بقلم: حمّه الهمامي
“الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة“
نجيب محفوظ، أولاد حارتنا
لا أخفي أنّني حين علمت عشيّة الأربعاء 15 ماي الجاري، عن طريق ما نشره أو صرّح به العديد من المحامين، بما تعرّض له المحامي الأستاذ مهدي زقروبة من تعذيب وحشي، جسدي ومعنوي، انتابتني قشعريرة واهتز كياني وتحرّكت في جسدي أوجاع وآلام يعود بعضها إلى أول اعتقال حصل لي في حياتي في شهر فيفري 1972 أي منذ 52 سنة خلت واكتشفت فيه أعماق أجهزة الدولة الدكتاتورية ويعود بعضها الآخر إلى المرات العديدة الأخرى التي اعتقلت فيها و“عشت ما عشت” بمناسبتها في محلات وزارة الداخلية وفي مراكز أمنية عدة وفي سجون البلاد التي “زرت” معظمها. وكالعادة، في مثل هذه الحالات، “هرب عليّ النوم” وبقيت أفكّر في مصير الإنسان في بلدي وفي هذه الممارسة الوحشية التي اخترعتها أنظمة الاستغلال منذ قرون عديدة وظلّت تطوّرها، وفق “الاكتشافات التقنية والعلمية والنفسية” للعصر لترهيب ضحاياها وإخضاعهم وتأبيد سيطرتها عليهم. ثمّ أبحرت في التخمينات متسائلا ماذا سيكون موقف السلطات أمام هذه الحالة المفضوحة؟ بماذا ستجيب وزارة الداخلية هذه المرّة؟ ووراء أي ذريعة ستتخفى؟ كنت على يقين، بحكم التجربة، أننا لن نخرج عن العادة، عادة “النفي القطعي” وتحذير كل من تخوّل له نفسه “الادعاء بالباطل” على أعوان الدولة “العارفين بالقانون“، “الحريصين على احترامه” وهلمّ جرّا…
وقد جاءت الإجابة صبيحة الخميس 16 ماي 2024 على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية في مداخلة صباحية بإذاعة “أي اف ام“، “غير مخيّبة للظنّ” ومتماشية تماما مع اللغة الخشبية لتي اعتدناها منذ عقود. فالرجل لم يًنسّب كلامه، حتى من باب الاحتياط، ليترك المجال لإمكانيّة التراجع لاحقا كأن يقول مثلا “حسب معلوماتنا لم يحصل هذا… ولكن الوزارة ستواصل التثبّت ولن تتوانى عن محاسبة كل من قام بتجاوزات…”. لقد نفى الناطق الرسمي نفيا قطعيّا حصول التعذيب معتبرا أن “لجوء المتهم إلى هذا الادعاء إنما الهدف منه التفصّي من العدالة” (وهي عبارة سمعتها عشرات المرات في حياتي في مكاتب التحقيق وفي جلسات المحاكم)، وهدّد أكثر من مرة بتتبّع “مروّجي المغالطات” و“مشوهي العمل الأمني” قضائيا (اللي يتكلّم دون دليل يلوم كان نفسو) وصرّح بأنّ النيابة العموميّة اقترحت عرض الأستاذ مهدي زقروبة على طبيب “فرفضوا“، قاصدا المحامين، ولم ينس التذكير بأن “ضباطنا متكونين أحسن تكوين يشهد به العالم أجمع” وأنّ “كلّ الإجراءات” سليمة” و“كلّ الأعمال موثّقة“…
إن سؤالي اليوم بماذا سيردّ الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية على ما صدر من معطيات ملموسة، دقيقة حول ما تعرّض له الأستاذ مهدي زقروبة؟ إن آثار العنف التي ترتقي إلى مستوى التعذيب حاصلة وقد عاينها المحامون وعميدهم وأعضاء هيئتهم الوطنية التي أكدتها في بيانها الرسمي ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي أصدرت بدورها بيانا مفصّلا، كما عاينها حاكم التحقيق الذي سجّل في المحضر كل ما شاهده بأم عينه. ومن المهم أن ننقل ما جاء على لسان عميد المحامين في تصريح له يوم الخميس لوسائل الإعلام فهو أبلغ من أي تحليل: “راهو عنف عاينو حاكم التحقيق، محناش جبناه أحنا وإلا نكذبو…اللي تعرّضلو شيء لا يوصف الأستاذ مهدي زقروبة…كان في وضع موش إنساني…تعرّض لانتهاكات خطيرة للحرمة الجسدية ولممارسة جريمة تعذيب متكاملة…بطاقة إيداع في حقّو وهو في غيبوبة…مرة أخرى تحس إنّو القضاء خايف، مرعوب اصبحْ…راهو موش معقول…راهو ما نجموش نبنيو دولة بقضاء غير مستقل…”.
