حاوره شريف خرايفي
منذ أسبوع حلّت بتونس رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، وهي الزيارة الرابعة لها في أقل من سنتين. وقد آثارت هذه الزيارة كثيرا من الجدل لدى الرأي العام، بالنظر لتواترها وخاصة تزامنها مع تزايد الاهتمام بملفات حارقة، في مقدّمتها ملف الهجرة و”الحرقة” بشكل رئيسي. إلى جانب انشغال الرأي العام الدولي بالأحداث الدّامية التي تدور بفلسطين نتيجة العربدة الإجرامية للعصابات الصهيونية، وانخراط الدول الغربية، ومنهم إيطاليا في دعم وتأييد هذا الكيان الفاشي.
بخصوص جملة هذه القضايا والهواجس، حاورت “صوت الشعب” الناشط السياسي والمدني والنائب السابق المقيم بإيطاليا مجدي الكرباعي.
بداية، ما هي أوضاع المهاجرين في إيطاليا؟
المشاكل التي يتعرّض إليها المهاجرون التوانسة عديدة، ومنها المنحة العائلية المتّفق عليها بين الدولة التونسية والإيطالية والتي تُصرف لعائلات العمال التونسيين الذين يعملون في مجال الفلاحة. هاته المنحة كانت تُصرف لعائلات عمال الفلاحة عبر الصندوق الوطني للتضامن الاجتماعي في تونس. هاته المنحة تمّ قطعها وإلى الآن العمّال التوانسة لم يتوصّلوا إلى حلٍّ رغم الدعوات المتكرّرة التي توجّهت بها للمسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الخارجية التونسية من أجل إيجاد حلّ لهذه الوضعيات ولكن دون جدوى. وإلى اليوم عمال الفلاحة محرومين من المنحة العائلية التي كانت تصرف لعائلاتهم المقيمة في تونس.
مشكل آخر وهو العمال الذين قدموا في إطار التدفّقات السنوية من أجل العمل كسائقي شاحنات وعند قدومهم إلى إيطاليا اكتشفوا أنه غير مسموح بتغيير رخصهم من رخصة سياقة تونسيّة إلى رخصة إيطالية كما كان معمول به من قبل. إلا أنه عند تواصلي مع المسؤولين الإيطاليين يقولون بأن هناك اتفاقية لم يقع تجديدها بين البلدين، هذا ما عطّل عملية تحويل الرُّخص وشكّل حاجزا أمام العمال التونسيين الذين تمّ استقدامهم من أجل العمل في إيطاليا.
بالنسبة للمهاجرين التونسيّين غير النظاميّين في إيطاليا وضعية صعبة في غياب متابعة من قبل السلطات التونسية، وهنا أتحدث على الجانب القانوني: تسوية الوضعيات وتصاريح الإقامة في ظلّ تعطيلٍ من السلط الإيطالية المهاجرين يقضون فترة من سنة إلى سنتين للحصول على تصاريح الإقامة من أجل العمل والسفر، مشاكل في مراكز الحجز والترحيل التي يتمّ فيها احتجاز المهاجرين وخاصة من الجنسيات التونسية جرّاء اتفاقية بين إيطاليا وتونس تعود إلى سنوات 1998 لاحتجاز المهاجرين غير النظاميين التوانسة أو من فقدوا تصاريح إقامتهم من أجل ترحيلهم إلى تونس ترحيلا قسريًّا.
هذه المراكز يصل عددها إلى 10 مراكز في إيطاليا وأغلبية نزلائها تونسيون في إطار اتفاقية الترحيل وتونس تحتلّ المرتبة الأولى في عدد المرحّلين في إطار دائماً نفس الاتفاقية.
مراكز الحجز و الترحيل هي عبارة عن معتقلات لا يمكن زيارتها أو الدخول إليها، لا المنظمات ولا الجمعيات ولا المحامين. مراكز كما يسمّيها المهاجرون “غوانتنامو المهاجرين”، تكثر فيها الاعتداءات والتعنيف، حيث تمّ رصد العديد من الخروقات مع شهادات المهاجرين فيها كذلك التعذيب والموت المستراب وإعطاء الأدوية المخدّرة و”الأدوية النفسية ” مثل Rivotril و Valium و Tavor وهاته الأدوية تخلق إدمانا لدى المحتجزين. فمثلا هناك العديد من المهاجرين المرحّلين إلى تونس يلتجئون إلى بائعي الأدوية والمخدرات من أجل أخذ هذه الأدوية وهناك شهادات لعائلات في هذا الشأن.
