هل حان الوقت لبناء جبهة موحدّة للدفاع عن الحقوق والحريات لمواجهة استبداد سلطة الانقلاب؟
في خطوة جديدة لمنظومة الانقلاب، تمّ يوم 22 ماي 2024 الحكم بسجن الصحفي مراد الزغيدي والإعلامي برهان بسيس بسنة سجن بعد إحالتهما على الفصل 24 من المرسوم 54 سيّئ الذكر بتهمة تعمّد كلّ منهما نشر عدة تدوينات والقيام بتصريحات تضمّنت إشاعات وأخبار تمسّ من النظام العام وتعكّر صفوه. وفي تفاصيل الحكم قضت الدائرة الجناحية بالسجن لكليهما لمدّة 6 أشهر من أجل تعمّد استعمال شبكة وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج وترويج ونشر وإرسال وإعداد أخبار وإشاعات كاذبة بهدف الاعتداء على حقوق الغير والإضرار بالأمن العام، و6 أشهر سجن من أجل استعمال أنظمة معلومات وإشاعة أخبار تتضمّن نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعته والإضرار به ماديا ومعنويا.
هذه الأحكام السجنية القاسية والتي تستهدف حرية التعبير والصحافة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فخلال الفترة الأخيرة تصاعدت وتيرة الاستهداف ضدّ الحرّيات العامة والخاصة، وتواترت محاكمة الصحفيين على خلفية أعمالهم الصحفية تزامنا مع التهديدات والتضييقيات ضدّهم، فقد تمّت إحالة الصحفيين بسبب أعمالهم منذ سنة تقريبا في 39 مناسبة بقوانين زجرية على غرار قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، مجلّة الاتّصالات، المجلّة الجزائية والمرسوم 54 سيّئ الذكر. وفي سابقة خطيرة، بلغت الأحكام السجنية ضدّ الصحفيين والمعلّقين – وإلى اليوم – تسعة أحكام وقد تمّت هذه الإحالات خارج المرسوم 115 المنظّم للمهنة الصحفية.
الانفتاح على المبادرات الإيجابية والتشاركية دفاعا عن حرّية التعبير والصحافة
وأمام هذه التطوّرات الأخيرة من اقتحام لدار المحامي واختطاف محاميين وإيقاف وسجن كلّ من شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب وحسام الحجلاوي ومراد الزغيدي وبرهان بسيس وسنية الدهماني، انعقد يوم 20 ماي الجاري، اجتماع للمكتب التنفيذي الموسّع للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لاستعراض المخاطر التي تواجه حرية الصحافة والتعبير. كما تمّ تناول وضع الإعلام العمومي حيث تمّت ملاحظة أنّ السياسات المتبعة من طرف القائمين على مؤسسات الإعلام العمومي تضرب في العمق مبدأ التنوّع والتعدّد عبر تغييب الرأي الآخر وصنصرة مضامين صحفية نقدية للسياسات العامة المتّبعة من السلطة القائمة قصد تحويلها إلى جهاز دعاية، ودعا المكتب التنفيذي الموسّع الصحفيات والصحفيين بالمرفق العمومي إلى عدم الالتزام بالتعليمات التي تضرب جوهر المهنة الصحفية وأخلاقياتها.
وأكّد أعضاء المكتب التنفيذي الموسع مواصلة تحمّل النقابة مسؤولياتها في الدعم القانوني لكلّ ضحايا ضرب الحريات الصحفية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين. وتدعيم الحملات ضدّ توظيف القضاء لمنظومة تشريعية قمعية للفتك بحرية الصحافة، وتوسيع التحالفات الممكنة لإيقاف العمل بالمرسوم 54 وقيادة شتّى أشكال النضالات والتحركات المشروعة دفاعا عن ديمومة المهنة وحقوق الصحفيين والحريات الفردية والجماعية للدفاع عن حقوق المواطنة والمساواة والديمقراطية. والانفتاح على كلّ المبادرات الإيجابية والتشاركية على غرار دعوة عمادة المحامين إلى المؤتمر الوطني للحقوق والحريات، والتصدّي لاستعمال المهنة وتوظيفها لخدمة أجندات لا علاقة لها بالصحافة وأسسها وأهدافها.
استبداد وحكم فردي مطلق سمته انتهاك الحقوق والحريات
وصف بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ما آلت إليه الأوضاع في الفترة الأخيرة بالانتهاكات الممنهجة للحقوق والحريّات في ظرف استثنائي تعيشه البلاد.