هذا كلام عميد المحامين الذي لا يمكن حتى لفريق “الوطنيين الصادقين” أن يحشره في زمرة “المناوئين…المتآمرين…الحاقدين…العملاء…الخونة“، فالرجل لا يخفي دعمه لـ“مسار 25 جويلية” ولكنه وجد نفسه أمام وقائع ساطعة لا يمكن أن يتجاهلها أو ألّا تثير أحاسيسه. وبطبيعة الحال إذا كان التعذيب من “محصول الحاصل” فمن الذي قد يكون مارسه إذن؟ هل يوجد غير الأعوان الذين أوقفوا الأستاذ مهدي زقروبة وسحلوه في دار المحامي وعنّفوه أمام زميلاته وزملائه وأهانوه ثم “رموه” في سيارة نقل ريفي (نعم سيارة نقل ريفي) وأخذوه إلى وجهة غير معلومة. ولسائل أن يسأل، وهو أمر طبيعي ومعقول، لماذا لم ينقل الأستاذ زقروبة في سيارة أمنية عادية؟ هل ثمة حقّا داع أمني لنقله بهذه الطريقة؟
يبدو أنّ الناطق الرسمي كان يعتقد أنه حين قال إنّ كل ما يجري في مراكز الإيقاف موثّق قد خرج من ورطة السؤال عن التعذيب ولكنه لم يكن يدري أنّه وقع في ورطة أخرى. فإذا كان التعذيب لم يتم في “مركز الاحتفاظ” تحت أضواء الكاميرات فأين تمّ إذن؟ لقد جاء الجواب على لسان الأستاذ زقروبة: التعذيب تم في داخل سيّارة النقل الريفي التي لا يمكن لأي “عابر سبيل” أن يعتقد أنّ بها أمنيّين وأنّها تقلّ محاميا. كما تمّ حسب الأستاذ زقروبة في بعض الأماكن الأخرى التي قد لا تكون فيها كاميرات مراقبة. ومن المفاجآت غير السارة للمعتدين على الأستاذ أنه تعرّف عليهم فردا، فردا وذكرهم بالاسم لحاكم التحقيق. لقد جرت العادة أن تسجّل الشكاية في حالات التعذيب “ضد مجهول“، لكن المعتدين معروفون بأسمائهم هذه المرة. فوا أسفاه على من كان يظن أن بإمكانه أن يعذّب ولا تنكشف هويّته… علما وأن جريمة التعذيب لا تسقط بمرور الزمن.
نواصل. لقد أشرت إلى أن الناطق الرسمي صرّح بأن النيابة العمومية اقترحت على المحامين عرض الأستاذ على طبيب “فرفضوا“. فبماذا سيجيب بعد أن اتضح أن المحامين هم الذين طلبوا عرض منوّبهم على طبيب شرعي لكنّ حاكم التحقيق، وهذا ما سجّله بنفسه في المحضر، هو الذي رفض الطلب لأسباب أمنية (وهو ما يثير أكثر من سؤال حول الأسباب الأمنية هذه فهل أنه لم يجد من ينقل الأستاذ إلى الطبيب الشرعي؟). فمن هو الذي يقدّم إذن معطيات مغلوطة إلى الرأي العام؟ وخلاصة القول إن ما قدّمه المحامون من معطيات تثبت أن التعذيب حصل وبشكل وحشي على يد أعوان تابعين لأجهزة الدولة وتحديدا وزارة الداخلية. ومن الثّابت أيضا أن حاكم التحقيق عاين آثار التعذيب وسجّلها في المحضر وأنّه لم يُلبّ طلب المحامين عرض الأستاذ زقروبة على الفحص الطبي مباشرة. ومن الثابت أيضا أن الحاكم أصدر في شأنه بطاقة إيداع وهو في حالة إغماء ممّا استوجب نقله إلى المستشفى وقد رافقه العميد ولم يفارقه إلا بعد استعادة وعيه.