موت مستراب في مراكز الحجز و الترحيل وهنا أخص بالذكر وسام عبد اللطيف الذي توفّي بعد أن تمّ نقله إلى مستشفى في روما حيث قضى 72 ساعة على سريرٍ مربوط. وإلى اليوم نحن نتابع هذه القضية. عز الدين عناني الذي توفي منتحرا في مركز الحجز والترحيل في “غرديسكا” في الشمال الإيطالي.
الاعتداءات على الموقوفين التوانسة في مراكز الأمن الإيطالي وحادثة “تبوّل” شرطي إيطالي على موقوف تونسي.
الآن نتابع قضيتين مع جمعيات حقوقية ومحامين لتونسي تمّ الاعتداء عليه في منطقة الأمن بميلانو وتونسي آخر تم تعذيبه وضربه في من قبل أعوان السجون في سجن “ريجوا إميليا”.
لا ننسى كذلك المهاجرين القصّر في مراكز الإيواء وفي السجون بعد أن تمّ فتح تحقيق في حوادث تعذيب واعتداءات عليهم في سجن “بيكاريا” في ميلانو حيث تم اكتشاف زنزانة خاصة بالتعذيب واعتداءات جنسية على القصّر. كذلك آثار تعذيب على أجساد الأطفال المساجين.
ولا ننسى الموت المستراب لعديد المساجين التونسيين الشيء الذي يدعو إلى الرّيبة. أكثر ما يقلقني هو تكرّر الاعتداءات على المهاجرين من الجنسية التونسية ما يدعو إلى التفكير في أن هناك توصيم وعنصرية ضدّ التونسيين أساسا في ظل تواطؤ الدولة التونسية والتطبيع مع هكذا ممارسات. وهو ما جعل الاعتداءات تصبح “عادة يومية” وربما ممنهجة.
منذ أكثر من سنة، تواترت اللقاءات المباشرة بين رئيسة وزراء إيطاليا ميلوني، وهي أكثر من التقاها الرئيس قيس سعيد. ما الذي يميز هذه اللقاءات؟ هل هناك علاقة متميزة بين إيطاليا وتونس؟
بالنسبة للزيارات المتكررة لجورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية إلى تونس في 10 أشهر ميلوني زارت تونس أكثر من 4 مرات حيث لاحظنا “توطّد” العلاقات بين نظام سعيد وحكومة ميلوني. وعادة ما تتوطّد هذه العلاقات التونسية الإيطالية بعد الانقلابات؟ هو في الواقع إذا حللنا نجد أن انقلاب 7 نوفمبر 1987 وحسب مصادر استخباراتية والتي تمّ نشرها بعد في جريدة La Repubblica الإيطالية وموجود المقال على النت تقول بأن الانقلاب حينها كان بمباركة إيطالية والمخابرات الإيطالية لعبت دورا كبيرا وهذا ما دفع بالعلاقات الجيدة مع نظام بن علي وإيطاليا حتى عندما فرّ رئيس الوزراء الإيطالي “كراكسي” من إيطاليا بعد الفضيحة المالية التي تعلّقت به اختار تونس في ظلّ نظام بن علي للفرار.
اليوم بعد انقلاب 25 جويلية 2021 الذي قام به قيس سعيد نشطت العلاقات كثيرا بين إيطاليا وتونس ووصلت إلى ذروتها مع قدوم اليمينية “ميلوني” إلى الحكم حيث شاهدنا قدوم وزراء الداخلية والخارجية “طياني” و”بينتدوزي”. ما يميّز العلاقات هي مئات الملايين التي تمّ رصدها لمساعدة تونس في أزمتها الاقتصادية وذهب الأمر بإيطاليا للتوسط لتونس لدى الدول السبع والولايات المتحدة من أجل إعطاء تونس القرض من صندوق النقد الدولي دون شروط مجحفة. كذلك المساعدات المالية لميزانية الدولة والمؤسسات الصغرى و المتوسطة من أجل النهوض بالاقتصاد التونسي وتشجيع الاستثمارات في تونس خاصة في مجال الطاقة المتجددة حيث تمّ بعث مشروع Elmed وهو خط كهربائي بسعة 600 ميغاوات يربط تونس بإيطاليا وسيزوّد إيطاليا بالطاقة الكهربائية التي مصدرها الطاقة المتجددة وتبلغ تكلفة هذا المشروع 1 مليار دولار. وبطبيعة الحال لم يقع التطرّق إلى التّبعات البيئيّة التي ستنجرّ على هذا المشروع الضّخم.
