الرئيسية / صوت الوطن / في ملف مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء: السلطة هي المتسبّبة في هذه الفوضى!
في ملف مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء: السلطة هي المتسبّبة في هذه الفوضى!

في ملف مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء: السلطة هي المتسبّبة في هذه الفوضى!

بقلم كمال عمروسية

في المدة الأخيرة سال حبر كثير بخصوص تواجد أفارقة دول جنوب الصحراء بتونس، كما أخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا من اهتمامات الشارع وانقسم المجتمع التونسي بين متمسّكٍ بمقاربة حقوقية شاملة ومؤيّدٍ لبقائهم، في حين نادى الجزء الآخر بترحيلهم وأطلق العنان للخطابات والمقولات العنصرية في شأنهم. هذا وقد “بلغ السّيل الزّبى” كما يقال في ولاية صفاقس من الجنوب التونسي وتحديدا في مدينتي جبنيانة والعامرة.
إن الباحث في حركة هجرة أفارقة دول جنوب الصحراء يلاحظ أنها كانت عادية بل محدودة جدا ويمكن اعتبار حدثين مهمّين كانا قد سرّعا بارتفاع منسوب هذه الهجرة. يعود الأول إلى سنة 2003 وهو تاريخ انتقال مقرّ إقامة البنك الإفريقي للتنمية من العاصمة الإيفوارية أبيدجان إلى البلاد التونسية ومكّن ذلك من انتقال عائلات وفتحوا الباب للأقارب والأصدقاء من أجل النيل من العلم والتمدرس والعمل أيضا. أمّا الحدث الثاني فيعود إلى سنة 2014 وبالتحديد إلى فترة حكم الترويكا بعد انتخابات المجلس التأسيسي حين قرّر المنصف المرزوقي بصفته رئيسا للبلاد إلغاء التأشيرة للقادمين من عدد مهم وكبير من الدول الإفريقية وذلك بمناسبة الملتقى المنظّم تحت عنوان “تونس وإفريقيا الصحراوية: نحو استراتيجية التكامل المستدام”، ولقد فتح هذا القرار السياسي الباب أمام موجات عارمة وتدفّق كبير للمهاجرين من دول إفريقية.
إن أسباب الهجرة متعددة فهؤلاء المواطنون فارّون من ويلات الحروب والفقر والأمراض والأوبئة وتكبّدوا الويلات وذاقوا الأهوال من أجل الوصول إلى تونس. إن المهاجرين القادمين من نيجيريا ومالي والتشاد والكوت ديفوار والنيجر والسينغال… وغيرها من الدول، وآخر الموجات من السودان، كلهم قادمون إلى تونس ويسكنهم حلم الوصول إلى أوروبا، وطبعا البوابة هي السواحل التونسية. لقد تعرّض المهاجرون غير النظاميين منذ وصولهم إلى تونس إلى أبشع أنواع الاستغلال الاجتماعى والاقتصادي. وبعد تزايد أعدادهم، وللأسف إلى غاية يوم الناس هذا لا نعلم عددهم الجملي، لكن الثابت أنه تجاوز عشرات الآلاف ويكفي أن هؤلاء المواطنين موجودون وموزّعون على مختلف مناطق البلاد. إلا أن غالبيّتهم قرّروا الاستقرار بمدينة صفاقس وذلك ربما لأسباب مختلفة قد يكون أهمها إمكانية الحصول على عمل من ناحية وقرب سواحل هذه المدينة إلى إيطاليا من ناحية ثانية. وعلينا أن نعترف أن هؤلاء المهاجرين الذين يقيمون في مدينة صفاقس في مرحلة أولى تسوّغوا المحلات السكنية واشتغلوا في المطاعم والمقاهي والحانات ومع الحرفيين والتجار… وكان شغلهم الشاغل تجميع الأموال وتحصيل كلفة الرحلة البحرية نحو السواحل الإيطالية وهنا لقى حتفهم الكثير، بل إن أعدادا طائلة منهم تعرضوا إلى التحيّل بعد أن امتطوا مراكب حديديّة يسهل غرقها في عرض البحر.
ولقد دفع الخطاب الرسمي التونسي نحو انتشار حملة عنصرية ضدهم وأصبحت بعض الصفحات الجهوية، وحتى المركزية، تقوم بالتحريض عليهم وتصفهم بأبشع النعوت وتعتبرهم سببا في فقدان الخبز والسكر والفارينة، وغيرها من المواد الأساسية، وبدأت معارك تنشب من حين لآخر في بعض الأحياء الشعبية التي يؤمّها مهاجرو دول جنوب الصحراء، وبدأ التضييق عليهم وطردهم من مقرات سكناهم ومن عملهم ولم يجدوا غير الشارع ملاذا لهم يتحصنون به، فليس في وسعهم العودة إلى البؤر القادمين منها ولا إمكانية لهم في مغادرة الحدود البحرية.