ومهما يكن من أمر فإن الفحص الطبّي سواء تم أو لم يتم لن يغير في الأمر كثيرا فالجريمة ارتكبت وقد عاين آثارها المحامون وقاضي التحقيق على حد سواء وهي موثّقة في محضر. ولا مفرّ اليوم من أحد أمرين لا ثالث لهما فإمّا أن يوقف المعتدون ويخضعوا للمساءلة والمحاكمة طبقا للقانون، هم وكل من تورّط معهم بأي شكل من الأشكال سواء بإعطاء أوامر أو بالتستّر عليهم، ووقتها تكون الجريمة محصورة فيمن ارتكبها أو شارك فيها أو أن يفلتوا من العقاب وتقع حمايتهم كما وقعت حماية غيرهم في السابق سواء قبل الثورة أو بعدها وتصبح وقتها الجريمة جريمة دولة يتحمّل مسؤوليتها القائمون على وزارة الداخلية ووزارة العدل “وكل من سيكشف عنه البحث” مع العلم أن جريمة التعذيب، كما ذكرنا أعلاه، لا تسقط بالتقادم.
لقد ركّزتُ في هذا النص على موضوع التعذيب فقط واجتنبت الخوض في التهم الموجهة إلى الأستاذ زقروبة وهي تهم بيّن المحامون تهافتها. وهذا التركيز مقصود لأن التعذيب ممارسة وحشية وجريمة في كل الحالات. وقد عانت بلادنا كثيرا وما تزال من هذه الممارسة الوحشية. ولا ينفع الناطق الرسمي ذكره أن لنا “ضباطا على درجة كبرى من التكوين يشهد بها العالم أجمع” لإبعاد شبهة تعذيب الأستاذ زقروبة لأن هذه اللغة الخشبيّة نعرفها جيدا. وهي عاجزة عن الصمود لحظة واحدة أمام الوقائع اللجوجة. فهل أن الناطق الرسمي يتابع التقارير التي تنشرها المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بشكل دوري وترصد فيها حالات التعذيب في مراكز الأمن والسجون وهي حالات كثيرة وفي بعض الأحيان موثقة؟ هل نسي أسماء الذين قضوا نحبهم على يد أعوان من البوليس التونسي خلال الأعوام الأخيرة علما وأن معظم الجناة في الملفات القضائية المعنية إن لم يكونوا كلّهم لم تتم محاسبتهم وهو ما يؤكّد أن سياسة الإفلات من العقاب مستمرّة؟
وما دمنا نتحدث عن الإفلات من العقاب الذي تتحمل الدولة مسؤوليته ويجعلها مورطة في التستّر عن التعذيب، نسأل الناطق الرسمي إن كان اطلع على آخر بيان للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، وهي هيئة رسمية تضع على رأس وثائقها شعار الجمهورية، أصدرته بمناسبة 8 ماي اليوم الوطني لمناهضة التعذيب والذي أكدت فيه “إدانتها الشديدة لكل جرائم التعذيب” كما ذكّرت فيه “بضرورة وضع حد للإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ضمانا لعدم تكرارها وإنصافا للضحايا“. وبطبيعة الحال فإن هذه الهيئة لا تتحدث في بيانها لا عن نيكاراغوا ولا عن هونولولو وإنما عن تونس. وهذا المطلب نفسه أي وضع حد للإفلات من العقاب هو الذي ترفعه كل المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية وفي مقدمتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب بشكل دائم ومستمرّ.