ولا ننسى التقارب الأيديولوجي بين سعيد وميلوني فكلاهما يمثّلان خط سياسي يميني محافظ ومعادي للمهاجرين وكذلك عنصري، وهذه هي هويّة الفاشيون الجدد.
كيف تقرأ الزيارة الأخيرة لميلوني؟ وهل حقا “غنمت” تونس حزمة من الاتفاقات التي وردت في بيان رئاسة الجمهورية؟
زيارة ميلوني الأخيرة هي زيارة تأتي بعد قدوم موجة من المهاجرين نحو السواحل الإيطالية، استشعرت “ميلوني” أن سعيّد يريد المقايضة ويريد أكثر أموال بالنسبة لمسألة الهجرة و ذلك من أجل منع المهاجرين. ولكن عند الزيارة الأخيرة التي كما وصفها الإعلام الإيطالي “زيارة خاطفة ” وتم إبرام اتفاقيات في مجال الطاقة والبحث العلمي وكذلك الهجرة لأنها هي الهاجس الذي يقلق إيطاليا. ولا ننسى انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر جوان. فزيارة ميلوني تعتبر بمثابة الحملة الانتخابية. وقد تم رصد قرابة 110 مليون أورو خلال هذه الزيارة.
هل هناك اتفاقات أخرى قد تكون “سكتت” عنها صفحة الرئاسة؟
طبعا هناك المسكوت عنه وخاصة الدعم الذي تتحصّل عليه تونس في مكافحة الهجرة غير نظامية. تونس تخفي هذه المعطيات، ولحسن الحظ هناك شفافية من الجانب الإيطالي حيث يقع الإعلان عن المساعدات المسكوت عنها في الجانب التونسي. مؤخّرًا اكتشفنا أن إيطاليا تعتزم إعطاء تونس 6 قوارب حربيّة بقيمة 4.8 مليون أورو من أجل معاضدة دور حرس السواحل التونسي في التصدّي للهجرة غير نظامية وللمهاجرين المتوجّهين نحو السواحل الإيطالية.
هل تحوّلت تونس فعليا إلى حارس حدودٍ لأوربا؟
بعد صدور أمر عدد 181 لسنة 2024 مؤرّخ في 5 أفريل 2024 يتعلّق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريّين وعمليات الاعتراض اليومية من قِبل حرس السواحل التونسي ومنع المهاجرين من الوصول إلى إيطاليا في المياة الإقليمية الدولية وإرجاعهم إلى تونس، هذا ما تتحدّث عنه الأرقام، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الحرس الوطني التونسي أنه في سنة 2023 تمّ اعتراض 70 ألف مهاجر، المهاجرين الذين تمّ اعتراضهم بطبيعة الحال سيقع جلبهم إلى تونس وبالتالي العدد الهائل لمهاجري إفريقيا جنوب الصحراء هو جرّاء هذه السياسات التي يتْبعها سعيّد في محاربة المهاجرين. تونس فعلا هي الآن حرس حدود لأوربا وتتقاضى أجرا زهيدا مقابل ذلك.
بعض وسائل الإعلام الإيطالية تؤكد أن موضوع اللقاء تطرق أيضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني. لو تعطينا فكرة عما تداوله الإعلام الإيطالي في هذا الخصوص؟
نشرت مؤخّرا جريدة “بنوراما” الإيطالية مقالا بعنوان “ميلوني وسعيّد والاتفاقيات الإبراهيمية”. المقال يتناول زيارة ميلوني إلى تونس والجانب الخفيّ من هذه العلاقات.
