بقلم حسين الرحيلي
انعقدت ما بين 15 و20 أفريل 2024 اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي بالولايات المتحدة الأمريكية، وبحضور وفود كل الدول المنخرطة في المنظمتين الماليتين العالميتين، وخاصة محافظي البنوك المركزية. ولئن تتميّزت اجتماعات الخريف بكونها اجتماعات ذات طابع سياسي يُعاد من خلالها النظر في العديد من العلاقات والبرامج والتحالفات والالتزامات المالية تجاه العديد من الدول، فإن اجتماعات الربيع أوّلا لا تقام إلا في واشنطن، وهي اجتماعات تقنيّة صرفة. فهي بعبارة أكثر وضوحا اجتماعات لمجلسي إدارة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. كما أن الأنشطة الموازية تكون في العادة أنشطة للبروباغندا ولمتابعة برامج المؤسّستين الماليتين وأولوياتهما في المرحلة القادمة. كما أن اجتماعات الرّبيع ليس لها انعكاسات على المفاوضات المرتبطة بملفات الاقتراض أو المساعدات المالية للدول.
وانطلاقا من هذا، فإن أغلب الدول تكون وفودها في العادة مقتصرة على محافظي البنوك المركزية وممثلي الحكومات من الدرجة الثانية. ولعل وفد تونس كان كذلك، إذ كان مكوّنا من محافظ البنك المركزي ووزيرة الاقتصاد ورئيسة ديوان رئيس الحكومة. وتغيّبت وزيرة المالية عن الحضور وذلك لكون تونس ليس لها أي ملف على طاولة صندوق النقد الدولي باعتبار أن رئيس الدولة قد حسم الجدل حول الملف السابق بـ”عدم الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي”.
ومن خلال متابعة نشاط الوفد التونسي، نلاحظ أنه تمّ التركيز على مموّلين جدد، إذ تمّ الاجتماع مع رئيس منظمة التمويل العالمية، ونائب رئيس البنك العالمي المكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إضافة إلى لقاءات ديبلوماسية مع بعض وزراء مالية دول صديقة وشقيقة كالجزائر.
كما ركّز محافظ البنك المركزي في تدخلاته على ضرورة مراجعة شروط السحب الآلي لمنخرطي صندوق النقد الدولي في إطار السماح بسحب أكثر للدول المتضرّرة من الديون. وكل ذلك يهدف طبعا إلى العمل على تعبئة موارد مالية أجنبية لتغطية عجز الميزانية العامة للدولة لسنة 2024 والمقدّرة إلى حدود اليوم بحوالي 10 مليار دينار.
ولعلّ شعار التّعويل على الذات الذي يتمّ رفعه من طرف الحكومة ورئيس الدولة ليس له أي معنى، إذا علمنا بأن مستوى التداين لتغطية عجز ميزانية 2024 قد يبلغ 28 مليار دينار، منها حوالي 16 مليار دينار من الاقتراض الخارجي والبقية من الاقتراض الداخلي.
ولئن شرعت السلطة في فتح الاكتتاب الرّقاعي للمرة الثانية لتعبئة حوالي 1.5 مليار دينار وما يمكن أن يسبّبه هذا الإجراء من المساهمة في شحّ السيولة المجلية وإخراج المنظومة البنكية من تمويل الاقتصاد إلى تمويل الحكومة، فإن التمويلات الخارجية مازالت تراوح مكانها. وليس هنالك من بوادر لحلحلة هذه المسألة، إذ أن موقف صندوق النقد الدولي سيكون حاسما تجاه تونس في مجال الاقتراض من السوق المالية العالمية. وحتى الاجتماع مع منظمة التمويل العالمي التي يأمل الوفد التونسي في الحصول منها على قروض لم يُبدِ حماسة كبرى للموضوع ممّا يُضعف إمكانية تعبئة قروض خارجية في الفترة القادمة.
كما تجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي لازال مموِّلا رئيسياًّ لتونس ولكن في مجال المشاريع والبنى التحتية وليس لتغطية عجز الميزانية الذي يمثّل الهاجس الأكبر للحكومة ونحن نقترب من نصف السنة المالية.
وبناء على ما سبق ذكره فإنه يمكن القول أن اجتماعات الرّبيع لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ليست بالاجتماعات التي يمكن من خلالها تعبئة قروض وأموال خارجية بقدر ما هي اجتماعات تقنيّة تعدّل فيها المنظّمتين الدوليّتين عقارب ساعاتها وأوتار هيمنتها المالية والنقدية على الدول.
كما تمّت أنشطة موازية تركزت جلّها حول مخرجات قمّة المناخ COP28 التي التأمت بالإمارات العربية المتحدة خلال شهر نوفمبر 2023 والتي كانت شعارات الطاقات البديلة والطاقة الشمسية والاستثمارات في هذا المجال محور هذه القمة المناخية الذي يهيمن عليها الرأسمال العالمي بمكوّناته العابرة للقارات والتي تتسبّب هي أكثر من غيرها في الانحباس الحراري والتحوّلات المناخية. ولعلّ أهمّ نشاط موازي تمّ خلال اجتماعات الربيع الاستثمار في إفريقيا في مجال الكهرباء بهدف إدماج أكثر من 300 مليون بالقارْة السمراء بشبكة الكهرباء في إطار مزيد الهيمنة من طرف الشركات العالمية الطاقية بدعم من البنك العالمي على مقدرات وثروات القارة الإفريقية التي تمثّل مستقبل العالم في مجال الطاقات البديلة والمتجدّدة أفق 2050.