الغريب في الأمر أن السلط التونسية، ومن خلال قواتها الأمنية، كثيرا ما لاحقتهم ونكلت بهم، ولعل القرار السياسي القاضي بنقلهم إلى مدينة العامرة زاد في تعكر الأوضاع. يبدو أن الآلاف الآن يقيمون بين العامرة وجبنيانة في ظروف لا إنسانية؛ فلا عمل ولا تغذية ولا صحة، وهناك حديث اليوم عن عشرات المخيمات في هذه المنطقة. إن أهالي هذه المنطقة في بادئ الأمر مدوا يد المساعدة للمهاجرين ومكّنوهم من الأكل والملبس والغطاء. وتمت معاملتهم بشكل لائق في وقتٍ تنصّلت فيه الدولة كليّا من مسؤولياتها ومخالفتها للمعاهدات الدولية والقوانين التي تضبط نواميس معاملة اللاجئين.
لقد أصبح الفلاح الصغير في مدينة العامرة وجبنيانة يعاني بحكم عدم استغلاله لأرضه وفي نفس الوقت بدأت توجد تجمعات سكنية لكل جنسية للمهاجرين على حدة، وبين الحين والآخر تنشب معارك بين الحي الفلاني والحي الفلاني (السنغالي والنيجيري مثلا) وتصاعدت وتائر الجريمة و”البراكاجات”.
وبعد زيارة ميلوني الأخيرة إلى تونس واصل تزايد تدفق المهاجرين على مدينتي العامرة وجبنيانة من كل حدب وصوب ومن كلّ الاتجاهات، فالحكومة التونسية أخذت قرار ترحيل عدد من المهاجرين، إما إلى حدود الجنوب التونسي أو إلى حدود الشمال الغربي، وطبعا لا السلطات الجزائرية ولا الليبية ستسمح بذلك، بل على العكس فكل المهاجرين يدخلون من هاتين البوّابتين.
إن تونس تتحول شيئا فشيئا إلى حارس للحدود الإيطالية وسيتواصل عدد المهاجرين ولا نعتقد أن المعالجات الأمنية هي الكفيلة بحلّ هذه الأزمة ولا حملات التحريض والشيطنة والدعوات لمواجهة ما يسمى “بالتوطين” قادرة على مواجهة ذلك. إن المقاربة الأمنية ومقاربة الترحيل ليست هي الحل السليم بل الانتصار لثقافة الحقوق الكونية هو الكفيل بمواجهة ذلك. إن الدولة مطالبة بتحمل مسؤولياتها وتمكين هؤلاء المواطنين من العلاج وتوفير الشروط التي تضمن كرامة المهاجرين وليس مطروح مطلقا أن تكون الحلول على حساب مصالح وقوت السكان التونسيين.
هذا كما أن سكان بلدتي العامرة وجبنيانة أصبحوا يحتجون باستمرار على خلفية تزايد أعداد المهاجرين ونظموا احتجاجات مطالبين فيها بترحيل المهاجرين ويحمّلونهم مسؤولية عمليات السرقة والجرائم التي تفاقم عددها وبدل المعالجة السليمة تسعى قوات الأمن التونسية إلى تفكيك المخيمات وبات الأهم بالنسبة للسلطات التونسية هو الرضوخ لضغوطات الدول الأوروبية ومنع وصول المهاجرين إلى أراضيها. وباسم السلم الاجتماعية تقوم قوات الأمن التونسية بمختلف أسلاكها بحملات أمنية كبيرة ومحاولات مستمرة لتفكيك المخيمات في مزارع الزيتون ومحاولاتٍ لترحيل المهاجرين الغير نظاميين إلى جهات غير معلومة ومجهولة المصير.
إن المقاربة والحل الأمني لن يُنهيان الأزمة داخل هذه المدن، فأولى وأحرى اعتماد حلول جذرية تحفظ كرامة وحقوق المهاجرين من ناحية وتحفظ الممتلكات الخاصة للسكان وحياة آمنة للجميع من ناحية ثانية، فمن حق أفارقة دول جنوب الصحراء أن يتنقلوا بحرية داخل التراب التونسي دون فرض قيود عليهم ومن غير المعقول أن يقطن هذا العدد الكبير في منطقة واحدة وهذا هو القرار الخاطئ الذي اتخذته السلطات التونسية تحت تأثير ضغط كما أسلفنا عناصر ينسبون أنفسهم إلى المجتمع المدني. إن المعالجة يجب أن تكون متعددة الأبعاد وتأخذ في الاعتبار المعطى السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي وبداهة القانوني.
إن السلطات التونسية مطالبة بالالتزام بكل المعاهدات والمواثيق الدولية التي تضبط الأسس والمبادئ والقوانين التي تنظم وضعية المهاجرين وكم هي عديدة المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها من البلاد التونسية.

إلى الأعلى
×