الجانب الخفي هو العودة إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية” في حال عودة ترامب في نوفمبر إلى البيت الأبيض. ويذهب المقال في تحليل عدّة معطيات منها علاقة تونس بالمملكة العربية السعودية حيث تمّ رصد 500 مليون دولار كقرض لتونس وإبرام 7 اتفاقيات مع المملكة ومزيد التقارب بينهم، ممّا يجعل تونس حليفة السعودية وإيطاليا، فهم يرون أن تونس حليف استراتيجي لهم، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض غير مستبعدة. كذلك بعد الدارسة التي قام بها سنة 2022 Think tank الأمريكي Hirtage Foundation حول قابلية تونس في حكم سعيّد للتطبيع. كلّ هذه البوادر تدفع بتونس أن تكون شريكا في الاتفاقيات الإبراهيمية والقبول بالتطبيع وذلك لتحالفتها مع إيطاليا والسعودية والولايات المتحدة. من يقرأ المقال يقول أنه مجرّد تخمينات ومستبعد، ولكن من يتابع مساعي ميلوني في السنة الفارطة للتوسّط لتونس حيث قامت بحثِّ عدّة دول منها الإمارات والسعودية والولايات المتحدة كذلك الكيان الغاصب من أجل دعم ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي، ولم نرى أيّ ردة فعل حينها من الجانب التونسي، وهذا موجود في مقال في جريدة il foglio وهي جريدة يمينيّة قريبة من جورجيا ميلوني.
نحن، كما عديد التونسيين، نتابع نشاطكم المتنوّع في المهجر. أين وصلت قضية “النفايات غايت”؟
قضية النفايات تابعتها وكانت بالنسبة لي قضية وطنية حملتها معي في كل الملتقيات والندوات في إيطاليا حتى إلى البرلمان والسلط المعنية، والحمد لله في محضر ختم البحث الإيطالي حول هذه القضية كان إسمي موجود كطرف كشف على هذه الفضيحة، وعلى ضوء ذلك تمّ القبض على أكثر من 13 عنصر متورّط في إيطاليا. نعم تمّ إرجاع 213 حاوية من تونس إلى إيطاليا و لكن إلى اليوم لا تزال 1900 طن من النفايات المحروقة في تونس، وأنا مازلت أتابع الأمر مؤخّرا في اتصال مع نائبة محلية في منطقة “كامبانيا “وعدتني بأن هناك مساعي لإرجاعها، مستغربة من غياب المساعي التونسية وغيابها وكأنّها ليست المتضرّر.
نتابع كل ما يتعلق بالاتّجار بالنفايات حيث موخّرًا تمّ ضبط كمية من النفايات التي كانت متّجهة إلى تونس وهي عبارة على نفايات بلاستيكية وإلكترونية. تمّ حجزها في ميناء “كرارا” الإيطالي وكانت متجهة إلى تونس، وتقول السلط إنها ليست أول شحنة وتمّ فتح تحقيق في إيطاليا. الغريب في الأمر أن في تونس لم يقع فتح تحقيق مع العلم أن في عمليات التّوريد السّلط لديها جميع معطيات الشركات وكان عليها التثبت من “المافيات البيئيّة” مع العلم أنّني تحصلت خلال متابعتي لملف النفايات على تقارير أمنية تفيد بتواجد مافيات تمتدّ من إيطاليا وتصل فروعها إلى الإدارة التونسية، وكنت قد تقدّمت بقضية إلى السلطات منذ أكثر من سنتين، وإلى اليوم لم يقع فتح أي تحقيق. هذا أعتبره تآمرا على أمن التونسيين ولكن دون جدوى.
لكم كلمة الختام:
أتمنى أن أرى في تونس يسارا اجتماعيّا و بيئيّا يهتمّ بمسائل البيئة والهجرة. هذه المسائل اليوم أصبحت تُؤرق كل مواطن تونسي. أنا أتلقّى يوميا مكالمات من الأمهات والعائلات من أجل مشاكل أبنائهم في الخارج لكن للأسف لدينا وزارات وديبلوماسية لا تهتمّ بهذه المسائل وهذا ما يزيد معاناة التونسيين.