إن لغة التهديد والوعيد لم تنفع في سنوات الجمر فكيف لها أن تنفع في بلد قام شعبه بثورة أطلق عليها اسم “ثورة الكرامة” ولا نعتقد أن القوى الحية في هذا الشعب مستعدّة للتفريط في مكسب الحرية المحقّق بالتضحيات والدم وقبول الظلم والقهر من جديد والتطبيع معه ومع أحد أهم مظاهره وهو التعذيب. إن مقاومة هذه الآفة ستتواصل سواء اعترفت بها السلطة أم لم تعترف إلى حدّ القضاء عليها في بلادنا لما فيها من إهانة للكرامة البشريّة. أما بالنسبة إلى المحامين فمن الواضح أنهم فهموا الرسالة من خلال ما وقع لـ“دارهم” وفي “دارهم” وما وقع لزميليهما الأستاذ زقروبة والأستاذة سنية الدهماني وما وقع لزملاء آخرين لهم قابعين بالسجن منذ ما يزيد عن العام بتهمة “التآمر على أمن الدولة” وتهم أخرى يضيق المجال لذكرها بسبب كثرتها.
لقد صرح رئيس الدولة على إثر اعتقال الأستاذ زقروبة والأستاذة سنية الدّهماني، المحامية والإعلامية، بأن لا مشكل مع المحامين كقطاع ظنّا منه أنّه سينهي الأزمة بهذا التصريح ويحصر المسألة في الأستاذ زقروبة والأستاذة سنية الدهماني اللذين أدانهما قبل حتى أن يجرى أو ينتهي البحث معهما (الأستاذة الدهماني “حقرت” وطنها في وسائل الإعلام و“رذّلته” والأستاذ زقروبة “اعتدى بالعنف على ضابط” “والمحاماة سلك أشرف من أن ينتمي إليه من يحقّر وطنه ويعتدي بالعنف على ضابط“). ولكن الرد جاءه من المحامين أنفسهم الذين تجمعوا يوم الخميس 16 ماي 2024 بشارع باب بنات كما لم يتجمّعوا من قبل وهم يعلنون أن المحاماة في خطر وأنهم على استعداد لمقاومة الاستبداد كما قاوموه في السابق بل إنهم لم يتوانوا عن التصريح: “لن نقبل بتركيع المحاماة…سنحاسب كل من تورط في تعذيب مهدي زقروبة واعتدى على دار المحامي“. وقد رفعوا العديد من الشعارات التي تذكّرنا بتلك التي رفعوها أيّام الثورة مذكّرين من يحلم بعودة دولة البوليس بأن زمنها قد ولّى وانتهى.
ومن النافل أن القضاة أعلنوا أكثر من مرة أنهم “في خطر” وأنّ سلطتهم “تفقد استقلاليّتها“. وهو نفس ما صرخت به حناجر الصحفيّين والصحفيات بقيادة نقابتهم أكثر من مرة وهم يرون زميلات وزملاء لهم يقادون إلى المحاكم والسجون أو إلى مراكز البحث أو يُعتدى عليهم أثناء أداء واجبهم ووسائل إعلام عمومية تُخضع وأخرى خاصّة تفكّك وتدمّر بينما الخوف والرقابة الذاتية تسري في النفوس وتتحكّم في العقول شيئا فشيئا. وهو أيضا ما ظلّ يتردد على لسان المسؤولين النقابيين من أنّ اتحادهم في مرمى سهام السلطة القائمة مع العلم أن قيادة منظمة حشاد لم تتردد في بيان لها إثر اقتحام دار المحامي في اعتبار “هذا الاعتداء السافر وغير المسبوق على المحاماة التونسية… إحدى المقدمات لإرساء دولة الانتهاكات والاستبداد“.
