تتصاعد الانتهاكات في بلادنا وخاصة تلك التي تستهدف الحريات، وعادت تونس إلى صدارة تقارير المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام باعتبار الإيقافات والتتبعات التي تتم على خلفية الرأي أو النشاط الجمعوي، وتطال محاكمات الرأي النشطاء وآخرهم إيقاف مناضل حزب العمال بالقيروان الرفيق محمد وليد الزايدي الذي تم الزجّ به في السجن على خلفية نشره لتدوينة فايسبوكية من صفحة موقع إعلامي تونسي حول موقف حزبنا من الانتخابات المحلية المهزلة التي جرت منذ أشهر، كما طالت إعلاميين وصحفيين وآخرهم مراد الزغيدي وبرهان بسيس اللذين حكم عليهما بعام سجن لكل منهما، علما وأن مجمل الإيقافات الخاصة بالرأي تتم على أساس المرسوم 54 الفاشي الذي أصبح يزعج حتى بعضا من أنصار سعيد وانقلابه. علما وأنّ ابراهيم بودربالة المنصّب على رأس برلمان الدمى مازال يجمّد “مبادرة تشريعية” لتنقيح المرسوم سيء الذكر وخاصة الفصل 24 الذي يهمّ العقوبات السجنية المسلطة، علما وبودربالة الذي لا يتحرك إلا إذا تمّ تحريكه، منضبط لإرادة ولي نعمته وسيد أمره الذي يشتغل اليوم بالمرسوم الفاشي لفرض صمت المقابر على المجتمع، لفرض مشروع الاستبداد وتمرير المهزلة الانتخابية لتنصيب نفسه سلطانا دون منافس ولا منازع.
إنّ الهدف غير المعلن من استهداف الحريات هو استعادة الخوف والرعب الذي حكمت به الدكتاتورية لعقود. لكن ما فات سعيد، مثلما فات بورقيبة وبن علي وأضرابهما من المستبدين، ما فاته وما لم يقرأ له حسابا هو روح المقاومة صلب المجتمع التي لا يمكن أن تموت حتى وإن تراجعت. وقد جاءه الرد مثلما كان منتظرا من المحامين قطاع ملاحم الحرية، فقد نظموا تحركات هي الأضخم منذ الثورة دفاعا عن كرامتهم التي انتهكها النظام باقتحام دار المحامي بالعاصمة وإيقاف محامين بطريقة همجية أعادت إلى السطح التعذيب كأسلوب حكم إذ تعرّض الأستاذ مهدي زقروبة إلى تعذيب وحشي عاينه المحامون وقاضي التحقيق.
إنّ حصيلة النظام من الانتهاكات تتصاعد بما يدلل على طبيعته وجوهره. وهو وضع يقتضي اليوم من القوى التقدمية أحزابا ومنظمات وشخصيات أن تعي اللحظة التاريخية الدقيقة والفارقة، فلن يرحم التاريخ من يصمت على الانتهاكات أو يتواطأ معها، كما لن يرحم جوقة الأتباع الذين لا يتوانون حتى في التورّط في حملات التخوين والتجريم وإصدار الأحكام.
إنّ تصاعد القمع لن يفلّ من إرادة الثوريين والتقدميين والديمقراطيين المتماسكين أنصار الحرية ودرع الدفاع عنها مهما كانت موازين القوى. وإنّ حزب العمال الذي صاغ تجربته منذ تأسيسه منحازا إلى الحرية حتى لخصومه، يظل مقتنعا أن حرية للجميع بما فيه خصومها أفضل من وضع يعمّم فيه القمع ليدمّر الحياة العامة.