وبمناسبة إحياء الذكرى 47 لتأسيس الرابطة، أكّد الطريفي أنّ تونس تعيش حالة من الاستبداد والحكم الفردي المطلق سمته انتهاك الحقوق والحريّات على جميع المستويات، إذ عمدت السلطة إلى حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعيين مجلس من قبل رئاسة الجمهورية وسنّ قانون يسمح بعزل القضاة دون الرجوع إلى المجلس أو احترام الأحكام القضائية لفائدتهم الصادرة عن المحكمة الإدارية، واليوم يتمّ توظيف القضاء لضرب وملاحقة النشطاء والسياسيين من خلال قضايا التآمر على أمن الدولة ومحاكمة الصحفيين والنقابيين والمحامين والمدوّنين ومئات المواطنين على خلفية المرسوم 54 سيئ الذكر. بل إنّ السلطة تواصل الضغط على المنابر الإعلامية من أجل تمرير الرأي والموقف الواحد كما تسعى إلى إخماد كلّ صوت معارض وناقد من خلال ضرب الجمعيات ومحاولة لتمرير قانون يهدف إلى مزيد خنق والتضييق عليها.
وأمام هذه المخاطر والانتهاكات الخطيرة التي تسهدف الجميع، دعا الطريفي إلى ضرورة توحيد الجهود والوقوف وقفة صمّاء ضدّ كلّ الانتهاكات والانحرافات، وأن يتّحد الجميع في جبهة حقوقية مدنية واسعة وشاملة من أجل الذود عن مكتسبات الشعب التونسي.
جبهة ديمقراطية حقوقية شاملة واسعة للدفاع عن جميع المكتسبات
ما نعيشه اليوم هو واقع مرير وخطير جدّا، واقع تنتهك فيه جميع الحقوق والحريّات والضمانات الأساسية والحرمة الجسدية والمقرّات، وكلّ هذا بعد أن انتهكت السلطة القضائية. وقد أكّد أنس الحمايدي رئيس الجمعية التونسية للقضاة أنّ توجّه السلطة رأسا نحو الاستهداف الكامل للسلطة القضائية هو بداية لاستكمال استهداف كلّ الحقوق والحريّات وأنّ سقوط القضاء المستقلّ وإدخاله إلى خانة القضاء الوظيفة والتأسيس عليه في “الدستور” وتفعيله عبر قوانين منذر بكلّ المخاطر.
وذكّر الحمايدي أنّه ومنذ حلّ المجلس الأعلى للقضاء الضمانة الشرعية والمنبثقة عن دستور 2014 تتالت الانتكاسات داخل القضاء وحدثت مجزرة الإعفاءات بتاريخ جوان 2022، بل ومع سقوط القضاء المستقلّ استهداف للجميع من مختلف القطاعات والفئات، منبّها أنّه وبمجرّد التفريط في هذه الضمانة سيتمّ التفريط أيضا في جميع الحقوق والمكتسبات ولن يكون أحد بمنأى عن بطش السلطة وسطوتها إذا تمّ التخلّى عن القضاء المستقلّ.
وأمام هذا الوضع القاتم، دعا الحمايدي القضاة إلى تحمّل مسؤولياتهم رغم الوضع الحالي الصعب، بل هناك مسؤولية أمام القضاء في توفير ظروف المحاكمة العادلة وحماية الحقوق لجميع المتهمين، محذّرا إنّ الوضع خطير جدّا ولم يتبقى من القضاء إلاّ النزر القليل من الاستقلالية والذي بدوره أصبح مستهدفا.
الحمايدي شدّد أنّ المعركة الحالية لم يتبقّ منها الكثير، وهي تتطلب توحيد الجميع وبناء جبهة ديمقراطية حقوقية شاملة واسعة للدفاع عن جميع المكتسبات وفي مقدّمتها استقلالية القضاء، بل إنّ الوقت الحالي لم يعد يسمح بالحياد أمام تتالي الانتكاسات.
إنّ خطورة تواصل الانحرافات والتي مسّت الحرّيات بشكل عام، دفع بأكثر من منظّمة وطنية للدعوة إلى ضرورة توحيد الجهود ورصّ الصفوف للدفاع عن المكتسبات التي حقّقت عبر نضالات أجيال وأجيال من زمن الدكتاتورية إلى اليوم، فالهيئة الوطنية للمحامين دعت بدورها إلى ضرورة التشبيك لتوحيد الجهود بين مكوّنات المجتمع المدني وتنسيق العمل دفاعا عن الحقوق والحريّات في ظلّ وضع أصبح يتّسم بانتهاكات للحريات العامة والخاصة والضغوطات المسلّطة على القضاء.