وطولها) محطة غنى، وصقل لشخصيتي النضالية الواقعية، وتعمّق فهمي لمعنى الحرية كإدراك للضرورة، وكحالة جماعية ترفض الانصياع لمُراد الأعداء الذين يحاولون تحويلها إلى خلاص فردي أناني على حساب الجماعة الكلية.
أكيد أنك تتابع أخبار الحركة الأسير. كيف ترى دورها اليوم مع التطورات الحاصلة في علاقة بالقضية الفلسطينية؟
فيما يتعلّق بالمرحلة الحالية التي تعيشها الحركة الوطنية الأسيرة، فهي الأصعب والأقسى. فمن خلال متابعاتنا للهجمة المسعورة التي تشنّها إدارة مصلحة السجون الصهيونية، وتزايد عمليات الإعدام المباشر لا سيّما بعد عملية طوفان الأقصى، ومضاعفة عمليات الاعتقال، وتوسيع سياسة التعذيب الجسدي والعزل الانفراد، وسحب الكثير من الإنجازات المحقّقة عبر أجيال طويلة بالإضرابات والتضحيات الكبيرة، كالخروج إلى ساحة الشمس بشكل جماعي، وتقليص المواد الغذائية ومواد التنظيف، ومنع زيارات الأهل وحتى المحامين، وتواطؤ الصليب الأحمر الدولى مع سياسة الاحتلال وتوقّف زياراته والقيام بواجباته، وتعميم سياسة الإهمال الطبي المتعمّد ما يهدّد حياة العشرات إن لم نقل المئات من الأسرى المرضى، كما حصل أخيرا مع القائد المفكر وليد دقة الذي ارتقى شهيدا بعملية اغتيال واضحة نتيجة هذا الإهمال المتعمّد بعد أن أمضى 38 عاما داخل الأسر، مع الإشارة إلى أن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ السابع من تشرين أول الماضي زاد عن العشرة شهداء، غير أولئك الذين تمّ اغتيالهم بعد اعتقالهم من قطاع غزّة والذين يزيد عددهم وفق معلومات صحافية إسرائيلية عن 27 شهيدا، ممّن كانوا في أحد السجون السرية المستحدثة في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة.. وبذلك يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 إلى أكثر من 265 شهيدا.
ملف الأسرى هو أحد أوجه الصراع مع العدو الصهيوني. ما هو دور القوى التقدمية في المنطقة وفي العالم لتحريك هذا الملف، وماهي رسالتك إلى هذه القوى؟
فعلا، وانطلاقا من ذلك فإن إحيائنا ليوم الأسير الفلسطيني هذا العام لا بدّ أن يترافق أوّلا مع صرختنا وصرخة أحرار العالم لوقف الحرب الإجرامية والإبادة الجماعية على شعبنا في قطاع غزّة العزّة والضفة الأبيّة. وثانيا الوقوف إلى جانب قضية الأسرى وفضح سياسة القتل الجماعي تجاههم، التي يقودها المجرم وزير الأمن القومي الصهيوني بن غفير، وحكومة الاحتلال النازي التي تستغلّ انشغال العالم بالجريمة الكبرى على أرض غزّة، مؤكدين دعمنا للمقاومة البطولية في وجه آلة القتل الصهيونية إن كان في القطاع أم في الضفة الغربية، داعين إلى وضع قضية الأسرى على سلّم أولويّات القوى المناضلة والحرّة في العالم، كما هي على سلّم أولويات المقاومة التي ننتظر معها النصر الأكيد والحرية الشاملة لأكثر من إثني عشر ألف أسير داخل سجون الاحتلال.
كمسؤول ملف الأسرى في الحزب الشيوعي اللبناني، في تقديركم هل سنرى قريبا الرفيق جورج إبراهيم عبدالله في إطار صفقة التبادل؟
وبما أن إحياء يوم الأسير الفلسطيني يحمل في طيّاته وككل عام قضية الرفيق القائد جورج إبراهيم عبدالله إبن قضيّة فلسطين وأسيرها والمعتقل لأجلها في السجون الصهيوفرنسية منذ أكثر من أربعين عاما، وانطلاقا من متابعتنا لهذه القضية كجزء من التزامنا بالأسرى داخل سجون الاحتلال. وبما أن أمل الحرية فُتح على مصراعيه لكلّ هؤلاء الأبطال منذ السابع عشر من تشرين أول الماضي فقد قمنا كوفد من اللجنة الوطنية لتحرير الأسير جورج عبدالله بزيارات عدّة لقادة المقاومة في لبنان المعنيّين بعملية التبادل المنتظرة، وكان جوابهم القاطع بأن القائد جورج هو أسير فلسطين وسيكون التعامل مع قضيته كأيّ قائد في السّجون الصهيونية وأن وجود عدد من الأسرى لدى المقاومة من حملة الجنسية الفرنسية فإن ذلك يؤكّد اطمئناننا بأن حرية القائد جورج عبدالله هي أكيدة ونتمنّى أن تكون قريبة، كما حرّية إخوتنا ورفاقنا الأبطال داخل السّجون الصهيونية.