أما الجمعيّات والمنظّمات الحقوقيّة وفي مقدمتها الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات والمنتدى الاقتصادي والاجتماعي فهي ترى الخطر على مرمى حجر منها “ملفوفا” في مشروع قانون جديد للجمعيات علاوة على الانتهاكات المستمرة التي تطال قياداتها كما تطال منخرطيها نساء ورجالا بعناوين وذرائع مختلفة. هذا دون أن نتحدث بالطبع عن الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تدرك غالبيتها اليوم أن الفائز في انتخابات 2019 “تكهّن” لها بالزوال في ظرف عشر سنوات في ذات حوار صحفي بتاريخ 12 جوان 2019 سيخلّد اسم الإعلامية كوثر زنطور باعتبارها التي كشفت مبكّرا وبحِرفية عالية، مشروع هذا الفائز وهو ما يدفع اليوم الأحزاب الديمقراطية التقدمية إلى التكتّل شيئا فشيئا ورفع شعار المقاومة، وهذا دون أن نتحدث أيضا عن نخب مثقفة أصبح معظمها، بمن فيهم شخصيات انجرت في البداية وراء ما آسمته “مسار 25 جويلية“، يحذّر من المنعرج الخطير الذي تأخذه الأحداث ولا يتردد في وصف هذا المنعرج بالاستبدادي والدكتاتوري ويدعو إلى التصدي له.
وما من شكّ في أنه إذا استشعرت كل هذه القطاعات والتنظيمات خطر الاستبداد والدكتاتورية الذي يهدد كيانها وكيان المجتمع عامة وصمّمت على النضال دفاعا عن وجودها، ولو كل على حدة في البداية، فلا نخال ذلك إلا خطوة أولى ستليها في اللحظة الحاسمة خطوة أخرى وهي توحيد الصفوف لخوض المعركة معا دفاعا عن شعب حرّ ووطن سعيد لم يتحقق في الطور الأول من الثورة ولكنّه قابل للتحقيق في طور جديد منها سيعمل الجميع على أن تقوده رؤية وبرنامج ديمقراطيّان، تقدميّان، جذريّان، واضحان.
“أنا يا تونس الجميلة في لجّ الهوى قد سبحت أيّ سباحهْ
شرعتي حبّك العميق وإنّـي قد تذوّقت مرّه وقًراحَـــــــــهْ
لا أبالي…وإن أُريقت دمائي فدماء العشّاق دوما مباحـــهْ
إنّ ذا عصر ظلمة غير أنّي من وراء الظلام شمتُ صباحهْ
ضيّع الدّهر مجد شعبي ولكنْ ستردّ الحياة يوما وشاحَــهْ“
وفي الختام…
وفي انتظار ما ستؤول إليه الأمور إليك منّي أستاذ مهدي زقروبة كل عبارات التضامن. إنني أشعر بما تشعر به من ألم رغم أنني لم ألتقك إلا نادرا بين المحامين ورغم أن ما يمكن أن يفصلنا فكريا وسياسيا أكثر ممّا يجمعنا. لكن جريمة التعذيب لا تصنّف لا سياسيا ولا أيديولوجيا لأنها جريمة ضد إنسانية الإنسان. وفي هذا السياق دعني أقول لك إن التعذيب الذي تعرّضت له شخصيّا مرارا ومرارا في حياتي لم يُدمّرني مطلقا إنما ثبّت قناعاتي أوّلا وعمّق شعوري الإنساني كي أرفض التعذيب رفضا قطعيّا مهما كان الضحية ثانيا وجعلني، كما جعل رفيقاتي ورفاقي، أقاوم تحت شعار “كلّ الحقوق لكل الناس“…
خفّف على نفسك بالضحك وأنت في “مقرّ سكناك الجديد“. وإن لم تجد مع من تضحك وعلى من تضحك فتذكّر ما حصل لك في حياتك من نوادر. فهي ستًنعشك وتُضحكك وترحل بك من زنزانتك إلى مسافات كبيرة في الزمان والمكان.
وإلى الملتقى… “وهاني جايك يا سنية… ما نسيتكش”
تونس، في 17 ماي 2024